- أفكر في “الموت” كثيرا كثيرا .. أفكر بعقلي.. وأفكر بقلبي .. يعتريني الخوف أحيانا .. وتسيطر عليّ الحيرة دائما .. أحس بما سيحدث لي .. وأشعر بحالي بعد فقداني لمن أحبهم ..!

- ما زلت أخاف أن تأتي النهاية.. أخاف أن أخرج من الحياة كصندوق مغلق لم يعرف أحد ما بداخله .. كنت أحب أن أتكلم قبل أن أذهب .. أن أقول ما عندي .. أن أصرخ بما يعذبني .. كنت أحب أن يسمعني الناس .. قد لا يكون لكلماتي معني .. وقد تصير هباء .. ولكني يجب أن أنطق بها .. يجب أن أتخفف من أحمالي الثقيلة .. يجب أن أخبرهم بأني حقا أحبهم ..وبأني حقا أبغضهم ..!

- هي رحلة طويلة سأعبرها بعد الموت .. فالسفر حسبما علمت بعيد .. والظلام دامس .. والسكون رهيب .. وعلىّ أن يكون ضميري راضيا وأنا ذاهب إلى هناك..

في أول حياتي الجامعية .. كنت قد قرأت “هاملت” .. وبعدها ذهبت عمدا إلى مقابر قريتنا .. الكل هناك يخافونها .. يهابونها .. ولكني ذهبت إلى هناك في جنح الليل وتحت وطر الظلام .. وكان معي أحد أصدقائي الريفيين .. جعلته ينتظرني من بعيد .. وبحثت أنا عن مقبرة مفتوحة .. فرأيت مقبرة جديدة لم تستخدم بعد .. فدخلت فيها .. وتمددت متصورا الموت .. كان الصمت والظلام يلفاني في هدوء مخيف .. ناداني صديقي من بعيد ” هل حقا يمكن أن تكون هذه النهاية ؟ .. تموت وحيدا .. بعيدا .. تمد يدا .. مجهدا .. ولا مجيب ؟!

- هل هذا ما حدث لكل من مات من معارف وأصدقاء وأحبة ؟ .. هل نهايتي هي نفس نهاية كل الآباء والأجداد والشياطين والأنبياء .. جسد هزيل تتحلل أعضائه .. ثم تمتصه دواب وحشرات الأرض .. أواتاه من عبثي ..!

- لم أدرك وقتها – ولا أظن أني أدركت بعد – الإدراك الذي يتناسب مع الحقيقة الوحيدة التي لا يختلف عليها أحد على ظهر هذا الكوكب البشري .. ربما كان نور الحقيقة أكبر وأكثر إبهارا ما تتحمل عيني الضعيفة ..!

- أنا عاجز عن أن أعبر عما يدور في نفسي .. أنا لا أدرك أحلامي .. فهل يستطيع أن يدرك شخص حلم شخص آخر غيره .. ولكني أحلم كثيرا .. أحلم بالحقيقة .. وأحلم بالباطل .. فأين الحقيقة .. وأين الباطل ؟!

- أه .. يكاد عقلي يضيع مني .. يهتف بي هاتف .. أسمعه جيدا .. أدرك كل نبرات صوته وأميزها .. يناجيني: أحلامك أوهام .. عد لرشدك .. ولكن هل من ثمة رشد على ظهر هذا الكوكب الظالم ؟! .. لا رشد !!

- أذهلتني تجربة ” هاملت ” كثيرا .. زادتني بعدا عن الواقع .. صرت أفكر أكثر التفكير فيما بعد الموت .. تجاوزت هاملت إلى كل الأساطير والمرويات التي تناولت هذه القضية الغامضة .. الغامضة على الأقل بالنسبة لي .. أي عذاب هو يمكن أن يعيشه المرء إذا أدرك أن حياته كلها عبث في عبث ؟! .. وأن الموت نهاية كل شيء ولا شيء بعد ذلك .. وأنه لاجديد تحت الشمس .. وكل شيء قبض الريح .. وما نحن إلا مجرد شخوص شاحبة تتكرر عبر الأجيال .. عقلي يحترق .. وقلبي قد مات .. قلت ذلك يوما لصديق .. فقام ساخرا يعزيني في الفقيد .. لكن من فقد الأخرحقا .. أنا من فقد قلبه ؟! .. أم قلبي هو من افتقدني ؟!

- كان الشعور بالضياع هو أحد متلازمات التفكير بالموت .. آه من الضياع وفقدان الذات .. كلمة صاحبتني طويلا ( ض ي ا ع !! ) .. شعور بائس .. كمن يضل في صحراء شاسعة .. لا يجد طريقه .. ظمآن .. جوعان .. تتعثر خطواته .. إذا كان هذا هو حالي وأنا على قيد الحياة .. فكيف سأعبر بحار الظلمات بعد الموت وحيدا .. بعيدا .. أمد يدا .. مجهدا .. حسب كلمات صديقي الريفي ..!

- جسد يدُفن في التراب .. يتحلل كجيفة .. تتغذى عليه كائنات التربة .. وروح تنطلق لتترك هذا الكوكب .. تبدأ رحلتها الطويلة في عالم الظلام الدامس – وهل أعيش أنا في النور ؟! – . لو سارت روحي بسرعة الضوء فهي تحتاج إلى ملايين السنين لتقطع هذه الرحلة الكونية ..هل يمكن أن تكون هناك سرعة أكبر من سرعة الضوء ؟ ..

- كنت أظن أن هذا الكوكب الذي أعيش عليه هو العالم بأسره .. ولكن الحقيقة أن هذا الكوكب مجرد شيء أقل من ذرة رمل في محيط واسع .. من أنا إذن ؟! وماذا أفعل على هذا الكوكب ؟ .. وما هذا الموت ؟! وما هذى الحياة ؟!

- هل نقوم بأداء مسرحية يشاهدها سكان الكون من حولنا .. نسمع أن هناك جان خلقت من نار وملائكة خلقت من نور .. هل يمكن لعقلي الذي قيل أنه خلق من طين أن يدرك كل هذا ؟! .. أنا لا يمكن أن أتصور كلاما غير الأصوات التي أسمعها ولا شكلا إلا إذا تجسد أمامي .. !

ما أقل ما أعرف عن هذا الكون الذي أعيش فيه .. ما أقل ما أعرف عن نفسي .. ما أجهلني ؟ .. ومن أجهلني ؟! .. ربما تكون الإجابة هي ” الموت ” ..!