أخلاقنا مصدرها العقل وليس الدين
كيف تتعارض الأديان مع الإخلاق؟
بقلم
إسماعيل حسني
أوضحنا في المقالة السابقة أن شق الطريق إلى المستقبل يتطلب توفر منظومة من القيم الأخلاقية والإجتماعية تستطيع انتزاع رواسب الماضي من نفس الإنسان، وتوجيه دفته نحو المستقبل، وتزويده بما يستلزمه التقدم من أدوات.
والحقيقة أننا منذ أن توقفت عقارب الساعة في بلادنا عن الدوران بانتصار الحنابلة والقضاء على مختلف المدارس الفكرية ذات النزعة العقلية في أواخر العصر العباسي الثاني، توقف عطاؤنا الحضاري، ودخلنا مرحلة الجمود المعرفي والأخلاقي الذي قادنا إلى عصور الإنحطاط المملوكية والعثمانية، التي زادت تراكماتها من تراجعنا في كافة المجالات.
ولقد كادت حركة الإحياء العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تنجح في تجديد منظومتنا الأخلاقية وتحديثها من خلال التفاعل مع معطيات العصر والتلاقح الحضاري مع الشعوب المتقدمة، لولا ما تعرضنا له في العقود الستة الماضية من تشوهات أيديولوجية حادة، تارة تحت راية الإشتراكية، وتارة أخرى تحت راية الأسلمة، مما قضى على إنجازات حركة الإحياء وأعادنا إلى المربع رقم واحد، حيث نعيش في القرن الواحد والعشرين بأخلاق القرن الثاني عشر.
فعلى الرغم من أن وظيفة الدين الأساسية هي تنظيم العلاقة التعبدية بين الإنسان وربه، إلا أن الأيديولوجية الإسلامية في سعيها للسلطة، وكما تفعل سائر الأيديولوجيات، قد أضافت إلى الدين وظائف كثيرة لا تتفق معرفيا مع طبيعته حتى تستطيع احتكار العلم والمعرفة في جميع مجالات الحياة باسم الدين، فاعتبرت أن الدين هو المصدر الوحيد لأخلاق المسلم، وقامت باختزال مبادئ الأخلاق فيما ورد في القرآن والسنة من مواعظ وأوامر ونواهي، وحيث أن هذه الأوامر والنواهي في زعم هؤلاء تبقى صالحة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، فلم تعد أخلاق المسلم كأخلاق بقية البشر نسبية وقابلة للتجديد والتطور بل كتب عليها الثبات والجمود إلى الأبد.
ولقد روج الإسلام السياسي لهذا الإحتكار الأيديولوجي المتعسف للأخلاق، فيقول يوسف القرضاوي في كتابه “الخصائص العامة للإسلام”: “إن الأخلاق في الإسلام لم تدع جانبا من جوانب الحياة الإنسانية: روحية أو جسمية، دينية أو دنيوية، عقلية أو عاطفية، فردية أو اجتماعية، إلا رسمت له المنهج الأمثل للسلوك الرفيع. فما فرقه الناس في مجال الأخلاق باسم الدين وباسم الفلسفة، وباسم العرف أو المجتمع، قد ضمه القانون الأخلاقي في الإسلام وزاد عليه”.
هكذا تم اعتساف تماهيا لامعرفيا بين الدين والأخلاق، وأصبح كل ما يرتضيه الدين فضيلة، وكل ما لا يرتضيه رزيلة، أو بمعنى أدق أصبح كل ما كان يرتضيه الدين منذ 1400 عام فضيلة يجب أو يمكن الأخذ بها في عصرنا هذا، وكل ما كان لا يرتضيه حينئذ رزيلة يجب نبذها، مما ألحق أبلغ الضرر بكل من الدين والأخلاق في آن واحد.
