استوقفني كثيراً هذا الأخ اللاجيء ليس فقط لكونه أخٌا أصابه الضيم كغيره و عانى من ويلات الظلم و الطغيان و التشبث بالحكم و لو كان في ذلك فناء أرواح!
أرواحٌ كانت لها الكثير من الأحلام الصغيرة التي ترجو أن تتحقق .. فما استيقظت إلا على شتات من اللجوء! ..
أبٌ في لبنان و ابناء في مصر و إخوة في تركيا ..و رغم كل هذا فقد استوقفني هذا الأخ من دون غيره من اللاجئين كثيراً لكونه متفردا في موقفه , كان الكل ساخط اعلى النظام و طغيانه, أما هو فلم يكن يسخط و كذا لم يكن يرضى ! …لغته الصمت هي لغته المتفردة !
و لعل هذا الذي جعل شلالاً متدفقاً من التساؤلات يثور في ذهني بشكل عنيف و أنا أشهد اللغط الدائر حول الأحداث و خاصةً في حلب ..موطن هذا اللاجيء المتفرد في صمته .. صمته غير المحدد المعالم ..بين عدم السخط و عدم الرضا و لا أعجب من ذلك موقف .
و لكني لم أسمح لهذا الشلال المتعب في رأسي بأن يمضي دون أن أجد أجوبة ..أستشفها من كلامه تارة و من صمته تارة و من تفكيره أكثر .. و حين رأيته ينطق بلسانه الكردي الذي لم أفهمه كثيراً و طلبت منه إيضاحاً بالعربية , حينها فقط أمسكت أول الخيط من الإجابة لعلي أجد المستراح ..
إنها حلب ..تاريخٌ إسلامي .. و اختلاطٌ عربيٌ كردي .. ..و لكني لم ألبث طويلاً في فترة الإمساك بالخيط إذا انهمرت الإجابات على أسئلتي المتعثرة كالسيل .
الأكراد أكثر من عانى طغيان النظام ..فهو لم يكتف فقط باستبداده بل زاد فطمس هويتهم و لغتهم ..و لكن المستغرب الآن أن الكل يحسب أين المصلحة القاصرة و مع من؟!! .. قيادات كردية علمانية توزان بين المعارضة و النظام ..و مع أيهما المصلحة و تكتفي بالحراك السلمي المعارض وغير الكافي بحجة أنها مناطق محررة .. لذا تركت النظام و صارت تتقاتل مع الجيش الحر حتى لا يفرض نفوذه المتزايد في المنطقة التي لا يراها إلا جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الثورية ثم تراضت على أن تكون لها كتيبة مسلحة ثورية .. بينما يتسلل الأكراد ذوو التوجه الإسلامي للانضمام للألوية الجهادية و الإسلامية . .
بينما تختلف الأحزاب الكردية في أرائها و أطروحاتها و حتى أنها لم تسجل في الإئتلاف الثوري لاختلافها في تحديد المطالب و الأطروحات.. لتبقى قضية معلقة … الحلم الكردستاني ..حلم كل كردي بتجميع الهوية الكردية في وطن متقارب الأطراف متحد الهدف… لم يتبلور هذا الحلم في نظرالساسة الأكراد أنفسهم بشكل يتناسب مع الجميع و بشكل يمكن تطبيقه دون أن يتقدم هذا البعد على هويته الإسلامية أولاً و هي هوية المعظم ثم هويته الوطنية ثانياً و بدون أن يفجر نزاعاً عرقياً مستقبلياً لن يخدم الأكراد قبل غيرهم ..فسوريا ليست في حاجة للمزيد من الصراعات و ليست في حاجة لأن تتحول ثورتها ثورة الحق مع مضي الوقت إلى ثورة مختلقة كحال مثيلاتها في مصر و تونس يسعى فيها تلامذة الطغاة للعودة بقوالب مصطنعة لا تناسبهم و باستغلال ضرب الجميع الذي لم ينجحوا فيه حتى الآن رغم سعيهم الدؤوب لتفريق الصف الموحد .. فالأحزاب الكردية تكره النظام و في ذات الوقت تخاف المعارضة ..
و بين إقدامٍ و أحجام و خوفٍ و تردد و ساسة لا يدركون بعد معاناة المواطن إلا من خلال رؤيتهم القاصرة … و في خضم الرؤى غير المحسومة يكتفي أخي هذا المتفرد بصفة لاجيء ..لاجيء بدون بطاقة هوية !.