“للأدب اليوم أن يلبس ثوب الحداد.. فقد كان جبران خليل جبران من رجالاته المعدودين.. وكان روحًا قويًا ينبعث من نور جديد.. فأحبته الشبيبة المتحمسة الراغبة فى قوة العقيدة.. وقوة التغيير”
قرأتُ عليه هذه الكلمات التى وصلت إلى صندوق بريده فى رسالةٍ تنعيه من الرابطة القلمية بنيويورك فى 10 أبريل 1931، وما أن قرأتُها عليه حتى ابتسم وقال: رجالات الأدب الحقيقيون لا يموتون، قلت له: تقتلهم ظروف الحياة القاسية أحيانًا.
قال ببطء وعمق: أو تشكلهم فى قالب من القوة والتحدى؛ فأنالم تكسرنى قسوة والدى ولا سوء سمعته التى عانيت منها كثيرًا فى بلدتى “بشرى” بلبنان ولكنها دفعتنى ووالدتى لمغادرة البلدة إلى ولاية بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية لأدرس بها لفترة ثم عدت لاحقًا إلى لبنان للالتحاق بمعهد الحكمة ثم عدت إلى بوسطن ثانية.
- ومتى سطع فى سماء فكرك نجم الإبداع الأول؟
- عام 1904 حين كان عمرى 21 عامًا حيث كتبت مقالاً بعنوان “رؤيا” نُشر فى جريدة المهاجر، وبعدما شجعنى رد الفعل القوى الإيجابى من القراء كتبت سلسلة مقالات “رسائل النار” والتى جُمع كثيرٌ منها بعد ذلك فى كتابى “دمعة وابتسامة”.
- لم تقنعْ بنافذة واحدة لتطلَّ منها على بحر الفنون ففتحت لنفسك أبواب القصة والشعر والرسم والكتابات المقالية.
- نعم.. فعلاقتى بالرسم كانت مبكرة جدًا حين أهدت لى أمى بعض صور ليوناردو دافينشى والتى تأثرتُ بها إلى مدى بعيد فظللت أرسم وقدست ريشتى كما قدست قلمى.. قلمى الذى خط فى بداياته مجموعتين قصصيتين وضعت فيهما رفضى وتمردى على أوضاع الإقطاع هما: عرائس المروج والأرواح المتمردة.
- ما دمت قد حظيت باستقرار بوسطن فما دفعك إلى المغامرة والخوض فى مجهول باريس؟
- بعد أن أقمتُ معرضًا فنيًا وحقق نجاحًا ببوسطن قررت أن أتعلم الرسم بمدينة النور باريس فسافرتها عام 1908 وترددت على المتاحف والمعارض والمكتبات وأكاديمية “جوليان” ثم تعرفت على أستاذى “بيير مارسيل بيرونو” وحققتُ نجاحًا لا بأس به فى سنتىّ اللتين قضيتهما بباريس، وشاركت فى معرض “الربيع” للجمعية الوطنية للفنون الجميلة ثم عدت إلى الولايات المتحدة ولكن قطنت نيويورك بدلاً من بوسطن.
- وأين الأدب والشعر فى تلك المراحل؟
- كتبت رواية “الأجنحة المتكسرة” عام 1912 ووضعت بها كثيرًا من حبى ومناجاتى لأمى الوالدة وأمى الطبيعة، وكسرنى حقًا أن أُخذ علىّ شدة تعلقى بأمى وكتب البعض عنى أننى مريض بعقدة أوديب وخاصة أننى لم أتزوج.
- وماذا عن الكتابات الأخرى؟
- توالت الكتابات بعد “الأجنحة المتكسرة” وكذلك الرسومات، فكتبت “المواكب” عام 1918 و”البدائع والطرائف” و”المجنون” و”السابق” و”رمل زبد”و”النبى” وآلهة الأرض” و”يسوع ابن الإنسان”.
- ومتى عدتَ إلى لبنان؟
- أُرسل جثمانى إلى صومعة دير مار سيركس بالوادى المقدس بلبنان عام 1931، وعدتُ إلى الاتفاف حول الموقد شتاء والسير فى ظلال شجر الأرز الذى ارتبطت به منذ ولادة هذا الجثمان عام 1883.
2 تعليقات على حوار مع الراحل “جبران خليل جبران”
اشتقنا إليه حقًا يا هبة وإلى عذوبته ورقته.. أحييك على الفكرة وأشكرك على المساهمة.. تحياتى
رائع هبة .. جبران نجم تألق في سماء الادب والكلمة المتوهجة النابضة بالود والالم .. شكرا