فالأخلاق كائن حي، يخرج من رحم العلاقات الإنتاجية والإجتماعية في المجتمع بالتفاعل بين الخبرة الإنسانية المتراكمة والظروف الموضوعية المتطورة للواقع المعاش، وبالتالي فهي تخضع لما تخضع له كافة الكائنات الحية من أحكام وقوانين، وأهمها النشوء والتطور والنسبية والتفاعل مع البيئة والتقادم، فهي ليست قوالب سابقة التجهيز هبطت على الإنسان من السماء لتبقى ثابتة عبر الزمان. فمع ارتقاء الإنسان من مرحلة الحياة في قطيع مثل الحيوانات إلى مرحلة الأسرة ثم العشيرة ثم الدولة، ومع تطوره من عصر الصيد إلى العصر الرعوي ثم الزراعي فالصناعي وأخيرا المعلوماتي، كان دائما بواسطة عقله القادر على التمييز بين القبيح والحسن يقوم بوضع قواعد الأخلاق وتطويرها كي تواكب متطلبات كل مرحلة، مما يتلقفه رجال الدين في كل حين ويصبغونه بالصبغة الدينية المناسبة من حلال وحرام. فمنذ مائة عام كان من العار على الفتاة أن تخرج من بيتها، وأن تتعلم، وأن تختلط بطلاب ومدرسين من الذكور، ناهيك أن تعمل وتتوظف، وكان رجال الدين يؤيدون هذا الخلق بنصوص دينية مؤكدة، مما أبطئ مسيرة الأمة لعقود طويلة، ولكن بعد أن فرضت التطورات الإجتماعية نفسها، وخرجت المرأة للدراسة والعمل، تغيرت أخلاقنا، ولم نعد نرى في هذا الخروج عارا، وابتلع رجال الدين النصوص القديمة بعد معارضة قوية لا يزال بعضهم متمسكا بها حتى يومنا هذا، وأظهروا نصوصا أخرى تتماشى مع هذه التطورات.
إن عقل الإنسان هو الذي قاد الإنسانية عبر العصور، وهو الذي استطاع أن يخرج بها من ضيق الهمجية والبدائية إلى سعة المدنية والحضارة، فهو بما لديه من ملكات لم نستطع حتى اليوم توظيف خمسة بالمائة منها قادر على استشراف المستقبل، وتحديد الغايات والوسائل، وتزويد الإنسان بكل ما يلزمه من قيم وخلق ومهارات للتكيف مع الواقع المتغير، ومواجهة التحديات، وتحقيق الإنجازات، وإصلاح الأخطاء التي قد يقع فيها خلال مسيرته، إلا أن هذا العقل لا يعمل وهو مكبل بالأغلال، ولا يعمل وفق الأهواء والمصالح والأيديولوجيات.
إن الأديان ولاشك تدعو للكثير من مكارم الأخلاق، مما يضيق المجال هنا عن تفصيله، إلا أنها تتضمن أيضا الكثير من التعاليم التي كانت مقبولة في عصور قديمة ولم يعد ممكنا قبولها اليوم، والمشكلة أن هذه التعاليم تنطق بها نصوص لا يمكن محوها من الكتب المقدسة، ولا يعترف الكهنوت في أي دين بتاريخية هذه النصوص وتقادمها، بل يقوم بمغالبة عقول أتباعه مؤكدا صلاحية هذه التعاليم لكل العصور حتى لا يضعف إدعاءه بصلاحية كل ما في هذه الكتب لكل زمان ومكان. من هنا نسمع من يؤكد أن ضرب النساء معجزة قرآنية، ومن يؤيد نكاح الإطفال ويعترض على وضع حد أدنى لسن الزواج، ومن يوصي المرأة بإرضاع زملائها في العمل، ناهيك عما يمارس من دجل وشعوذة باسم الدين، من تفسير أحلام، إلى الإستشفاء بزيت الكهنة والعلاج بالقرآن، إلى علاج السحر والحسد، إلى إخراج الجن والعفاريت، وغير ذلك من الأمثلة التي تدمي العقول ويضيق المجال هنا عن حصرها، والتي تلقي بالمجتمع كله في أتون الخرافة، وتقضي على منظوم قيمه الأخلاقية والعلمية. لهذا فإن اعتبار الدين دستورا وحيدا للأخلاق يؤدي إلى نتائج كارثية، ومفاسد اجتماعية لا حصر لها، نراها تتفشى اليوم في مجتمعنا، ولا يستطيع أحد إنكارها.
