إلى الصديق ر.ن
وها نحن أمسينا بعيدين عن بعضنا، رجعت أنت إلى ديارك العراق، بين زوجتك وأبناءك وأهلك، وتمضي بي السنوات ولا زلت مغترباً عن وطني الذي عرفته بالكاد -في سنينه العجاف- أتغافل عنه وأنينه يدمي القلب وتدمع له العين.
أصبح العالم الذي نعيشه اليوم قاسياً بكآبته، يفرقنا أكثر مما يجمعنا، و شدة التناحر بين الأخوة الذين عاشوا مئات السنين سوياً يزيد عمقاً يوماً بعد يوم.
ولكني لا أزال أرفع قبعتي لك ولزوجتك الكريمة كلما سنحت لي الفرصة لتذكركم، كيف لا وقد نجح الحب فيما فشلت به الهيئات والمنظمات الدولية، والدول والوزارات، وأصحاب العمائم السوداء منها أو الحمراء؟
من الغريب اليوم أن نندهش مما كنا نعتبره دوماً من المسلمات! فكونك من الطائفة الشيعية وزوجتك الكريمة من الطائفة السنية، على حال إجتماعية متوسطة أقرب إلى ضيق اليد، ولكن ذلك القدر الجيد من التعليم إضافة إلى الكثير من الحب الإنساني النبيل والعاطفة الجميلة، هي من جعلت سفينتكم تبحر بكل ثقة وإعتداد في خضم الأعاصير والأمواج، سنحتاج مثلها كثيرا لتجاوز أزماتنا الحالية.
شكرا لك، علمتني كيف أكون إنساناً في زمن كثرت به الذكورة وقلت فيه الرجولة الحقيقية.
أشعلت لي شمعة أضاءت دربا للأمل في حياتي البائسة، وعلمتني حقاً أن لا حياة بدون أمل، ولا يأس مع الحياة.
علمتني أسرتك الكريمة، أن إختلافنا هو ما يجمعنا في الحقيقة، ويعطينا بصمة خاصة لنا في الحياة، و بدونها، لكنا نسخة كربونية مكررة من غيرنا، ونفقد أهم ما يميزنا عن الآخرين.
أذهلتني ببساطتك وتلقائيتك، وكيفية تحويلك للأشياء من حولك زاداً يعينك على المضي قدماً برحلتك في الحياة، لا عبئا يثقل كاحلك عن متابعة المسير.
فرقتنا عديد السنين وأقطار مختلفة وظروف متغيرة دوما، ولكن تجمعنا الأحزان والهموم المشتركة، دوما أتذكرك وأتمنى لك التوفيق والنجاح، وأرجوا أن تتذكرني أنا صديقك المغترب من الصومال.
تعليق واحد على حينما ينجح الحب، فيما فشل به العالم.
مرحب عبد الرحمن…كم يلفتني أدب الرسائل يا صديق…من حين إلى آخر أفتش في أرواقي القديمة ومراسلاتي للأصدقاء البعيدين وأقضي معها وقتا… أطالع ما كنت عليه في لحظة بعينها, وما كان عليه الحال والأصدقاء ولغة البوح… نفتقد هذا اللون من الأدب هذه الأيام… كانت هناك تحف في كلاسيكيات الأدب العربي, لكن منذ زمن لم نقرأ أدب رسائل جديرا بالاحتفاء…تحياتي على رقة اللغة والموضوع