هل طورت النساء تكيفات مضادة للاغتصاب ؟

مع أن الجدل حول تفسيرات الاغتصاب تركز على دوافع الرجال فمن المهم كذلك فحص ضحاياه . هناك نقطة حول سيكولوجية الضحية تتوافق عليها كل المعسكرات النظرية وهي : أن الاغتصاب هو نشاز وغالباً ما ينزل غرماً باهظا بالضحية . لا نحتاج الى نظرية رسمية لهذا الاستبصار ، إلا أنه من المهم ان نفحص لماذا يعاش الاغتصاب على أنه صادم جداً من قبل الضحايا . تبدأ أعباء الاغتصاب من منظور تطوري ، انطلاقا من التدخل (المعيق) في اختيار المرأة للقرين ، مما يشكل جزءاً جوهرياً من استراتيجيات النساء الجنسية . تتعرض المرأة المغتصبة الى حمل غير مرغوب وفي الوقت غير المناسب من رجل لم تختره هي . وأكثر من ذلك تتعرض الضحايا لخطر الملامة او العقاب . مما ينجم عنه إيذاء لسمعتهن ولمرغوبيتهن المستقبلية في سوق الاقتران . وإذا كنّ مقترنات مسبقاً فإنهن يتعرضن لخطر الهجر من قبل اقرانهن المعتادين . غالباً ما تعاني النساء المغتصبات نفسياً حين لا تندر ظواهر المهانة ، القلق ، الخوف ، الحنق ، والاكتئاب بعد حادثة الاغتصاب .
ونظرأ لكل هذه الاعباء الباهضة ، واذا كان الاغتصاب قد حدث خلال كل التاريخ التطوري البشري ، سيكون من المستغرب اذا لم يكن الانتقاء قد يسر لدى النساء تطور آليات دفاع مصممة للوقاية من الوقوع ضحية له ، لاحظ ان هذه قضية منفصلة عما اذا كان الرجال قد طوروا تكيفات اغتصاب . من حيث المبدأ ، كان بإمكان النساء تطوير مضاداة للاغتصاب ، حتى ولو كان كليّاً منتجاً ثانوياً لآليات الاغتصاب لدى الرجال . ومع أنه ليس بإمكاننا العودة للوراء في الزمن كي نحدد الامر على مستوى اليقين القاطع ، فإن المدونات التاريخية والسجلات الأنثروبولجية تشير بقوة الى حدوث الاغتصاب عبر الثقافات والزمن فمن السيماي في ماليزيا الوسطى ، ووصولاً الى قبائل كونغ سان في بوتسوانا ، هناك العديد من وقائع الأغتصاب المدونة . في الحقيقة تملك الجماعات الامازونية ، التي قام توماس غريغور بدراستها ، كلمات خاصة بكل من الاغتصاب (Antapai) والاغتصاب من قبل عصابة (Aintyawakakinapai) تلخص عالمة الانثروبولجيا التطورية باربرا سموتس هذا الدليل كالتالي : ( مع ان عنف الذكور ضد النساء يتفاوت من مكان الى آخر ، تشير المسوح عبر الثقافات الى ان المجتمعات التي يندر فيها مهاجمة النساء او اغتصابهن تشكل الاستثناء ، وليس المعيار) .
وهكذا فإذا كان الاغتصاب بشكل مصدر خطر بالنسبة للنساء ، فما هي الدفاعات التي يمكن ان تكون قد تطورت للحد من فرص الوقوع ضحية له ؟
تتم افتراض العديد من هذه الدفاعات :
1- تكوين تحالفات مع ذكور اخرين بمثابة (أصدقاء خاصين) بغية الحماية (سموتس).
2- انتقاء القرين استناداً الى صفات الرجال من مثل حجم الجسم والسيطرة الاجتماعية اللتين تردعان رجالاً اخرين عن العدوان الجنسي – أي “فرضية الحارس الشخصي” (ويلسون وميسنك).
3- تنمية ائتلافات الاناث بغية الحماية (سموتس).
4- تطور مخاوف متخصصة تدفع النساء الى تجنب الوضعية التي يتعرضن فيها لخطر الاغتصاب (شافان وغالوب).
5- تجنب الانشطة خلال الاباضة للحد من فرص الاعتداء الجنسي حين تكن في أكثر لحظات الاخصاب ترجيحاً (شافان وغالوب).
6- المعاناة النفسية من الاغتصاب التي تدفع النساء الى تجنبه في المستقبل (ثورنهيل وبالمر).
مع ان البحث في هذه الفرضيات قد بدأ بالكاد ، الا انه يظهر وعدا كبيرا تنزع النساء اللواتي لا تتناولن اقراص منع الحمل الى تجنب الانشطة ذات الخطورة ، من مثل الذهاب وحيدات الى حانة ، او المشي فيم نطقة معتمة ، وخصوصا حين يكن في مرحلة الاباضة عما هو حالهن في الاوقات الاخرى من دورتهن الشهرية .يترابط الخوف المتزايد من الاغتصاب إيجابياً مع زيادة الاحتياطات السلوكية ، من مثل تجنب الانفراد برجال غير معروفين جيداً لديهن ، او رجال يلاحقنهن بقوة جنسياً ، وهو ما يوحي بانفعال يدفع السلوك الذي يخفض من فرض الاغتصاب . تخبر النساء الشابات خوفاً اكثر من الاغتصاب من خوف النساء أكبر سنّاً، اللواتي يرجح ان يخفن من السرقة او السلب ، مما يوحي بأن الخوف قد يتماشى مع المخاطر الاحصائية للاغتصاب . لم يجر الى الان اختبار مباشر مع النساء المتزوجات يصرحن عن معدلات اغتصاب ادنى مما تصرح عنه النساء العازبات .
خلاصة القول يوحيى العمل التجريبي المتواضع الذي انجز حتى الان بالكثير من الامكانات الواعدة للكشف عن دفاعات النساء ضد الاغتصاب ونظراً لمعدلات الاغتصاب المثيرة للقلق في البيئات الحديثة ، هناك حاجة ماسة للبحث في الاستراتيجيات المضادة للاغتصاب لدى النساء ، وفاعليتها النسبية ، سواء اتضح في النهاية ان هكذا استراتيجيات هي تكيفات متطورة متخصصة ، ام هي منتجات ثانوية لآليات معرفية وانفعالية أكثر عمومية .
المصدر / علم النفس التطوري لدافيد باس ترجمة مصطفى حجازي .