في الفقه السلفي الذي يتبناه ويعتنقه الإخوان والسلفيين على حد سواء, قاعدة فقهية تقضي بأن للمسلم الحق في ارتكاب منكر أصغر من أجل القضاء على أخر أكبر تحت عنوان “قاعدة ارتكاب أخف الضررين دفعا لأعظمهما” أو “الضرورات تبيح المحظورات” ..!
وبالنظر إلى تلك القاعدة يمكننا أن نفهم غير قليل من ازدواجية المتأسلمين بعد الثورة, فمعروف للجميع موقف التيارات الإسلامية من قضايا مثل :- الديمقراطية, الانتخابات, ترشيح المرأة لمناصب قيادية وسياسية, إلخ
ودعوات تكفير الديمقراطية ومن يدعو إليها, لا تزال تصدح بهم كتبهم وصفحاتهم الورقية والإلكترونية, بل ولا يزال بعضهم يصرح على منابر المساجد ليل نهار بكفر الديمقراطية, وما يتفرع منها من أحزاب وانتخابات !!
لكن بعد الثورة, تغير الحال كثيرا, فقد أقاموا أحزابا سياسية, ودفعوا بالمرأة في الانتخابات البرلمانية, بل وشاركوا في عمليات الاقتراع المباشر, على خلاف وجهات نظرهم الخاصة والتي تقر بأن مجرد الدخول في اللعبة الديمقراطية, يعني طاعتهم للكافرين واليهود والنصارى, والله تعالي يقول ” يا أيها الذين أمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أتوا الكتاب يردونكم بعد إيمانكم كافرين “..!!
فما السر إذن وراء هذا التباين الفكري والسلوكي ؟ هل حقا أعاد الإسلاميون حساباتهم الخاصة وأدركوا أن الوقت قد حان للانخراط والتفاعل بإيجابية مع المنتجات الغربية من ديمقراطية, وانتخابات, وتعددية سياسية, إلخ إلخ ؟ .. هل أدركوا أن الفرصة قد واتتهم لينفضوا عنهم غبار الرجعية الذي طالما ظل لصيقا بلحاهم الطويلة ؟!.. أم أنهم قد تخلوا عن مبادئهم وقناعاتهم الفكرية من أجل سلطة سياسية أو مناصب بارزة في أركان الدولة المختلفة.!!
الحق أنهم لم يتخلوا عن مبادئهم, وكذا لم يعيدوا النظر بإيجابية إلى مقومات العصر الحديث, فلا يزالون على حالهم ينظرون إلى كل الأمور والقضايا من خلال نظاراتهم السوداء, وتحت رخصة القاعدة المذكورة أعلاه..!
وعليه.. قبولهم بدعائم ومقومات الدولة العصرية, هو قبول مرحلي, وليس إقرارا أو اعترافا بسلامة هذه المقومات والدعائم, فالديمقراطية لا تزال كفرا بواحا, والدولة المدنية الحديثة منكرا من القول وزورا, والانتخابات إذعان للغرب الكافر, والمرأة لا ولاية لها على الرجل ..هم ببساطة يمارسون سياسة “اتمسكن واتمكن” ..!
فبعد أن تصير الدولة في أيديهم, وبعد أن تسبح أجهزة الدولة في فلكهم, ستواتيهم وبلا شك احتمالية القضاء على المنكر الأكبر !
أي أن كافة الوسائل العصرية سالفة الذكر والتي انخرط فيها الإسلاميون, بما قد يوحي ويشعر بارتكابهم لمخالفات منهجية تتنافي وقواعدهم الفكرية, ما هي إلا مجرد مطية, سيركبون ظهورها, ويرتكبون باسمها منكرات صغري من أجل القضاء على منكرات أخرى كبري فيما بعد ( أعني الدولة !! ).
فلتعلم يا صديقي أن تذكرة ذهاب الإسلاميين إلى سدة الحكم هي تذكرة ذهاب فقط بدون عودة, وبعد حين سيركلون بأرجلهم الغليظة سلم الديمقراطية الذي صعدوا من خلاله إلى رأس الدولة, ليخرجوا علينا “إنا برءاء من الديمقراطية وممن يدعو إليها”.
تعليق واحد على إنا برءاء من الديمقراطية وممن يدعون إليها..!
تذكرة بلا عودة…الله يبشرك بالخير يا محمد!