الدين بصفته العامة هو طريق لهداية الناس و تعليم الناس على ماهو صحيح و العمل من أجل إصلاح الحياة و تنوير المجتمع بفضائل الأديان و تقديم المشورة للسائلين.

لكن في مجتمعاتنا اليوم الدين أصبح كل شيء و يعمل على كل المستويات الاجتماعية، السياسية والاقتصادية  بل حتى أصبح يُدَخل أنفه في الشؤون و العلاقات العامة .

بعد أحداث الربيع العربي في بعض البلدان العربية وصعود النجم الإسلامي في بلدان الربيع كـ ” تونس، ليبيا، مصر وسوريا اليوم” الدين الإسلامي أصبح يغير نبرة صوتهِ و كأنه سيد الكون و يريد عبر هذا النافذة ان يفرض وجهة نظرهِ على كافة المجتمع حتى لو كان مجتمعاً خليطاً”.

قد أكون مخطئاً إن تكلمت بشكل عام، لكني سأتطرق الى نقطة معينة ومن نافذة بلدي الذي تأثر و يتأثر بالأحداث التي تحدث في الشرق الأوسط.

لكن… الأحداث التي جرت خلال السنوات الماضية كانت بمثابة وباء على بلدي و أعطى لرجال الدين السلطة أن يتكلموا و يتطرقوا لا تعنيهم  بل, والأدهى,  أصبحوا يهاجمون المجتمع والفرد باسم الشريعة والسلطة الألهية.

يطلقون على هذه الفترة اسم الربيع العربي, وأنا أختلف على تسميته ربيعاً، إذ يبدو لي أسوأ فصل تاريخي يعيشه الشرق الأوسط عامة والدول العربية خاصة, واستلام الحركات والأحزاب الأسلامية السلطة بعد عقود من التهميش والاضطهاد من جلادي الأنظمة السابقة أصبحوا هم جلادين و لبسوا نفس القناع.

أصبح رجال الدين اليوم محركا رئيسا للعنف الطائفي و المذهبي حتى إنهم يغذون التطرف الديني عبر الخطابات النارية و التأويلات الوهمية .

أتذكر بعد سقوط النظام العراقي في عام 2003 و الأحداث التي تلت ذلك المرحلة، ألقت القوات الأمنية على فرد من الجماعات المتطرفة وعند التحقيق معه قال بأنه ” سيكون مع النبي على مأدبة غذاء لو استشهد الآن أو قتل على يد الكافرين!”.

صحيح في كوردستان التطرف الأصولي أو العنف الطائفي ليس له وجود يذكر لكن، رجال الدين اليوم عبر خطابات الدينية و النقاشات التي تدار بينهم وبين المجتمعات المدنية المضادة لها قد يؤدي في الأخير إلى ظهور فكرة التطرف و الأتجاه نحو التشدد أكثر.

قبل أسابيع من الآن و في إحدى خطاباته هاجم رجل دين في أربيل العاصمة، منظمات المجتمع المدني ووصف بمجموعة من ” الأبقار تعتاش على الحشيش”.

هذا الوصف ادى الى غضب منظمات و المطالبة بإقالته من منصبه كإمام للجامع ومحاكمتهِ.

والغريب في الأمر أن شخص وزير  الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كوردستان من حزب إسلامي جهادي قد رفض الفكرة من باب الديمقراطية وحرية الرأي.

وأخيراً بعد الجهود الكبيرة التي بذلها منظمات المدنية تم إقالة خطيب وإمام الجامع من منصبه و إرساله الى السودان ليكمل تعليمه هناك.

وقد يكون هذا رجل قد فعل الأمر من تلقاء نفسهِ، ولكن الطامة الكبرى أتت من شخصية ثانية من طبقة رجال الدين يهاجم ” برواس حسين” إحدى الفنانات الكورديات المشاركة في برنامج عرب آيدل ويصفها بأبشع أوصاف و يتهما بقلة الأدب والأخلاق.

هذا الرجل قد يكون كثيراً لو قلنا رجل دين فهو لايعلم شيئاً من الدين سوى وسيلة للشهرة والغنى و السلطة.

فقد هاجم المجتمع الكوردي معها ووصف من يشاهد التلفاز بالكافر و الزنديق و حكم بأن من يصوت لها مضمون دخوله جهنم !.

