انظروا ماذا فعل صدام لنا، نحن بلا ماء و لا كهرباء ولا مدارس. لقد حرمونا من كل شيء».
هكذا بدأ الرجل الكردي العجوز أول مشهد بفيلم السلاحف يمكنها أن تطير للمخرج الإيراني الكردي بهمن غوبادي انتاج إيراني عراقي عام 2004، والذي عرض ضمن فعاليات ملتقى الثلاثاء هذا الأسبوع، يحكي الفيلم مأساة إنسانية واقعية لأكراد كردستان العراق قبيل سقوط النظام العراقي السابق…
و يدور الفيلم في مخيمات اللاجئين الواقعة على الحدود العراقية التركية، ويعكس تلك الحياة القاسية التي يعانيها الغالبية العظمى من سكان تلك المخيمات وهم من الأطفال الذين يعملون في التنقيب عن الألغام وجمع فوارغ دانات المدافع وتشوينها لصالح تجار الأسلحة لبيعها والاسترزاق منها .
تتميز رقعة الفيلم بالطبيعة الجبلية الخضراء والأجواء الشتوية الساحرة التي تتناثر على أرضها مخلفات من بقايا الحروب من دبابات ومدرعات حربية والتي اتخذها بعض اللاجئين سكنى لهم بدلا من الخيام، يعد أبطال هذا الفيلم من الأطفال يتزعمهم الطفل «ستلايت»، الذي يستعين به أهالي المخيم لشراء ستلايت مقابل مجموعة من الراديوات ومبلغ من الدنانير يستبدلها مع تاجر الأجهزة الكهربائية في سوق أربيل ليعطيه جهاز الستلايت، الذي سيطفئ شغفهم بمتابعة أخبار الحرب المنتظرة بين العراق وأميركا التي ستخلصهم من ظلم صدام، فيفتح لهم القنوات الفضائية بعد فصلهم نهائياً عن العالم الخارجي ويترجم لهم ما يريده من أخبار رغم عدم درايته باللغة الإنكليزية، فيروي الطفل «ستلايت»، كما يطلقون عليه كاسم شهرة هو ورفاقه القصة كاملة بتلقائية بالغة في الواقعية تصل في بعض الأحيان إلى لغة كوميدية سوداء.
فـ«ستلايت»، هو المحرك الأساسي الموثوق فيه للحاضر المؤلم والقاسي كطفل ذكي فهلوي يعتمد عليه الكبير والصغير، فذاع صيته وأصبح قائدا صغيرا لكتيبة كاملة أو فصيل وله هيبته وكلمته المسموعة المنظمة لتحركات الأطفال والكبار من خلال ما يلقيه عليهم من أخبار بميكروفون المسجد، أو من خلال تعليماته الجادة التي توزعهم على العمل في حقول الألغام.
بعد عقد الاتفاقات مع تجار السلاح وتحديد الأجور التي سيتقاضها الأطفال مقابل ذلك وعلى الجانب الآخر تقف الطفلة أجران التي اغتصبها جنود صدام وقتلوا عائلتها بحلابشا، وأنجبت من هذا الاغتصاب طفلاً مشوهاً يظنه أهل المخيم أخاً لها هي وأخيها الآخر المبتور، الذي فقد ذراعيه وهو يجمع الألغام، لكنها كانت رافضة لواقعها وطفلها وكل شيء يذكرها بالماضي، لذلك كانت دائما تفكر في التخلص منه واستبداله بالانتحار من فوق التل، أو حرق نفسها ببركة المياه فهي تمثل همزة الوصل بين ماض أسود قريب، وحاضر مشوه ممتد غير واضح المعالم، لكن أخاها الأبتر لا يوافقها على اعتبار أن الطفل لم يخطئ وليس له ذنب فيما ارتكبه الآخرون…
يمثل الطفل الأبتر النبوءة بالآتي المجهول,,, يراها في أحلامه سواء في يقظته أو منامه، فيتكهن بأخطار انفجار قد يصيب الأطفال وهم يعملون في تشوين فوارغ دانات المدافع فيصل ستلايت الخبر، والذي يقوم بدوره بتحذيرهم وحثهم على الابتعاد عن الشاحنة التي يفرغون منها تلك الدانات، وبالفعل يحدث الانفجار، ثم يتكهن بقيام الحرب بين الأميركان والعراقيين قبل أن تصل إلى نشرات الأخبار، ويخبر ستلايت بذلك فيقوم بالإعلان عن الخبر من خلال ميكرفون المسجد، ويأمر سكان المخيم بصعود التل والاختفاء بين الأشجار، ثم يذهب للسوق ويستأجر مدفعا رشاشا لمدة ثلاثة أشهر في مقابل بعض الألغام التي جمعها من أهالي المخيم للدفاع عنهم أثناء الحرب.
لكن أجران تفكر في الرحيل إلى مكان آخر والتخلص من طفلها رغم معارضة أخيها بقوة، وبالفعل تترك طفلها فوق إحدى الهضاب بعد ان تقيد قدمه وتربط الحبل بشجرة وتتركه وحيداً لمن يلتقطه، وتقرر الرحيل لكنه يتمكن من فك وثاقه ويمشي باحثاً عن أمه لكنه يقع في حقل ألغام دون أن يدري بذلك، فيهرع الأطفال ويبلغون ستلايت الذي يصاب بانفجار لغم في قدمه وهو يقوم بإنقاذه من الموت، فينجو الطفل وينام ستلايت طريح الفراش فإذا بأحد الأطفال من مساعديه يأتي ويخبره بأن الأبتر يقول له إن كل شيء قد انتهى، فأمره بأن يعلن للناس في مكبر المسجد بأن الحرب قد انتهت، لكنه يتفاجأ بأن أحد الأطفال يأتي ويخبره بأن صدام قد سقط، ويعطيه ذراع تمثال صدام كهدية بعد أن اشتراه من الأميركان، وكيسا يحوي بعضا من الأسماك الحمراء التي كان يحلم بها ستلايت ليمنحها «لأجران» تعبيرا عن حبه لها، فيخبره الطفل بأنها أسماك أميركية مئة في المئة!
ثم ينتهي كل شيء بدخول الأميركان فتتخلص أجران من طفلها بإلقائه في المستنقع، وتنتحر من فوق التل الذي طالما فكرت في الانتحار من فوقه، ويقف ستلايت على الطريق ويدير ظهره للجنود الأميركان بعد أن فقد كل شيء، فهم دائما هكذا يأتون لخلاصنا بعد أن ينتهي كل شيء!
4 تعليقات على شاهد معنا:الفيلم الكردي” السلاحف يمكنها أن تطير”!
ممتاز يا بوهي…وإن كان موجعا … جدا…يظل موضوع الأقليات الإثنية والدينية في المنطقة من الموضوعات الشائكة التي نقربها برفق في مجتمعاتنا… ونتناولها بوعي حذر ومتفتح على موقعنا… تحياتي
عندما شاهدت هذا الفيلم لم أن ليلتي حتى كتيت هذا لمقال و ارسلته الة الجريدة
أكثر من رائع هذا الفيلم و يعبر عن واقع التهميش و الاستبداد , بالحق يؤثر و يخترق اعماق وحك
يلييز اتمنى الرد السريع.. هل القصة واقعية؟؟