نحن هنا نتحدث عن سلطة تقودها رموز وطنية ثورية قادات الجزائر إلى الاستقلال، ولديها حلم ورؤية لمستقبل الجزائر وبعيداً عن الأحلام يبقى أن غالبيتهم شاركوا فى معارك التحرير الوطنى و أدركوا قيمة المخاطرة والمغامرة
كانت المعادلة تتكون من إسلاميين ورئيس مشلول الحركة فى المنتصف و جيش وطنى تسيطر عليه قيادات ثورية- بعضها يميل إلى التغريب – على جانب المعادلة الآخر كانت المؤسسة العسكرية بقيادة وزير الدفاع خالد نزار تغلى من الداخل رافضة تسليم الدولة إلى الإسلاميين فتحرك اللواء خالد نزار وبرفقته كبار القادة وعلى رأسهم ثلاثة من القادة لعبوا دوراً فى تشكيل الحياة السياسية الجزائرية اللواء آنذاك محمد العمارى وإسماعيل العمارى من المخابرات الجزائرية ومحمد مدين مدير المخابرات
تحرك هؤلاء فى خطوة استباقيه لإنقاذ الدولة على عكس القيادة العسكرية المصرية والتى كانت توصف بالعجز فى هذه اللحظات التى كان وزير دفاعها عمره تجاوز الـ 75 بينما اللواء خالد نزار كان عمره حين قام بتوقيف المسار الإنتخابى لا يتجاوز الـ 55 .. أى أنه كان فى عمر الفريق السيسى تقريباً .
يبدو هنا أن القيادة العسكرية المصرية تعلمت درساً مهماً من انقلاب اللواء خالد نزار وذلك بسماحها للإسلاميين بخوض تجربة السلطة، كانت مغامرة أعلى فى خطورتها وربما تؤدى إلى نتائج كارثية على الدولة كلها إلا أن نتيجة انقلاب خالد نزار كانت كارثية أيضاً ودفع الجزائريون دماء كثيرة
هنا ينبغى أن نؤكد على أن المؤسستين لديهما نفس القناعات غالباً عن فكرة الدولة و مؤسساتها و لديهما نفس القناعات تجاه التيار الإسلامى، و مع ذلك نلاحظ أنه بينما كان سلوك المؤسستين العسكريتين تجاه الإسلاميين مختلفاً كان سلوك الإسلاميين فى الجزائر و مصر متشابه و يصل إلى حد التطابق و كأنهم لا يتعلمون أى شئ من تجاربهم.
قام العسكريون الجزائريون بإقناع الشاذلى بن جديد بتقديم استقالته حيث لم يكن هناك سبيلاً قانونياً لإلغاء الإنتخابات سوى استقالة رئيس الجمهورية وبالتالى يتم الدعوه لانتخاب رئيس جمهورية جديد وانتخابات نيابية جديدة
وفى 11 يناير 1992 قدم الشاذلى بن جديد إستقالته من رئاسة الجمهوريه فيما يمكن أن نسميه إنقلاب من الجيش على المسار الإنتخابى بقيادة وزير الدفاع اللواء خالد نزار
أيضاً من الإختلافات المهمه بين ما فعله خالد نزار و السيسى أنه بينما قام خالد نزار بحركته دون تأييد شعبى فلقد قام السيسى بعزل محمد مرسى بعد ثوره شعبيه تفوق فى حشدها الجماهيرى ثورة 25 يناير , احتشدت القوى الشعبيه المصريه نتيجة أخطاء الإسلاميين الفادحه طيلة عام كامل من الحكم .
كما أنه من الملفت للنظر أنه فى المقارنه و المقاربه بين سلوك التيار الإسلامى فى البلدين نجد أن ردة الفعل على توقيف المسار الإنتخابى لم تختلف كثيراً عن ردة فعل الإسلاميين على عزل محمد مرسى حتى فى موقف حزب النور بل أيضاً فى موقف تنظيمات صغيره مثل الاشتراكيين الثوريين و التى تتشابه مواقفها مع موقف المناضل ” حسن آيت أحمد ” المؤسس لحزب ” جبهة القوى الإشتراكيه ” فى الجزائر .
أدرك خالد نزار أنه لا يمكنه حكم البلاد منفرداً فى وضع مرعب كهذا و أدرك السيسى أنه لا يمكنه أيضاً حكم البلاد منفرداً بعد تجربة المجلس العسكرى بقيادة طنطاوى .. خالد نزار و السيسى أدركوا جيداً أنه حفاظاً على أنفسيهما و على المؤسسه العسكريه فعليهما التحكم فى الأمور من خلف الستار
فى الجزائر رفض رئيس المجلس الدستورى تولى الرئاسه بشكل مؤقت لأنه رأيى أن ما يحدث غير دستورى , أما فى مصر وافق رئيس المحكمه الدستوريه العليا على تولى الرئاسه لفتره إنتقاليه.
أدرك نزار و السيسى أنهما سيحكمان من خلف الستار فاستدعى خالد نزار الرموز التاريخيه للإستقلال ممثله فى واحد من أكبر قادة جبهة التحرير الوطنى و الذى ظل حتى الآن فى الخارج و هو محمد بوضياف و أسس خالد نزار ما يسمى بـ ” المجلس الأعلى للدوله ”
و كان المجلس يتكون من 5 شخصيات هم محمد بوضياف ( رئيساً ) , خالد نزار ( عضواً) , على كافى ( عضواً ) , تيجانى هدام ( عضواً) , على هارون ( عضواً)
إستدعى السيسى الدكتور ” محمد البرادعى ” بما يمثله من رمزيه لثورة و ثوار 25 يناير و كون إئتلاف حاكم من 4 جهات مختلفه ” البرادعى و الببلاوى ( جبهة الإنقاذ ) و عدلى منصور ( المحكمه الدستوريه العليا ) و شيخ الأزهر و بطريرك الأقباط ( المؤسسه الدينيه ) و الفريق أول عبد الفتاح السيسى ” بالإضافه لوجود ديكورى مهم لشباب حملة ” تمرد ” و قيادات إسلاميه من حزب ” النور “
إلا أن السيسى يظل هو الشخصيه الأهم فى إدارة الدوله المصريه بجانب البرادعى الذى قدم إستقالته لاحقاً
كانت الشخصيه الأهم فى المجلس الأعلى للدوله و فى الدوله كلها هو وزير الدفاع خالد نزار كما هو حال السيسى الآن , و كانت علاقته المعقده بمحمد بوضياف تشبه كثيراً العلاقه المعقده بين السيسى و البرادعى.
تعليق واحد على خالد نزار و السيسى .. مصر و الجزائر (3)
أشكر لك هذا الدأب المتواصل فى المقارنة والتحليل والتوثيق لواقع عاشته كل من مصر والجزائر وأثر فى العالم العربى ككل، أشكر لك مواصلة إفادة شباب الشرق الأوسط بهذا المجهود الوضح فى هذه السلسلة تحديدا.. لك كل التحية