كثيرا ما أفكر في مسيرة حياتي الذي قضيت معضمها أفكر في أحسن طريقة للعيش و التعلم و التطبيق، حتى إني بحثت كثيرا عن أقوى الفلسفات المكتوبة عبر التأريخ البشري للآن, لكني وصلت إلى استنتاج أن الحياة نتعلمها عبر تجاربنا اليومية وأن أقوى فلسفة هي التي تحيطنا.

قبل شهر من الآن أتممت عامي الرابع والثلاثين …و منذ كان عمري عشرة سنوات كنت أطالع الكتب والأبحاث الأكاديمية التي كانت آنذاك تكبرن عمري بعشرات السنين، وهذا لم يكن من محبتي الشخصية بل كان عبر ضغط والدي الذي كان دوما ينصحنا بالقرأءة والمطالعة.

لاأود هنا أن أتطرق الى حياتي الشخصية بقر ما أود أن أتطرق الى شيء جرى قبل أسابيع مضت في أربيل وإلى حوار أجريته مع أحد الشخصيات البهائيية في إقليم كوردستان.

منذ أواسط التسعينات وانا أطالع المذاهب الدينية و التشريعات الإلهية التي نزلت للبشرية وخاصة الإسلامية و اليهودية و الإنجيلية… تعمقت كثيرا فيها و ووصلت الى استنتاج بأن أكثرهم متشابهون في الجوهر ومختلفون في المسميات.

أبسط مثال على ذلك أن الإسلام معروف عند المسلمين بأن أقرب عقيدة للأسلام هي المسيحية “!.

لكن في الحقيقة هي أبعدها عن الأسلام لعدة أسباب منها الدين المسيحي بني على مفهوم التسامح و المحبة بين البشرية جمعاء و الرب، وليس معناه بأن الإسلام عكسها .

الدين الإسلامي جوهرياً لايرفض العنف بل هي جزء من العقيدة وخاصة عند محاربتها وهذا يفرقه عن المسيحية.

وأما عن اليهودية فهي في كثير من الأحيان تشبه الإسلام وهنا تكمن المشكلة عند علماء الدين الإسلامي، خوفا وظناً منهم أنهم سيكونون عرضة للنقد و الشبهة.

في الحقيقة كل من يقرأ القرآن يرى أن عددا من التشريعات الأسلامية هي نفس القوانين و التشريعات اليهودية شئنا أم أبينا.

وأرجع الى أصل موضوع وهي البهائيية.

قبل أشهر من الآن بعثت برسالة الى موقع خاص بالديانة البهائية و طلبت منهم بعض المصادر الخاصة بدينهم ككتب و منشورات (فأنا من جيل القديم لأاعرف أقرأ عبر الويب بل علي طبعها ومن ثم قرأتها).

وبعد أسبوع أو أكثر تلقيت اتصالا من داخل أربيل من متكلم عرفت أنه بهائي وعدني بتزويدي ببعض المصادر و إجراء جلسة حوارية سوياَ.

صحيح أن الجلسة تأخرت ولكن في النهاية حصلت على موعد وجلسنا سوياً و تطرقنا إلى كثير من المواضيع منها السياسة والدين والإقتصاد وحتى أمور يومية.

الجدير بالذكر هنا أنه عندما وصلت في جلستي مع مبعوثي الموقع الى نقطة تتعلق بماهية البهائية و كيف هي تشريعاتها، استغربت كثيراً منهم، بل إذ قلت إني صدمت قد أكون أكثر دقة في كلامي.

مافهمت منهم أن البهائية هي الديانة الوحيدة التي تتفاءل بمستقبل البشرية و هو ما لانجده في  الديانات الأخرى.

هم يقولون بأن ” نهاية البشرية مبشرة و جميلة، وهذا في نفس الوقت يتطلب الجهد”.

إحدى المشاركات في الجلسة كانت أمرأة بغاية الرقة واللطف كانت تتكلم معك كأنها ملاك وبكل لطف و بعمق… كانت تتكلم عن البهائية و كأن كلماتها تقول لك: إفتح دماغك فأنا آت لكي أستقر في عمق ذهنك …

أود أن اتحدث عن الأحداث قبل الموعد فأنا قمت ببحث عن شيء أو  معلومة قد تفيدني في جلستي الحوارية مع الشخصيات البهائية ولكن لم استفد شيئاً من الإنترنبت لأني كما ذكرت سابقاً لست من جيل النت بل جيل كتب و ملزمات.

صديقي, أو من أصبح لاحقا صديقي, ذكر لي شيئاً حول كثير من مفهوم البهائيين عن الحياة و التعامل بين البشر، قال ” نحن البهائيين لانفرق بين مسلم وبهائي بل ننظر اليهم كإنسان وخلق الله و عندما نعلم أطفالنا لانعلمهم الأنانية بل اللطف مع أصدقائهم ويجب عليهم تقسيم أكلهم معه”.

ومن هنا تذكرت طريقة لتعليم طفل عندما يذهب الى المدرسة وأمه تحضر لها سندويج وتقول له ” أياك أن تعطيه لأحد أكله قبل أن يأخذه أحداً ما!”.

هذا جزء من الحوار الذي حصل بيني و بين عائلة بهائية في أربيل – كوردستان العراق، قد لا أستطيع ذكر كل ماجرى خلال أربع ساعات من الحوار و الدردشة أستطيع ان اقول عائلية.

كل ما أستطيع ذكره هنا أنهم بغاية لطافة و اذا قولنا بأن الديانة المسيحية مبنية عل ى التسامح والمحبة كما ذكرت في البداية، فأن البهائيية صحيح لم أستطع أن ادخل في تفاصيل أكثر قد لايكون عائلة واحدة مفيدة لفهم ديانة عمرها أكثر من 300 عام هم أكثر تسامحاً من المسيحية و أكثر فهماً للحياة الأنسانية .

أكدوا من خلال كلامهم أنهم لايرفضون أي دين أو معتقد بل يقولون أن لكل عصر حاجته الخاصة و هذا ما استنتجت من حياتي اليومية عبر السنين الماضية بأن لكل عصر وزمان حاجاته الخاصة و ليس بالضرورة أن يكون كلام اليوم مفيداً للغد.

وعبر التاريخ اتهم البهائين بأنهم صهاينة أو يهود هدفهم تشويه الإسلام وتخريبها، لكني في الحقيقة لم أر شيئاً يدل على أنهم ضد الإسلام في الأساس أو أي ديانة أو معتقد أو حتى جنس معين من البشرية.

وعبر مطالعتي للموقع الخاص بهم ” العالم البهائي “، فهمت كثيرا من الأمور يفيدنا في دراساتنا و طريقة عيشنا.

عندما قرأت منشوراً حول علاقتهم باليهود و الصهيونية، ضحكت من كل قلبي و فهمت السبب…لأننا نحن شعب كوردستان منذ عقود والى اليوم متهمون بعمالتنا لليهود والصهيونية!

أوصي كل قراء موقع شباب شرق الأوسط مطالعة المواقع البهائية و قد نستيطع سوياً أن نبني جسراً كما بنوه هم من التسامح و العقلانية و حتى تقدمية من أجل خير شعبنا المتعب من ويلات وكذب و فساد ما أوصلها الى عصور الوسطى و الى بداية ظهور شيء أسمه الحضارة.

بتصورى لو نجحنا بتطبيق منهج البهائية في مجتمعنا و حياتنا الخاصة سنؤسس جيلا يكون بأستطاعته أن يتقدم كما تتقدم الشعوب الغربية و شرق الأسيوية .