يخبرني صديق أن الرصاص قد اخترق جسد صديق أخر .. وأنه يرقد الآن طريح الفراش في العناية المركزة.. نقرر زيارته .. نذهب .. وها نحن ننتظر أمام العنبر .. دموع الأصدقاء تحرقني .. نحيب الأهل ينتزع مني مشاعري انتزاعا .. نظرات الرفاق تصرخ في غضب وحنك شديدين .. !

انتظرنا ساعات طويلة مرت وكأنها سنوات عجاف من الألم واليأس وقلة الحيلة والعجز والإحباط والخوف والحزن والغضب والمرارة والجزع .. وأخيرا حان وقت الزيارة .. قلبي ينتفض .. يدي ترتعش .. صديق يقترب مني ويهمس في أذني ” بلاش يا حليم ” .. لا ألتفت إليه ولا أعيره أي انتباه !

دخلنا مجموعة تلو الأخرى .. كنت أظن أن صديقي البطل يمكث في عنبر للرعاية المركزة يليق بإنسان يعيش في سنة 2013 بعد الميلاد .. هالني المشهد وأغضبني .. عنبر كبير جدا يضم عشرات المرضي والمصابين .. موزعين بصورة عبثية علي عدد من الأسِرّة المتهالكة .. آثار الألم والمرض والتعذيب تبدو علي جميعهم .. الممرضات يتغامزن الحديث في صورة مستفزة .. تبلدت حواسهن فيما يبدو ..!

اقتربت قليلا من صديقي الذي يرقد جثة هامدة .. نظرت نظرة واحدة عجزت عن تكرارها مرة أخرى .. كانت جراحه غائرة وبدت لي مفزعة ومقلقة .. أحسست الأطباء والممرضات يعملون في قسوة .. يؤدون عملا روتينيا يفعلونه عشرات المرات كل يوم .. حنقت عليهم كثيرا . وخرجت وأنا أصرخ .. كان يستحق أكثر من ذلك .. كان يستحق أكثر من ذلك ..!

لا يزال مسلسل التنكيل مستمرا .. أصوات الجلادين والسفاحين عالية .. نسمع صرخات الضحايا تتعالي في ألم شديد ومروع .. ولا يزال منا من يخرج وهو يردد عن صديق له ” كان يستحق أكثر من ذلك .. كان يستحق أكثر من ذلك ” ( !! )