تشرفت بأن أكون أحد المشاركين في الإعتصام الذي أقامته لجنة إحياء نقابة المعلمين على الدوار الرابع مساء أول أمس، الموافق الثلاثاء 31/8/2010، وقد ذكرت ذلك حتى تكون شهادتي شهادة عيان وليست منقولة عن وعن.
بكل الصدق والأمانة فقد ظهر المعلمون بصورة حضارية عالية المستوى رفيعة التهذيب وتألقوا دون مزاودة على أحد. طرحوا طرحهم بكل هدوء وفي نفس الوقت بحماس جميل أصبغ على الإعتصام كل مظاهر الرقي. بدأ الإعتصام في الثامنة وانتهى بعد العاشرة بقليل بعد أن أصر المعلمون على عدم مغادرة المكان قبل تنظيفه وإزالة كل المخلفات التي نتجت بشكل طبيعي لأي تجمع بشري مثل قناني الماء والشموع وخلافه.
مطلب المعلمين بنقابة خاصة بهم مطلب شرعي ودستوري ومنطقي لا عيب فيه وإن كانت الحكومة دفعت بتفسير غير ذلك فتفسيرها لا يغير من حقيقة الأمر من شيء. التعليم مهنة لا تختلف عن أية مهنة إن لم تكن من أشرفها وأعزّها مقابل أقل الأجور وأدنى البدلات. أجر المعلم لا يساوي أجر سباك أو معلم دهان لم يصلا للإعدادية دون الإساءة لأي منهما لكن المعلم الذي يحترق ويحتمل ويتقاضى أقل من حقه بكثير. لماذا للطبيب وللمهندس وللقانوني وللسائق ولعّمال المناجم وغيرهم نقابات وليس للمعلم فكل المهن فيها من العاملين بالقطاع الخاص والقطاع العام.
يهدد المعلمون بالإضراب وعدم الإلتحاق بوظائفهم في بداية العام الدراسي بعد أيام قليلة، وإن كان الإضراب حق من حقوق كل العمال كوسيلة احتجاج ومطالبة بحقوق ووسيلة للتفاوض فهو ليس غاية في حد ذاته. ليس الهدف تعطيل جزء كبير من حياة المواطنين، وإن كنت مؤيدا لهم في حقهم بالإضراب فإنني أعتقد أن عليهم التفكير مليا وإعادة التفكير بممارسة شكل هذا الحق وليس بمضمونه.
يطالب المعلمون كذلك بإلغاء قرارات النقل والإستيداع التي صدرت بحق بعض الناشطين منهم كشكل من أشكال العقاب الفردي وليكونوا عبرة للآخرين إن اقتدوا بهم وهذا شطط وتجاوز في استخدام السلطة وظلم مرفوض شرعا وشريعة ومنطقا وأصولا. العقاب حسب الدساتير والقوانين هدفه وضع حد للمخطيء وعبرة لللآخرين حتى لا يتجاوزوا حقوق بعضهم البعض والمعلمون لم يخطؤا ولم يتجاوزا حدود غيرهم.
أعتقد أنه يمكن للمعلمين التصعيد من جهة والتهدئة من جهة أخرى وإن كانوا غير ملزمين أصلا بالتهدئة فمن أثار المشكلة ومن صعّد بها هي الحكومة. يمكن للمعلمين إبقاء حالة الإضراب معلقة لبعض الوقت لحين انتخاب مجلس النواب القادم وإعطاء المجال لمعالي وزير التربية والتعليم خالد الكركي بالتحرك في سبيل تحقيق مطالبهم العادلة. يمكن لهم مثلا مقاطعة الإنتخابات البرلمانية تصويتا وترشيحا وحتى عملا ووظيفة ولا أعتقد أن القانون يلزمهم بعمل إضافي ليس من صلب عملهم الأساسي. يمكن لهم الإستمرار بالإعتصامات بشكل أسبوعي أو شهري وبنفس الصورة الحضارية وفي أماكن مختلفة من وطننا الغالي. يمكن لهم ممارسة إضراب جزئي لا يضر بمصالح الطلاب كالتوقف عن العمل لحصة في الأسبوع أو غير ذلك. يمكن لهم القيام بأي شكل من أشكال الإحتجاج التي تحافظ على وتيرة علو صوتهم وتحقيق هدفهم.
