الخصوص، بلدة مصرية عشوائية، شأن عشرات البلدات والمدن الصغيرة، ما كان لأحد أن يسمع بها خارج مصر، لولا أن جارين أحدهما مسلم والآخر مسيحي، تشاجرا لسبب كبر أو صغر، لكنه كان كافيا لفتح جرح جديد في ملف قديم وشائك.
مثل كل البلدات والمدن المصرية أيضا تتشابه الخصوص، يتجاور فيها المسلم والمسيحي، دون حساسية أو توتر أو ضغينة، كما كان الأمر منذ مئات السنين، إلا ما استجد من تغير في العقود الأربعة الأخيرة.
خرجت الخصوص، من دائرة الظل لتلحق بمدن أخرى سبقتها في ملف ما يطلق عليه “الفتنة الطائفية”، منها دُرنكه، والكُشح، ونجع حمادي، وفرشوط، وصول، وغيرها.
من غير المنصف تحميل تبعة أحداث الخصوص، للنظام الحالي في مصر، لكنه ليس بريئا منها بالقطع، بحكم مسؤوليته السياسية، وبواقع طبيعة ممارساته في الحكم.
قبل السبعينيات، لم تكن مصر قد عرفت أو عانت من “الفتنة الطائفية”، قبل أن يفتح الرئيس الراحل أنور السادات الباب أمام تيارات الإسلام السياسي لدخول ساحة العمل السياسي، بهدف إضعاف خصومه السياسيين من اليساريين والقوميين والناصريين.
تجربة مريرة بدأها السادات بعد انتفاضة يناير 1977، وانتهت نهاية دموية باغتياله في أكتوبر 1981، بعد شهور من مأساة الزاوية الحمراء. كان الوقت قد نفد قبل أن يدرك السادات أي باب من أبواب الجحيم فتحه على مصر.
سنوات مبارك التي قاربت على الثلاثين، شهدت توظيفا ملحوظا للملف الطائفي، خاصة في السنوات الأخيرة منها، وبلغت ذروتها في حادث تفجير كنيسة القديسين، قبل أقل من ثلاثة أسابيع من اندلاع الثورة.
ورغم ما بدا للبعض امتيازات وحقوق حصل عليها الأقباط في عهد مبارك، مثل التوسع في بناء الكنائس، وتحويل يوم السابع من يناير “عيد ميلاد المسيح” حسب تقويم المسيحيين الشرقيين، ليوم إجازة رسمية في مصر؛ إلا أن قضايا الأقباط لم تشهد تحسنا حقيقيا، والأسوأ أن الشأن القبطي بكامله كان يديره أمن الدولة.
ومما يدعو للأسف على وضع الأقباط والدولة في ذلك العهد، أن جميع أحدات العنف ضد مسيحيين، لم يصدر فيها حكم قضائي واحد.
قدمت ثورة يناير، في أيامها الثمانية عشر، صورة مثالية لمصر، خاصة في ما يتعلق بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين، ويتذكر كثيرون صور مسيحيين يصبون الماء لمسلمين للوضوء، ويقفون حراسا لهم أثناء الصلاة.
صور سرعان ما تهاوت، وكان أول السقوط تحت جنازير المدرعات في “أحداث ماسبيرو”، إبان إدارة المجلس العسكري للبلاد، وحريق كنيسة صول، وماري جرجس في أمبابة، لكن الأسوأ لم يكن قد ظهر بعد.
ما أن كشفت الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، عن أن الإعادة ستكون بين طرفين، أحدهما مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي، حتى عاد التوظيف المكثف للملف القبطي، بدعاية برع فيها الإخوان كثيرا، مرة بالحديث عن دعم الكنيسة للمرشح المنافس وقتها، الفريق أحمد شفيق، ومرة بأن الأقباط نادمون على “تدليل” مبارك لهم، ويحلمون بفوز خليفته وصديقه شفيق، وذهبت الدعاية لحد الزعم أن شفيق وعد بمنع تدريس القرآن في المدارس الحكومية إذا لم يتم تدريس الإنجيل بالمثل.
ما جرى أثناء التصويت، كان أسوأ، فقد تواترت تقارير عن منع قرى وتجمعات قبطية بكاملها في الصعيد من التصويت لشكوك أنها ستصوت لشفيق. تقارير لم تنفها حتى اللجنة العليا للانتخابات، ولا بذلت جهدا كافيا للتحقق من دقتها.
لم يكون فوز مرسي أمرا مريحا للأقباط بالتأكيد، ولا يملك أحد لومهم على ذلك، وأثبتت الأيام صحة مخاوفهم.
خطاب ديني غارق في مفاهيم عفا عليها الزمن، من حديث عن دفع الأقباط الجزية، إلى دعوات لمنعهم من الخدمة العسكرية، ووصل البعض لحد مطالبتهم بالهجرة من مصر إن لم يكن حكم “الإسلاميين” أمرا يروق لهم.
في كل المظاهرات التي خرجت ضد حكم مرسي، كانت عناصر قيادية في جماعة الإخوان وحلفائها من اليمين الديني، تجد أن أقرب شماعة لها هي الأقباط. كثير من تلك القيادات قالت إن غالبية المتظاهرين ضد مرسي من المسيحيين. انسحب ممثلو الكنائس من الجمعية التأسيسية للدستور، ولم تشعر الدولة بخطورة وضع دستور في غيابهم.