وبعد الهجوم من رجال الدين على الفنانة ” برواس حسين “، شارك نائب رئيس الوزراء برنامج عرب آيدل من هناك دعم الفنانة الشابة في رسالة واضحة المغزى…لكن يظل الخوف مرتبطا بالداخل الكردي لا بخارجه…

أتابع كثيرا من رجال الدين وأستمع إلى كثير من خطاباتهم عبر الإذاعة أو التلفاز أو حتى عبر الويب وأراهم  يعملون وفق برنامج رجل الدين التركي ” عبدالله كولن”، الذي قال  ذات مرة : :لو أردتم السلطة فادخلوا أبواب الدولة خلسة”.

إنهم, وكما أقولها كل مرة علانية ,” جراثيم “، لو دخلت المجتمع ينهون الحياة فيها، ولايبقون على شيء صامد والإ يهدمونه.

الدين بكل مذاهبه و أفكاره الجملية لو تدخل في أمور أكثر منها ستفسد كما يفسد النظام لو بقي أكثر مما يستوجب.

رجال الدين اليوم يشكلون فئة قليلة من المجتمع ويتغذون على فتات الضالة ولو أردنا أن نصلح ما نريد يجب علينا إغلاق الباب عليهم و حشرهم في بيوتهم وتكميم أفواههم بشمع أحمر.

لأنهم لو خرجوا لدمروا البلد و القوا باللامة على غيرهم.

والدين ليس علاج مشاكل اجتماعية واقتصادية، ولو كان كذلك لادعت الصين واليابان وأمريكا واوروبا بذلك.

الدين يخص الفرد وربه فقط ولايخص الشعب والرب، لأنه في الأخير الكل يحاسب وفق ماعمله وليس وفق ما حصل في بلده.

إقليم كوردستان، لديه نظام قريب من النظام الديمقراطي ولاأقول إنها ديمقرطية وفق مقاييس الدولية، ولكنه أفضل من بعض البلدان الإقليمية القريبة منها.

الآن عليه  أن يبذل جهدا أكبر لكي يبني المجتمع الكوردستاني وفق مقايسس دولية و المعمولة عالمياً، ويبتعد عن إرضاء الآخر من أجل الأستقرار الأجتماعي.

اليوم أكثرية مجتمعي مسلمون ويواظبون على الصلاة والصوم، ولكن ليس من أجل حركات أو أحزاب إسلامية أو عبر منابر المساجد، بل إنهم شعب متدين ويحب الدين من باب الطاعة و الحب.

لو عملت الحركات الإسلامية وفق منهج الطبخ على نار هادئة قد يكون شعبي من أكثر الشعوب تطرفاً و قد يشكل رقما قياسيا في الأعمال الانتحارية والتخربيبة.

لو أردنا تطوير المجتمع فعلينا أن نعطي فرصة أكبر للمنظمات المدنية الحقيقة وليس الوهمية أو الموالية للأفكار التطرفية, وعلينا إغلاق المجال أمام الشخصيات الدينية كي لا تتسلم مهمات لايستوجب أن تناط بها من الأصل.

على الدولة أيضاً أن تشبع البطون قبل أن تقوم بأي واجب تجاه الشعب، لأن البطن لو جاع ليس باستطاعتهِ السمع أو الطاعة، بل يبحث عن من يشبعه.

ومن هذا الباب دخل التطرف والأصولية الدينية إلى البلدان العربية، وليست الحركات الإسلامية متهمة بقدر ما نحن متهمون بالأصل لأننا فتحنا الباب لهم لكي يبنوا جيل من الانتحاريين و الأصوليين هدفهم قتل أو الاستشهاد في سبيل الله.

لغلق الباب بدء بمشاريع اقتصادية تنموية شاملة لكل الفرد بغض النظر عن انتماءاته الطبقية أو الإثنية أو حتى السياسية الذي أصبح مع كل الأسف نقطة أنفصالية في الشرق الأوسط.

من أجل أن يكون الربيع العربي ربيعاً بصدق والثورة التي حصلت يجب أن يعود الى مساره الصحيح و العمل من أجل الشعب أولاً والفرد ثانيةً.

والعمل على أفراد كأنهم مواطنون من البلد الواحد وهم جزء من تنمية المجتمع من أجل مستقبل مشرق.