إنما وقبل كل شيء فالحكومة مطالبة قبل المعلمين بالتجاوب وعدم العنت والصلف وهذا الغرور. يجب إعادة كل المفصولين والمنقولين والمستودعين إلى عملهم وبأثر رجعي ودون المساس بأي من حقوقهم المادية. ليس لدي أدنى شك أن معالي وزير التربية يعمل لصالحهم لكن لا يشترط فيه أن يتغنى علنا بتحدي الحكومة التي هو جزء منها.
وعلى جانب من الموضوع الأساسي أود أن أذكر أنني ولشعوري بالزهو لوجودي يوم أمس في هذا التجمع الحضاري فقد تمنيت لو أن المكان تحول إلى ما يشبه الهايد بارك حيث يمكن لكل مطالب حق أو راغب في إيصال رسالة أن يتواجد في هذا المكان حيث يعبر عن رسالته بطريقة حضارية وفي ذات الوقت أخشى من الحكومة أن تنتبه لخصوصية المكان فتقوم ببناء برج في الموقع حتى تعطل أي شكل من أشكال التجمع فيه فقد علمتنا الحكومات أن صدرها يضيق بالآهات وأن يدها ( والهواية ) أي أنها لا تعرف أسلوبا للحوار إلا القمع والضرب والرش بالماء الملون والغاز. لقد ظهر من إعتصام الأمس أن المعلمون يسيرون بقوة الغيار الرابع بينما الحكومة هي التي تعتصم خلف أسوارها على الدوار الرابع.
وليد السبول
[email protected]
2 تعليقات على المعلمون يسيرون على الرابع والحكومة تعتصم بالرابع
الاعتصام والإضراب، ولو ليوم واحد، تضرّ بالمصلحة العامة والخاصة.
أعتقد أنه لا مجال للإضراب لدى الشباب الجاد والطموح، والذي يطمح للترقّي والتعلّم، ولكن الشباب الثورجي ما أكثره، كوسيلة للتمرّد بدافع الكسل.
التمرّد ليس عيبًا، ولكن الثورجية هي العيب.
أنا متأسف، ولكن هذا رأيي الشخصي.
لي رأي آخر هو أن النقابات لا تغني ولا تسمن من جوع، وهي مضادة للحداثة والانفتاح الاقتصادي، وتؤثر على الصناعات والخدمات بالسوء. قد تكون تؤثر بالإيجاب على عامل أو اثنين ممن يجنون من ورائها المال، ولكنها تؤثر سلبًا على شريحة كبيرة من المستهلكين والعمال الآخرين، هذا غير أنها تؤدي للاحتكار على المهنة.
أنا عن نفسي كطبيب أو كاتب، لن أنضم في أي يوم لأي نقابة… فالنقابة، وعذرًا في اللفظ، هم مجموعة من اللصوص لتقاسم المصالح على حساب العمال أو الصناع أو المهنيين الآخرين.
بل أن رئيس النقابة يترك عمله الأساسي ليتفرغ لعمله النقابي الذي يجني من ورائه أكثر وأكثر.
وسوف أكتب قريبًا مقالة مطوّلة مضادة لفكرة النقابات وعملها وهيأتها لما فيها من الضرر على الفرد والاقتصاد.
وإلى ذلك الحين، دمت بودّ.
طرح غريب أستاذ أو دكتور أحمد.
الأغعتصام والإضراب من حق العمال لنيل حقوقهم التي حرموا منها لحساب أباطرة المال وتجار الرقيق الرأسماليين الإبتزازيين. لا معنى أبدا لأن تزداد ثروة صاحب رأسالمال وتبقى تزيد وتزيد بينما العمال يموتون جوعا. الإضرابات وسيلة سلمية للمطالبة بتوزيع الثروة بعيدا عن الفكر السياسي.
النقابات هي التي قادت شعوب الأرض نحو التقدم والحضارة ووقفت ضد تقسيم المجتمعات إلى فئتين.
إذا وجد لصوص في أي مكان فاللصوص موجودون في كل مكان وهم ليسوا بحاجة لعذر حتى يتواجدوا. إذا كان العيب في البشر وفي التطبيق فليس العيب في النظرية.
من يتفرغ للعمل النقابي فلأنه يؤمن بالعمل التطوعي العام لخدمة الجموع.
على كل حال أحترم رأيك وكل الآراء. من حق أي منا أن يكون له رأيه الخاص.