في الاستفتاء على الدستور، وعندما أظهرت المرحلة الأولى ارتفاع نسبة التصويت بالرفض لنحو أربعين بالمائة، كان الرد جاهزا ومعلبا، الأقباط من هم رفضوا الدستور، لأنه يدعو لتطبيق “الشريعة”.
المرحلة الثانية للتصويت كانت كاشفة حقا في توظيف العاطفة الدينية في التصويت، فمحافظات الصعيد، والتي يتركز بها العدد الأكبر من الأقباط، صوتت باكتساح لصالح الدستور، لأنه تم حشد الناس للتصويت على أساس من مع الشرعية ومن ضدها.
الدولة، لم تكتف بتوظيف المسألة الطائفية من بعيد، بل أصبحت طرفا فيها بمؤسساتها. فمجلس الشورى مثلا أجاز استخدام الشعارات الدينية في الانتخابات، ليقنن بذلك تفرقة مقيتة على أساس الدين بين المواطنين في الدولة الواحدة.
حتى عندما وقعت أحداث الخصوص، سرعان ما حمّل أحد مستشاري الرئيس، وهو عصام الحداد، المسؤولية للأقباط، وقال إنهم من بدأ بالهجوم.
ربما تبدو أحداث الخصوص، حلقة في سلسلة من أحداث سابقة في الشأن القبطي في مصر، لكن ما تلاها من اعتداء ورشق بالمولوتوف والحجارة لمقر الكاتدرائية المرقسية كان حدثا خطيرا وغير مسبوق في مصر.
الأخطر منه أن الشرطة، وهي ممثل الدولة، كانت طرفا بإطلاق الغاز المسيل للدموع والخرطوش على الكاتدرائية. مشهد يوحي بأن مصر دخلت بالفعل عصرا أبلغ خطرا وأشد انقساما بين عنصريها. وإذا كانت مساحة انعدام الثقة واضحة بين اليمين الديني وغالبية المجتمع في مصر، فإنها تكاد تكون معدومة تماما بين هذا التيار وبين الأقباط.
—-
** الرابط الأصلي للصورة: https://mail.google.com/mail/u/0/?shva=1#inbox/13e38ea1b752ea74
2 تعليقات على فتنة الخصُوص… ماذا بعد؟
مرحبا بك كاتبا مساهما على موقع شباب الشرق الأوسط يا محمد..الحقيقة أن المشهد المزعج هذا ما هو إلا جزء من مشهد أكبر حجما وإزعاجا…فالمفاهيم القديمة لم تتغير في ميدان التحرير…لأنها توورثت بما يكفي ليجعلها “مدقوقة” بعمق..لكن مشاهد الوحدة الوطنية في فترة الصورة في الميدان وحوله حفرت بدورها في وجدان المصريين وستظل تستدعى لأجيال قادمة, تماما كما يستدعي جيلنا مشاهد الوحدة الوطنية من ثورة سعد زغلول في مصر أوائل القرن المنصرم…فلا تجزع يا صديقي!
كثرة الكلام واللت والعجن في وسائل الاعلام في هذا الموضوع ومحاولة اقناع الناس ان هناك فتنه حقيقيه ولازم نواجهها كل ده كذب ومحاوله فعلا لاثارة فتنه لاوجود لها حاولت الانظمه السابقه والحاليه اقناعنا بها ولكن تأكدوا ان كل ده كذب في كذب وحرق الكنائس ما هي الا وسيله من الحكومات المختلفه افتعالها لاغراضهم يا اما مطالب سياسيه من الاخوه المسيحيين وخصوصا رجال الاعمال منهم او من القساوسه الكبار ومن لهم نفوذ خارج البلد او محاوله لالهاء الناس عن شيئ ناويين يعملوه وعارفين ان الشعب لم يوافق عليه زي مشروع التوريث بتاع جمال مبارك والان محاولة اخونة الدوله في غفله من الناس وتمرير قوانين في مجلس الشوري مثل الضرائب والصكوك والقضاء وغيرها والناس مشغوله بالحكايه المزعومه الفتنه الطائفيه وهم اللي بيجيبوا البلطجيه ليحرقوا الكنائس بدليل ما رأيناه في الكتدرائيه والامن واقف بيحمي البلطجيه ويرمي قنابل الغاز داخل الكتدرائيه بدل ما تحميها وتقبض علي المعتدين بتحميهم وتساعدهم ولكن عموم الشعب فاهم مسيحييهم ومسلمهم ودلوقتي محاولة عمل الفتنه دي في بني سويف عشان يلهو اهالي بني سويف والسكوت علي المحافظ الاخواني اللي ناويين يعينوه ولك في حقيقة الامر اللي مش عايزين يفهموه بعض من رجال الاعلام والحكومات الغبيه والجهات الاجنبيه اللي يهمها ان مصر تتفكك عشان تسود هي في المنطقه ان مصر ما فيهاش فتنه طائفيه كما يزعمون ومش حتكون هناك فتنه واحنا شعب واحد وعايشين الاف السنين متوحدين ومحدش حيقدر يفرقنا مهما عملوا ومهما اذاعوا في وسائل اعلامهم وماتخافش عل مصر شعب قوي اصيل وذكي بل واقل واحد من هذا الشعب اذكي من اكبر السياسيين في العالم والمخططين وستحبط مخططاتهم وكلما اوقدوا فتنه اطفاها الله