فإذ يدعو العقل لاحترام الإنسان لأنه إنسان، وبصرف النظر عن لونه وعرقه ودينه، نرى أكبر الأديان كاليهودية والمسيحية والإسلام والهندوسية وهي تحمي نفسها بتكفير من لا يتبعها، فإنها تنظر إلى غير أتباعها بدونية فجة، وتنعتهم بأدنى الأوصاف في نصوص تؤدى بها الصلوات، فهم نجس، وقردة، وخنازير، وأنعام، وشياطين، وأولاد أفاعي، وكلاب، وسراق، ولصوص، وأغبياء، مما ينعكس بالتأكيد في نظرة الأتباع لغيرهم من البشر، ويولد الكثير من مشاعر الكراهية التي تتطور في أماكن كثيرة إلى صدامات مسلحة.
وإذا يرى العقل أن المساواة بين البشر فضيلة، تغرس الأديان في نفوس أتباعها شعورا زائفا بالأفضلية، فاليهود شعب الله المختار، والمسيحيون أبناء الرب، والمسلمون خير أمة أخرجت للناس، والهندوس أنصاف آلهة لأنهم خلقوا من جسد الإله راما ذات نفسه، ومن ثم فهذه الأديان تنكر المساواة بين الناس، سواء بين أتباعها وغيرهم، أو بين الرجال والنساء، بل وتذهب إلى حد المطالبة بأن تنعكس هذه اللامساواة اللاإنسانية في قوانين تنظيم وإدارة المجتمعات.
وإذ يدعو العقل أن تكون المحبة أساس التواصل بين البشر جميعا، تجعل الأديان هذه المحبة قاصرة فقط على العلاقة بين أتباعها، على قاعدة الولاء والبراء المطبقة في كل هذه الأديان على اختلاف مصطلحاتها، وتأمر ببغض الآخر الذي هو دائما وحتما من أهل السعير، كما تمنع التواصل الإجتماعي الطبيعي بين الناس حين تقف حائلا دون تصاهر أتباع الديانات المختلفة، أو حين تحرم أتباعها من حق الطلاق وترغمهم على الإلتزام رغم إراداتهم بعلاقات أسرية فقدت أسس إستمرارها مما يؤدي إلي نتائج أخلاقية خطيرة.
وإذ يرى العقل أن قتل الإنسان أسوأ الشرور على الإطلاق، نرى هذه الأديان تبرر قتل الإنسان لأخيه الإنسان، فتبيح في أحوال كثيرة دماء وأعراض وأموال أتباع الديانات الأخرى، ليس لارتكابهم مخالفة يجرمها القانون المدني، بل لمجرد عدم إيمانهم بهذا الدين أو ذاك، أو انتقادهم لبعض ما جاء في أحد الكتب المقدسة، أو لمجرد رغبة أحدهم في تغيير دينه.
كثير من الجرائم يهتز لها الضمير الإنساني بينما يباركها الضمير الديني، فالشيخ الفاني الذي ينكح بأمواله فتاة في مقتبل العمر ليتمتع بها لبضعة أسابيع ثم يتركها بعد ذلك لمصير أسود غالبا ما ينتهي في سوق البغاء، والذي يعث في أعراض الناس مزواجا مطلاقا، والذي يلقي بامرأة أطعمته زهرة شبابها في الطريق دون أن يؤمن لها حياة كريمة من أجل الزواج بفتاة أصغر منها، والذين يجنون الأموال من تشغيل أطفال لم يبلغوا الحلم، والذين يكتفون بإخراج الصدقات ويتهربون من دفع الضرائب، والذين يخفون السلع للمضاربة على أسعارها، والذين يقومون بتشويه الأعضاء التناسلية للمرأة فيما يعرف بالختان، كل أولئك المجرمون وغيرهم تجاهلوا ما يستحسنه العقل، وما يستقبحه، واتخذوا من الدين مرجعا وحيدا للأخلاق، فوجدوا في نصوصه العتيقة ما يسول لهم ارتكاب جرائمهم، أو لم يجدوا نصوصا تزجرهم عن ارتكابها باعتبار أن الأصل في الأشياء الإباحة، فزلوا وسقطوا وسقط المجتمع كله في إثرهم.
