غالبا ما نفكر بالسلام على أنه حالة غياب الحرب ، تلك الحالة التي نضعُ فيها الأسلحة جانباً و يحكمنا تفهم الآخر ، إلا أننا لو نظرنا بعمق فسنجدُ أن أسوء الأسلحة هي انفسنا نحن ، فـ ” تيك نات هان ” يقول ” أننا حتي لو نقلنا جميع الأسلحة الي القمر فإن جذور الحرب و جذور القنابل موجودة في قلوبنا .. عاجلاً أم آجلاً سنصنع قنابل جديدة ” . و يبدو أن القس الأمريكي  ” يوهان أرنولد ” قد وصل لنفس النتيجه عندما قال ” شاهدت ُ مرة إعلانا لإمرأة تجلس قرب أحد المرافئ على كرسي ٍ منبسط و تنظر بعيدا نحو بحيرة بإتجاه الغروب وكٌتب في الإعلان ” وظيفة رائعه ، أطفال رائعين ، زيجة رائعه .. و شعور مؤلم بالفراغ المُطلق ” ثم يتسائل كم يا تُري من الملايين الذين يشاركونها خوفها الصامت ؟ .

كم كان العالم سيكون مُختلفا لو عشنا في سلام حقيقي مع أنفسنا !؟ فالسلام بالمفهوم السياسي للكلمة ربما يعني الكثير من الإتفاقيات التجارية و السياسية و المعاهدات ، لكن هل هذا هو السلام الحقيقي إذا ما كانت هذه المعاهدات قائمه على موازنات القوه و المصالح المتغيره ؟. فلا عجب إن كانت فراساي التي انهت الحرب العالمية الاولي سببا في إندلاع الحرب العالمية الثانية .

إن البحث عن السلام حالة فلسفية أكثر من مجرد غياب الحرب فهي في حقيقة الامر – كما يعتقد يوهان أرنولد – ليست حالة غياب أي شيئ بل حالة تأكيد أقصي لما يمكن أن يكون ، وربما الرغبه في البدأ من نفسك دون أنانيه ، وبما أن ” دورثي داي ” في كتابها ” الوحدة الطويله ” تقول أنه من النادر أن يكون الناس مستعدين للبدأ بأنفسهم في معرض حديثها عن العالم الأفضل ، لذا ربما يكون من المنطقي الحديث أكثر عن الذين بدأو فعلا بأنفسهم . ولعل طه حسين واحد من اهم النماذج التي تستحق الدراسة فـ ” امينة رشيد ” تصفه ٌ بانه حقيقة و أسطوره ، حقيقة رجل شجاع إنتقل من الظلام إلى النور ، و أسطورة المتمرد الذي رفض بيئته من أجل مجتمع أفضل . لقد مثل هذا الصبي ّ الاعمي ، الذي كان يعايره مجتمعه بالعمي بالقول ” أقبل الأعمي ” ، مكتشفا ً كذب أكثر المقربين إليه قائلا ” و أحس أن الحياة مملوؤة بالكذب و الظلم و أن الإنسان يظلمة حتي أبوه ، و أن الأبوة و الأمومه لا تعصم الأب و الأم من الكذب و الخداع و العبث ” . واصفا صباه بأنه كان ” غريبا عن الناس ، غريبا عن الأشياء ” ، هي تلك الحياة التي كانت عذابا يقول طه حسين ” وكانت الوحدة المتصلة مصدر ذلك العذاب ” ، وفي موضع آخر من مذكراته ” الأيام ” .. ” هو السُكون ، السكون المتصل الطويل ” .

لكن رغم ذلك إستطاع طه حسين أن يصبح عميدا للأدب العربي ، غير وجه الرواية العربيه ، فالقسّ الفلسطيني إلياس كاكور يقول في كتابة ” الاشقاء ” أن العرب يتقبلون العيش مع التناقضات بدلا من نبذها ، لكن كيف إستطاع الطفل أعمي من صعيد مصر كان أخاه الأكبر يحمله علي كتفه لدرس في كنف الأزهر أن يتغلب علي تلك التناقضات بدل التعايش معها ؟ وهو ما يوحي بأن البحث عن السلام في أنفسنا يتطلب لحظه نفكر فيها بالتمرد على تلك التناقضات فجميعنا يبحث عن السلام و الحب فلا أحد ينكر انهما أشياء جيده ! ، لكن أن نتوقف و نسأل أنفسنا فيما إذا وجدناها في قلوبنا .. فذلك أمر مختلف !؟

” توماس ميرون ” المُخترع البريطاني قال قبل 45 عاما ” ” نحن نعيش في زمن حيث لا يوجد متسع للتفكير او الإنتباه للحالة التي نعيشها أي اننا نعيش .. وقت النهايه ” إن ما يدفعني للكتابه حول هذا الأمر أن السرور المؤقت الذي يعيشه بعضنا  غالبا ما يعمي بصيرتنا ويمضي الوقت سريعا دون أن نتسائل هل حقا نحن نعيش في سلام مع أنفسنا؟ .. بالطبع لا .