في أنتظار ما لا يأتي …

تتأكد من نوم الأطفال وتحضير ما تيسر من فطور الصباح لتلتحف بجانبه ومضاجعة سريعة في عشر دقائق تغط بعدها في نوم عميق بعد أرهاق اليوم … يتقلب مرة تلو المرة ويلازمه الأرق … ترتعد أذنه الملاصقة للوسادة بخفقات قلبه والأذن الحرة تقع تحت أسر عقارب الساعة المظلمة … ما يشبه هليوكوبتر تتجول برأسه… أقوم أشرب سيجارة؟ … ينسحب ببطء من تحت الغطاء .. يفكر في مكان مناسب عشان ريحة السجاير.. الحمام ؟ .. الصالة ؟ .. قد تتسلل ألعاب الدخان لتصيب الباقين أيضاً بالأرق .. يفتح باب الشقة ويجلس علي أولي سلالم الدَرَج مستأنساً بالظلام .. يأخذ نفسا عميق ينير هالة حوله فيري يده حاملة السيجارة …أيام دراسته بكلية الهندسة كان يعمل في مطبعة وكان صاحبها يكلف كل يوم أحد العاملين بنبتشية ليل بعد أغلاق المطبعة لتزييت آلالات الطباعة وتجهيز الأحبار لليوم التالي .. تلك الأيام التي كان يتولي فيها النبتشية علمته كيف يستمتع بالتدخين في الظلام .. في اليوم التالي للنبتشية كان يُسمح له بالرحيل مبكراً عن وقت أنتهاء العمل الرسمي .. أحدي تلك المرات دخل شاب قصير نحيل علي وجهه علامات قلق وفي يده دوسيه تملأه اوراق يبرز بعضها من حواف الدوسيه في غير نظام .. في اليوم التالي يلمح بعينيه المرهقة ذات الدوسيه فوق مكتب صاحب المطبعة … ينهمك في عمله ويتناسي الأمر .. قرب العصر عندما يحين موعد مغادرة العمل يخبره صاحب المطبعة أن النبتشية اليوم كان من المفترض أن يتسلمها فلان ولكن أمه مريضة و زميلنا الآخر يعمل في مكان آخر اليوم بعد أنتهاء عمله بالمطبعة .. ” لبست النبتشية يومين ورا بعض .. ماشي .. كله بثمنه .. ما علينا ” … يتقبل رجاء صاحب المطبعة في أدب.. بعد انتهاء اليوم ورحيل كل العاملين يتذكر الدوسيه وذلك الفتي الخجول المرح .. لا يجده علي المكتب .. يدفعه الفضول للبحث .. لأول مرة يتجرأ ويفتح أدراج المكتب .. لا يطول بحثه طويلاً إذ يجد الدوسيه أمامه وخلف غلافه الشفاف عنوان بخط رديء يحتل كل الصفحة … ” عموم الليالي التي ” … تسقط من الدوسيه ورقة من مجلة مرسوم فيها لوحة تعبيرية غريبة .. عدد أوراق الدوسيه ثلاثة و ثلاثون ورقة مكتوب علي وجه واحد منها فقط … عموم الليالي التي ! .. يبدأ في تصفح وقد أستنتج أنها قد تكون مجموعة قصص أو رواية ما يريد صاحبها طباعتها بالمطبعة …

ذلك القس غريب الأطوار والذي يتحدث لنفسه بطريقة مختلفة تماماً عما يتحدث به للآخرين ! … يضجر من التفكير في الطريقة التي يريد أن ينتحر بها فيصعد لسطوح الكنيسة و يتماهي مع كل موضع فيها متخيلاً سيناريوهات السقوط من عل …

تلك الأيام كان يفكر كثيراً في طباعة أشعاره هو الآخر مستفيداً من خبرته وعمله بالمطبعة … ولكن مصاريف الكلية و أنشغاله بأسرته اختلسوا منه حلمه دون ان يعي … إلي أن يعرف بعد عدة أعوام أن صاحب القصة التي طُبعت في مكان عمله قد مات بغرابة وكأنه كان ينتظر الموت… البعض قال أنه أنتحر بالفعل .. آخرون يدعون أنه كان عامل دماغ جامدة فغفل نوماً ونسي الشاي الذي فار فوق اليوتاجاز ليستمر أنبعاث الغاز ويتسلل لصدره الضعيف أثناء نومه و .. و ينتهي العبث … أو يبدأ … عموم الليالي التي .. تطارد فيها الحياة … فيطاردك فيها الموت

الصديق القادم من ايطاليا اجازة شهر ومعاه فودكا طلياني و الآخر الذي فكت الفودكا عقدة لسانه فراح يثرثر عن اشياء من قبيل : لماذا لم تنتج الروح الاسلامية لا فناً ولا فلسفة حيث هناك دوماً نفياً للفردية والغرق في روح الجماعة و الأجماع الذي يتعارض اطلاقا مع الفن والتفلسف … واشياء عن افول تدريجي لقداسة كل ما هو آلهي وقرب سطوع ميتافيزيقا الانسان .. وعن قتال عنيف كان قائماً بين ما يفصلنا عن أنفسنا .. بين الأصالة و المعاصرة .. الحداثة والتراث .. الأبداع والأتباع … بين الهيء والميء .. وبين ماضي مهوش راضي وبين حاضر مهوش قادر …… .. كان يوجه له الحديث بتلقائية لأنه يشعر ربما أنه فقط من سيفهمه ، وعندها كال له الطلياني الصراخ : انت لسه زي ما انت ؟! … عليا النعمة لاخدك معايا ايطاليا في الشنطة ! .. حيحبوا دماغك دي اووي هناك…

.. مئة مرة يقرر ان يخرج اشعاره التي قاربت ورقها علي الاصفرار و ينطفيء القرار… في حياة قذرة من الصعب أن تري من حولك أي شيء يوحي بالجمال .. تنسي نفسك وعقلك محارباً فقط لأجل الطفو فوق مستنقع الوحل السميك أملاً فقط في الأستمرار .. .. . و علشان لقمة عيشك تمشي ورا التيار.. .. لينتهي الحلم دوماً بمطاردة الكلاب وتستقر وريقاته تحت السرير … تنتهك رأسه الذكري والأفكار فتلسعه السيجارة التي أقتربت نارها من انامله .. يسحب آخر أنفاسها بعمق ويلقي بها من الطابق الثالث حيث يقطن لتتلولب مع هواء الشتاء الاخير وتقع علي القطة النائمة في دفء فرائها في أحدي أركان المنور .. تهب مفزوعة وقد شاط شعرها ثم تستسلم للنوم في رُكن آخر تجنباً مشروطاً أبدياً لهذا المكان الذي كان سبب أحتراقها … يدلف الحجرة ويلقي بثقله وكأنه يتعمد إيقاظ زوجته.. فتظل نائمة .. يعتصر عينيه محاولا النوم … تتردد في رأسه تلك الفكرة ” ثمة شيء بالتحديد خطأ في هذا العالم … هناك شيء واحد خطأ في هذا العالم يفصلني عن نفسي ” تظل الفكرة تتخبط جناب عقله حتي يتراخي جفناه ويسيل خيط من اللعاب من فاه الفاغر علي طرف الوسادة الباردة

===========

النص من المدونة

http://mythparadox.blogspot.com/