ولكن ألا يشكل الدين رادعا يحمي الفرد والمجتمع من الكثير من الأمراض والآفات الأخلاقية التي تعصف بالمجتمعات البشرية كما نسمع دائما في البرامج التليفزيونية، وكما نقرأ في توصيات الكثير من الندوات والمؤتمرات؟ هذا ما سوف نحاول مناقشته في الإسبوع القادم.
13 تعليقات على كيف تتعارض الأديان مع الإخلاق؟!
إن وجودك معنا يا أستاذ إسماعيل هو مكسب كبير لنا بلا شك!
المقالة تحلل الوضع برمّته، وإذا جاز لي القول، هي مقالة جامعة تحدد، بالتحديد، كل الآفات المزمنة للإسلام السياسي عامة، وأسلمة الأخلاق خاصةً.
سوف أكتفي بتنصيص ما قلته حضرتك، لأن فيه ما قلّ ودلّ:
وفي موضع آخر:
صحيح تمامًا! إن فساد حرف يفسد النص كله، وهذا ما يحاولون إخفائه بشتّى الطرق.
تحياتي ومودتي
تعليق ثاني سريع،
حضرتك ذكرت أن الأديان لا تدعو إلا للمحبة بين أتباعها فقط، بل وتصف متّبعو الأديان الأخرى بأبشع الصفات والألفاظ، انتهاجًا لثقافة القبيلة الجاهلية، بالإضافة إلى أنهم يشعرون بالأفضلية عن سائر البشر الآخرين، فقط لأنهم يهود، أو مسيحيون، أو مسلمون، أو هندوس… إلخ…
أنا أؤيد هذا تمامًا، فكل دين به نزعة عنصرية مزمنة، تفيد بأن كل من ليس معي، فهو ضدي… وكله في النار ما عدا أنا. حتى بين الطوائف والمذاهب في نفس الدين.
حقيقي شيء غريب وعجيب أن يتفوق أحدهم على آخر، ليس بالعلم أو الفن أو الرياضة، ولكن لأنه ورث دينًا “سبسيال جدًا” بين ما ورثه من كروموزومات الوالدين الأفاضل.
أتمنى أن يقرأ هذه الكلمات أي عاقل، ويفكر، لماذا أكره وأنبذ الآخر؟ فقط لأنه على دين أو طائفة أو مذهب آخر؟ هل هذا سببًا كافيًا؟!
شكرًا
مجهود رائع شكراً لك
تعليق على رد احمد زيدان
=
أنا أؤيد هذا تمامًا، فكل دين به نزعة عنصرية مزمنة، تفيد بأن كل من ليس معي، فهو ضدي… وكله في النار ما عدا أنا. حتى بين الطوائف والمذاهب في نفس الدين.
