في آخر زيارة لي لمدينة النجف جنوب غرب العراق، لاحظت عدة أمور في المدينة الغنية الفقيرة؛ أقول غنية بموقعها الجغرافي ولوجود مزار ثالث الخلفاء الإسلامي ” علي بن أبي طالب ” ومما يدر على العراق في موسم مناسبات الدينية كثير من الأموال عبر زيارات الناس اليها من كثير من الدول العربية و الأجنبية وخاصة عن المذهب الشيعي، وجمع الأموال الخمس وهو جزء من الزكاة يعطى من قِبل كل فرد شيعي للشيخ الذي يتبع طريقته الدينية.

وفقيرة وذلك لإهماله من قِبل الحكومات المتعاقبة تلو الأخرى و خاصة في ظل هذه الحكومة الحالية التي وضعت مدينة النجف ضمن عاصمة الثقافية عام 2012 بدون صرف أي فلس لبدء الأعمار و عمليات التنظيف التي غرق المدينة من الأوساخ وهكتارات من التصحر التي لا يتم معالجتها عبر خطة سنوية قصيرة.

مدينة النجف غيرها من المدن العراقية الأخرى تأثرت بسياسات الحكومة العراقية السابقة ” حكومة حزب البعث”، و قلدت فكرة النظام ألبعثي بأن كل من هو كوردي فهو ” غبي، مخرب ، قاتل، لص، جاهل و……غيرها “، وهذه السياسة كانت هدفها عدم تواصل المجتمع العراقي مع أطيافها و مكوناتها ويبقى الخلافات بينهم لكي يتم السيطرة على الكل في آنٍ واحد.

في أحدى زياراتي الليلي في المدينة مع مجموعة من الأصدقاء وشخص صديق لصديقي ودار الحوار بينهم

و أود أن اركز على الحوار الذي دار بين الشخصين وكان كالتالي:

صديقي: لنذهب عند الخياط لكي أعدل بعض الأشياء لبنطلوني.

شخص : جيد لنذهب اليهِ ولكن الي أي خياط؟
صديقي: سنذهب الي أبو زينب الخياط.

شخص: جيد لنذهب من هذا الطريق فهو أقرب.

صديقي : لا سنذهب من ذلك الطريق فلدي شي أود ان اعملهُ في طريقي

شخص: يا أخي هذا الطريق أقرب شنو أنت كِردي متفتهم؟

وذهب صديقي في الطريق الذي أراده و وصل بنفس الوقت الذي وصلنا نحن الى الخياط المطلوب، وفي طريقنا يردد صديق صديقي كلمة ” شبيه هاي كِردي ميفتهم ؟”، أي معناه بالفصحى ” ماذا بهِ لايفهم هل هو كوردي”؟، أي الغباء صفة كوردية والتركيز على كسر حرف الكاف في الكوردية.

والمضحك في الأمر أن هذا الشخص بعد مدة قصير عرف بأني كوردي و أتحاور معه، ولكن لم أعرف ما كان موقفهِ بعد معرفتهِ بكوني كوردي من كوردستان العراق.

ومن هذا الحوار و كثير من الحوارات التي أجريتهِ في مدينة النجف وبعض المدن الأخرى العراقية الأخرى بأن هناك شيء مفقود عند الشخصية العراقية بشكل عام و مع استثناءات، وهو ” الإصغاء” الذي يعاني منه الأفراد أقول الأفراد لكي لا أقع في مشكلة التكهن.

الإصغاء عندي هو عملية الوصول إلى نتيجة عمل أو فكرة من أجل تطويرها ومعرفة الحقيقة وتعليم معالجة المعلومة التي تصلك أو تسمعه من غيرك.

بعض المواطنين الذي يدار حواراتي معهم يصب في نقطة واحدة وهو التذمر على الحال الذي هم يعيشون فيها و يعاتبون الأخرين عليها بدون العمل لوقف هذا التذمر و التحول الى نقطة إيجابية أحسن منها، و هناك من قالوا لي لانريد هذا السياسي و ” لكن لم أصوت في الانتخابات لكي أغيرها فقط جلست في بيتي ونظرت الى ناس يذهبون الى صناديق الأقتراع “، إذا شخص كهذا لا يصوت من أجل تحسين حالتهِ المعيشية فكيف يصغي الى صوت التغير و صوت التقدم؟ المشكلة بسيطة جداً.

هم لا يُريدون أن يسمعوا من شخص قد سمعوها قبلاً، بل يريدون أن يأتيهم شخص من خارج وسطهم السياسي والاجتماعي لكي يخاطبهم على التغير، لأنهم فقدوا الثقة بأشخاصهم الموجودين.

حالهم كحال صديق صديقي الذي كلمرة يرى شخص غبي فيقول له هاي كِردي!، و لعدم معرفتهِ بأن الكورد في كوردستان قد بنوا أسس الدولة في غضون 13 سنة مضت و بنوا أقوى اقتصاد في أقل من خمس سنوات مضت وأصبحت أربيل العاصمة مركزاً لجذب الاستثمارات العربية والأجنبية و في حصليه آخر الإحصائيات الذي أظهرتها هيئة الاستثمار في الإقليم الكوردي تظهر بأن من مجموع أكثر من خمسة الآف شركة الاستثمار توجد في الإقليم ما يقارب الأربعة الآف شركة تقوم بعملية الأعمار والاستثمار فيها في كثير من مجالات منها النفط والطاقة و السياحة و الطرق والجسور و غيرها.

انا هنا لست في موقع الهجوم و لكن أود أن يصحح المواطنين الفكرة السلبية على كورد، ولا يعتبروهم كناس من العصر الجاهلية و النياتردالية، فهم شعب له تاريخ و ثقافة و كذلك لهم طموح في العيش الكريم.

هذا الفكرة السلبية عن الكورد لها جذور و لها ارضية خصبة في العراق وكما هو موجود في كل من إيران وتركيا وسوريا أيضاً، وفكرة تحقير الكورد و الأبتعاد عنه لكي يتم عدم الأصغاء اليهِ، كما هو حال اليهود و الفلسطينيين الحالين ولايوجد من يسمع الى طرفين من باب الأصغاء الجدي بل، كل منا أخذ جهة للدفاع عنها بدون معرفة السبب الرئيسِ لهذا الصراع.

سهلة على الأنسان أن يتكلم كثيراً ولكن صعب جداً أن يصغي بكل كيانهِ الى كلام مقابلهِ وحتى إن لم تكن في صالحهِ، فما بالك بشخص لايؤمن يتغير حاله السيئة الى حالة يعيش فيها كريماً، وتعلم الأصغاء الى كلام الآخر له فوائد ونتعلم منها الدروس ونتعرف على الحقائق التي موجودة في حولنا.

في الختام أقول نعم أنا كوردي وليس كِردي بصفة الأحتقار، وأفتخر جداً لأني ولدت كوردياً وأفتخر بكوني اعيش داخل شعب له طموح في الحياة الكريمة و يعمل على تقدمه لكي تكون بنفس الأمم المتقدمة و علَيَ واجبات تجاه شعبي لكي أؤديهِ وهو العمل من أجل مستقبل زاهر للأجيال القادمة من بعدي.

وأفتخر أيضاً بأن أجدادي ناضلون من أجل أن نعيش اليوم آمنين من العنف و الظلم و نكون أحرار أن نذهب أينما اردنا.