الأزمة التي أثارها مؤخرا سحب جائزة الدولة التشجيعية من الروائي ( طارق إمام ) لم تستمد قوة حضورها ووهج استمراريتها من مجرد الحيثيات والتفاصيل المعروفة للقضية فحسب .. هي أولا وأخيرا قابلة للتلخيص بوصفها غباءا إداريا مدعوما بتعنت هزلي يعبر ببراعة عن بلاهة الحسابات المتحيزة والعشوائية التي تتحكم في عمل المؤسسات الثقافية الرسمية وبصرف النظر عن مدى توفر النزاهة في اختيار ( طارق إمام ) للجائزة أصلا والذي لا يمكن لأحد أن يدعي المعرفة الكاملة به …

لكن على جانب آخر فهذه الأزمة كانت فرصة ثمينة بامتياز لكل من يرغب في تسجيل موقف .. طريقة سهلة للمشاركة في العرض وبالتالي للحصول على أي مكسب منه .. محررو الأقسام الأدبية بالصحف والمواقع والذين طالما كانوا حريصين على متانة ارتباطهم بالمؤسسة ضمانا لدوام الاستفادة اللازمة لمصالحهم الإعلامية والأدبية .. هؤلاء المحررون سارعوا لتثبيت مواقعهم على يسار المؤسسة فجأة ليس نتيجة تبدل في الانحياز أو تخلي عن قناعات المكسب والخسارة السابقة وإنما لوجود يقين بأن التنقل من يمين إلى يسار المؤسسة والعكس ليس هناك أسهل منه وأنه لن يشكل ضررا بأي حال من الأحوال على طبيعة العلاقة النفعية بين الطرفين باعتبار أن الاحتياج متبادل وليس هناك إلزام لأحد على الالتصاق بموقعه طوال الوقت ومع مختلف الظروف والملابسات المتغيرة بل على العكس فالمرونة تعتبر أساسا جوهريا لنجاح معادلات كهذه .. العلاقة بين محرري الصحافة الأدبية والمؤسسة الثقافية الرسمية لن يشوبها خلل في أزمة من هذا النوع لأن الجميع يمتلك الوعي بأن سعي أي بطل للفوز لن يمثل اعتداءا على البطل الآخر حتى ولو كان هذا السعي يتم ـ ظاهريا ـ على حسابه بل على العكس فهذه المعارك لا يخسر فيها أحد بل تعتبر طريقة لتوزيع غنائم معينة التي تخص كل من له دخل بالمسألة وبالكيفية التي تناسبه .أبناء جيل ( طارق إمام ) كانت الفرصة جيدة بالنسبة لهم أيضا للتأكيد على ( الروح الرياضية ) التي يتمتعون بها وعلى هذا امتلأت الساحة الأدبية فجأة بالرسائل العاطفية الزاعقة التي لا تحتاج لجهد في التعرف على ماوراء المبالغات الرومانسية الطافحة بها والتي لا تتناسب أبدا مع وضوح الأزمة وصراحة موقف كل واحد من شخصياتها وعدم احتياجها لكل قوافل المساندة والتضامن التي لم تغير أبدا واقع أن ( الروائي الشاب ) قد فاز بالجائزة فعلا ومع ذلك كان هناك إصرار متعمد على صنع ضجيج متواصل .. هذا الضجيج لم يكن بسبب منع الجائزة عن ( طارق إمام ) بقدر ما كان صوت السباق المحموم الذي يشارك فيه الآخرون من أجل الحصول على نفس الجائزة بوسيلة أخرى .

الأجمل بالطبع ـ بالنسبة لي ـ هو موقف بعض المرشحين الخاسرين الذين كانوا على استعداد لمعاداة المنطق والحقيقة الصارخة من أجل تعويض خسارتهم .. لم يجد هؤلاء أي حرج في الوقوف بجانب المؤسسة ومساندتها في موقفها غير العادل ضد ( طارق إمام ) ودون أي اعتبار للفضيحة البديهية التي تستدعيها هذه المساندة .. هذا التكاتف المضحك بين الأدباء والموظفين حينما يعري الشهوة العمياء للفوز بالجائزة سيكشف أيضا عن الخانة الصحيحة التي يجب على جمل كهذه أن توضع فيها : ( أخاطب قاريء واحد محتمل ) ، ( لا تعنيني الجوائز ويكفيني إيميل من شخص لا أعرفه يخبرني أنه تأثر بكتابي ) ، ( القاريء العادي هو المعيار الحقيقي بالنسبة لي ) … إلخ … هذه الجمل الجميلة ضرورية للغاية حينما لا نفوز بجائزة .. حينما تأتي لحظة الاختباء .

* * *
شريط
1 / 8 / 2010