=
قريت شوية في الموقع وبعض مقالاتك او المداخلات
اظن ان تلبس الفكر والعلمانيه وطنجنة الليبراليه تحول الدين الى مذهب فكري ينزع القدسيه من عليه
فليكن
في نقطتين .. النقطه الاولى ان الدين به نزعه عنصريه .. مش مهم عندي الاديان الوضعيه او المحرفه
انما يهمني شعيرة التوحيد الاسلام
افهم استخدام البعض للدين كأداه للحض على الكراهيه والعنف او الارهاب وواجب نقدهم وتوضيح طبيعة الاسلام السمحه
افهم ان انسان مسلم ينتقد التشدد
او حتى انسان مسلم ولو اسما فقط يدعو لإباحة الشذوذ والدعاره مدفوع “بليبراليته”
انما مش قادر افهم ازاي مسلم يقول “وكله في النار ما عدا أنا” , دين سبيشال , اكره وانبذ الاخر واحالتهم للدين
الكره او النبذ للفكره
مفروض نتعايش مع الجميع .. انما هل التعايش يعني قبول الفكر ؟
هل مفروض على المسلم الموحد بالله يقبل الدين الوثني ويقتنع ان مصير الاتنين واحد ؟
هل المفروض على المسلم يخالف جوهر عقيدته ل “يتليبر ” ؟
غريب
اما المقال
تبديل الايمان بالعقل , تبديل الإراده الالهيه بالارداه الانسانيه , التنزيه بالتجريد , النعيم بالخير الاسمى , الجنه بمملكة الغايات الخ كلها محاولات مبادله الاخلاق الدينيه باخلاق انسانيه لنفور العلماني من الدين .. هل اتى بجديد ؟
او المقايسه .. زي ما في اخلاق دينيه منزله لازم تكون في اخلاق عقلانيه من الانسان .. ولو الاتنين واحد او من نفس المفهوم ميضرش المهم نفي الاولى وتحييدها
زي ما في تشريعات الهيه اعمل تشريعات انسانيه , لاخر المقايسات
وفي النهايه .. نظرية قدم الدين وعدم صلاحيته للعصر الحالي , التجديد كتحوير للهدم , المخالفه كتحوير للإبتكار
كلها دعاوي ساقطه وعلى غير شئ الا اتباع الهوى
أهلًا أستاذ أحمد،
لقد نزعت كلامي عن محتواه يا أحمد، لقد قلت، “أنا أؤيد هذا تمامًا، فكل دين به نزعة عنصرية مزمنة، تفيد بأن كل من ليس معي، فهو ضدي… وكله في النار ما عدا أنا. حتى بين الطوائف والمذاهب في نفس الدين.”
اقرأ الجملة مرة أخرى، فيها استنكار أن كل متّبه دين يعتبر كل الآخرين في النار، ومن ليس معه فهو ضده… “كل دين به نزعة عنصرية مزمنة، تفيد بأن، “كل من ليس معي، فهو ضدي… وكله في النار ما عدا أنا.” هذا الكلام ليس على لساني.
—
في مشكلة جوهرية في الحوار بنيننا، فأنت تبيح لنفسك أن تتدخل في شئون الآخرين باسم “التقويم” أو باسم “الدين الحنيف” أو أو أو… ولكني لا أشجع على “الدعارة” أو المثلية” فقط، ولكن الحرية التامة في كل شيء، على ألا يتدخل أحد، أو يعتدي، على حرية الآخر.
—
لقد قمت بخلط واضح آخر يا سيدي، فليس عليك أن تتقبّل الفكر، ولا أن تقتنع بالوثنية، ولا عليك أن تقتنع أن مصير الإثنين واحد، وليس عليك أن تخالف جوهر عقيدتك، فالكاتب لم يطلب هذا، ولا يوجد شخص عاقل سوف يفرض عليك رأيًا أو فكرة، إلا الإرهابيين مع تجاوز مدى عقلانيتهم، سواء الإرهابيين الفكريين أو الحقيقيي.
ولكت التعايش السلمي يعني عدم الاعتداء على الآخر، سواء كان مسيحيًا أو ثنيًا أو داعرًا أو مثليًا، وهذا النقاش المثمر المتحضر الذي نخوضه الآن هو أكبر مثال على هذا التقبّل للفكر الآخر بصدر رحب.
–
يا سيدي الفاضل، وبالنيابة عن صاحب المقال، لم يفرض أحد عليك فكرًا أو عقيدة، فهذا موقع لحوار وعرض الأفكار و”الاختلاف.” وهذا شيء لا يعنيك، إن كان يتبع الهوى، أو يتبع عمرو دياب… كل واحد حر.
تحياتي وشكرًا لمرورك
=
في مشكلة جوهرية في الحوار بنيننا، فأنت تبيح لنفسك أن تتدخل في شئون الآخرين باسم “التقويم” أو باسم “الدين الحنيف” أو أو أو… ولكني لا أشجع على “الدعارة” أو المثلية” فقط، ولكن الحرية التامة في كل شيء، على ألا يتدخل أحد، أو يعتدي، على حرية الآخر.
=
مين قال
في الإسلام في نقاط واضحه ” ادع لى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه ”
“كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”
وفي نفس الوقت .. “كل إنسان ألزمناه طائرة في عنقه ”
كل واحد حر يعمل ما بداله وحسابنا كلنا عند ربنا في الاخر
دا مفهوم الإسلام للحريه وطبيعة المجتمعات
علينا الدعوه للخير , الاخلاق القويمة , النهي عن المنكر والمنكر في الاسلام واضح مفش فيه مجال لتطبيق النسبيه لانه هيكون نوع من العبث وفتح باب مطاط لكل شئ وبالتالي انهيار منظومة الاخلاق واحلالها بمنظومه مادية نفعيه صرفه
انما محدودين بان كل واحد حسابه عند ربنا .. دي مفاهيم مترسخه عند غالبية المسلمين الملتزم منهم واللي يعرف البسيط عن دينه اما المتشدد زي المتخلفين اللي قتلو مشاهدي كاس العالم فانت عارف القاعده .. الشاذ اثبات للاصل .
=
عندي استدراك على تعليقك الاخير لان تأييدك لفكره يعني بالتالي قبولها وتنبيك لنفس الرأي .. سليم ؟
مفهومي للأديان السماويه الثلاثه وهو على ما اظن نفس المفهوم الإسلامي ليها
الله سبحانه وتعالى ارسل الرسل وشرع التعاليم والاوامر والنواهي من بداية سيدنا ادم لوقت سيدنا محمد
وجود التحريف والتبديل لا ينفي الاصل وبالتالي مفيش عنصريه … في مخالفه وتشويه وتحريف
عندنا مثال في المسيحيه .. في كتابهم يوجود نصوص واضحه لبشرية عيسى عليه السلام وانه رسول ومفيش اوضح من ” للذي ارسلني لم تسمعو صوته قط ولا ابصرتم هيئته , ابي وابيكم والهي والهكم , اشكرك ايها الاب لانك سمعت لي , لاخر النصوص الواضحه
هما يعبدو عيسى عليه السلام .. هل المشكله تكون في الدين لنوصفه بالعنصريه ؟
الدين واحد من بداية ادم لنهاية الخليقه .. تشريعات اخنوخ ” ادريس ” عليه السلام , تعاليم موسى وعيسى عليهم السلام , شريعة الإسلام .. كل واحده في اصلها ومفيش شريعه صافيه كما انزلت الا الإسلام
انما هاخد خلاصه المفهوم عشان مندخلش في جدل
متفقين في اهم نقطتين .. لكم دينكم ولي دين
وتعايشي مع الغير لا يعني قبول فكره ومخالفة العقيده والاقتناع وقبلهم قدسية الدين
=
اما ردك على تعليقي الخاص بالمقال فمره تانيه ان شاء الله
أهلًا مرة أخرى،
لم تجد في تعليقي أي نص خارجي، أو “تنصيص” سواء من عالم ذرة أو شيخ أزهر، ولكن كل تعليقك تنصيصات، وهو ما لا أحبذه، خاصةً أننا نصبو لحوار عقلاني بعيدًا عن “نصوصي” “ونصوصك”، ولو إني ليس لدي أي نصوص فوق النقد.
–
أمّا قولك، مفيش شريعة صافية إلا الإسلام… نفسي أعرف صافي كام في المِية عشان أشتري بس…
أنا بشرب إنجوي
Nt wt=9.35 Oz.
اسف كنت بتعامل معاك على اساس انك مسلم .
مقال واقعي جدا .. من الكوميديا اللي موجودة حوالينا الاعتقاد بأن التقدم قد يحدث بأخلاق فاسدة وأن التخلف قد يسود في أخلاقيات سليمة …. طول الوقت نتخيل أن منظوماتنا الاخلاقية هي الصحيحة لأنها مستخرجة من نصوص وكتب دينية … لكن الفشل الدائم لهذه الأخلاقيات والنظريات يرد على أى مدعي بصلاحياتها … فهي يا اما فشلت بعد تطبيقها في اصلاح حياة العباد اللي بيطبقوها ,,, واما فشلت في انها تبقى واضحة للي بيبحاول يطبقها … وفي الآخر الأخلاق نسبية بنسبية الحياة نفسها … ومن لا يقبل بنسبية الأخلاق يظل أسير أخلاق عصور انتهت وانتهت اخلاقياتها
أظن أن هناك خلط بين الأخلاق من جهة وبين الأحكام الشرعية من جهة أخرى، فالأخلاق لا تتغير لا بالزمان ولا بالمكان وانما ما تتحدث عنه مثل خروج الفتاة او تقبل ملابس معينة او او … هو من ما يسمى (الأحكام الشرعية) وفقط من باب خلط الأمور اعتاد الناس عموما في فترات الانحطاط الحضاري الخلط بين الاثنين ، وارى انه مابدأت امة في التاريخ في الخلط بين الأخلاق وبين الأحكام الشرعية أو القوانين الوضعية حتى تتحول إلى أمة آيلة للسقوط
فالأحكام الشرعية حين تتحول إلى قواعد أخلاقية ثابتة غير قابلة للتتغير ومن ثم تندرج تحت مسمى الأخلاق يبدأ المجتمع في الجمود وعدم التطور
أتفق معك من هذا المنطلق ان مجتمعاتنا وحقيقة كما قلت منذ آواخر العصر العباسي بدأت تتعامل مع الأحكام الشرعية على أنها ثوابت أخلاقية (منظومة الفكر السلفي)
ولكن الدين في أصل فكره يمنع الناس من التغيير في الأخلاق ولكنه بسعة نصوصه وكثرة مرجعياته يتيح للناس (عن طريق مرجعية واعية فاهمة للنص الديني) ملائمة الأحكام الشرعية لظروف الزمان والمكان
والعبارة الأخير هي تقريبا تعريف مبدأي لكلمة الفقه في الشريعة الإسلامية
لكن النص الديني شأنه شأن أي نص يحاول تنتظيم حياة الناس (بما في ذلك النصوص الوضعية) هو في الواقع نص مكتوب على الناس التعامل معه، ومن هنا سرعان ما يبدأ معجم المصالح والأطماع فقط في التعامل مع النص (وهذه ينطبق حتى على النصوص التي لو دونها هذا الكاتب او حتى خير الليبراليين في العالم لتنظيم المجتمع)
فعدم الرجوع لصاحب النص أو من يمثله يؤدي فورا للإختلاف حول معاني النص وترجيح المعنى الذي يتماشى مع مصلحة من يقرأه
النص الديني قدسيته لا تكمن في ذاته ، أي انه ليس ساحرا عليه ان يطير في الهواء أو أن يجعل صفحاته تنطق أو يطير إلى السماء معلنا عن ذاته، ولكن قدسيته تكمن أن في حقيقة سعادة البشر لو قاموا بتطبيقه كما أراد صاحبه والرجوع لمن عينه صاحبه مفسرا له
تماما كالنص المكتوب في الاعلى حين نختلف سويا حول احد معاني الجمل الواردة علينا وبمنطقية شديدة العودة إلى مؤلف المقال والا سنظل في تخبط
أتمنى ان تكون فكرتي واضحة
اسف لإطالة تعليقي
ولكني أريد ان أضرب مثلا بسيطا عن ما سبق
دستور ليبرالي في منتهى الروعة وينص على حرية جميع المواطنين في التفكير والتنظير ولكن سرعان ما يتم اعتقال بعض الناس لأنهم ينشرون أفكارا معادية لليبرالية ويتم الجدل حول تعارض هذا مع نص الدستور فيأتي حكماء الدستور ومنهم من ينظر لمصلحة نظامه ومنافعه الشخصية فيفسر النص بأنه يجب اعتقال كل من يتآمر على الليبرالية في الدولة وآخرين ايضا لهم مصالحهم مع تلك الفئة المعتقلة يفسرون النص نصيا أنه من الحريات الفردية
ولكن بالعودة إلى واضعي الدستور ومنظري الليبرالية ومن عينه الدستور حاكما في الخلافات (في حال أنهم كانوا حقا واضعينه لمصلحة الأمة) يتم انهاء الخلاف فورا بحجة وراحة صمت الجميع
وفي نفس الوقت سيكون الحديث من المعتقلين عن أن الليبراليين يرفضون الآخر ويعتبرون من عاداهم مخطئا طالما أنه يريد حمل المجتمع على أيدويوجية معينة ايا كانت هذه الأيدولوجية
واذا كان مؤلف المقال كتب مقاله ثم سافر خارج البلاد منذ خمسين عاما ولا أحد يعلم أين مكانه فهل يحق لبعض الأشخاص التحدث على أنهم يفهمون ما يريد صاحب المقال أن يقوله وعلى الجميع أن يستشيرهم ويرجع اليهم لأنهم يفهمون مالا يفهمه غيرهم … هذا احتقار للعقل البشري واتهام له بأنه لا يشتطيع أن يعلم مصلحته ولا يستطيع أن يجد الحل لمشاكله الا بالعودة لأشخاص بعينهم لا نعلم ما تميزهم عما سواهم
ومثالك عن دولة ليبرالية تضع دستورا ليبراليا مثال شديد التشوه والالتفاف لمحاولة الاقناع بطبيعية أن يكون هناك أشخاص ما لهم العلو فوق الناس ليفسروا لهم قوانينهم وربما هذا يتفق مع المذهب الشيعي الذي تؤمن به لكن لا علاقة له بأى أفكار عن الديمقراطية أو الحرية … فلا توجد في الدول الليبرالية شخوصا ذات مرجعية لتفسر الدستور … لعدة أسباب منها أن من شروط وجود دستور هو وضوح عباراته بأقصى حد وألا تشتمل على تناقضات ( مثلما الحال في الكتب المقدسة التي تتناول مواقف متناقضة حدثت في أوقات وظروف مختلفة) وأن يكون الدستور قابل للتغيير في حال تعارض مع مصالح الناس لأنه يوضع أولا وأخيرا لحماية مصالحهم لا لتقديسه وعبادته
الكلام غير صحيح يا بدوي لأن حتى الدساتير الليبرالية تختص بها نوعية محاكم معينة للفصل في الخلافات حول النصوص القانونية ، وأيضا تشتمل على تناقضات يستطيع المتلاعبون والبارعون في القانون التلاعب بها واخراج انفسهم وفئاتهم من أي محاسبة قانونية في هذه الحالة لا يمكن ان يكون العيب هو النص الدستوري او الفكر الليبرالي في حد ذاته
وكما ان الدستور قابل للتغيير ويكون للمشرع الحق (السلطة التشريعية)تعديله أيضا الأحكام الشرعية قابلة للتغيير من المشرع (السلطة التشريعية) ، وكما انه ليس من حق أي شخص عادي لا يفهم في القانون والتشريع ان يغير الدستور حين يشاء وهو قاعد على القهوة مثلا أو لأنه شايف حاجة في رايه الشخصي مش عاجباه او كاتمة حريته
وانما فقط من خصصه المشرع (وهو السلطة التشريعية) هي المخولة للتعديل في النص الدستوري وبالتاي تتحول السلطة التشريعية في الدستور إلى كهنوت والناس إلى متبعين، وهذا الكهنوت سوف يضرب بيد من حديد كل من يحاول المس (بمقدساته) الحرية والفردية واللا أيدولوجية