في هذا المقال سأتناول مقتطفات من بعض النتائج التي خلفتها السياسة الخارجية الأمريكية في بعض دول الشرق الأوسط و التي إنتهت إما بسيطرة الجناح الفاشي الإسلامي على مقاليد السلطة , أو رعاية جماعات إرهابية مازال العالم يعاني من آثارها حتى الآن.

لم تتغير العقلية الإستراتيجية ‏للولايات المتحدة الأمريكية لدعم و تمكين الحكومات الإسلامية بمنطقة الشرق الأوسط على الإطلاق طيلة الأعوام السابقة , ظنا منها أن تلك الحكومات ستحقق مصالحها في المنطقة و بالتالي ستعمل على  حمايتها من صعود الحركات الإرهابية إعتمادا على فكرة خاطئة مفادها أن القواعد الشعبية تقاوم الحكم العلماني و  صعود تلك الأنظمة سيعمل على تهدئة الأوضاع و إرضاء تلك القواعد.

تلك السياسات التي إستخدمتها الولايات المتحدة في تدخلها لدعم النظام بباكستان بعد الحرب العالمية الثانية , الأمر الذي إنقلب عليها لاحقا بالسلب جاعلا منها البلد الأكثر عداءا لأمريكا و الداعم الأكبر للإرهاب بالمنطقة الآسيوية ,  و تدخل أيضا الولايات المتحدة متمثلة في إدارة ” ريجان ” لإمداد الجهاديين المسلحين و من ضمنها حركة طالبان للمقاومة ضد الغزو السوفيتي على أفغانستان كخطة لإنشاء حوائط عازلة على الحدود الجنوبية للإتحاد السوفيتي لمنع إنتشار المد الشيوعي و محاصرته بأنظمة إسلامية راديكالية.

  • إيران : آية أمريكا العظمى !


بالتأكيد تبني إدارة ” كارتر ” الإطاحة بشاه إيران مقابل دعم الثورة الإسلامية بقيادة آية الله الخميني عام 1979م كانت بلورة شاملة لنظرة ” برزينسكي ” بالنسبة للإستراتيجية التي تبنتها الولايات المتحدة لتمكين الإسلاميين من الحكم على حساب القوى اليسارية و العلمانية التي تمت تصفيتها بعد ذلك تحت الحكم الإسلامي.

ظل الشاه الإيراني بعد سقوطه و نفيه خارج البلاد مرتبطا بتصاعد وتيرة الكراهية بالداخل تجاه الولايات المتحدة , حيث قال الخميني واصفا أمريكا بأنها ” الشيطان الأكبر و عدو الإسلام ” و عمل كذلك على توجيه الرأي العام الإيراني لكراهية الغرب.

بعد سفر ” بهلوي ” للعلاج في أمريكا من مرض السرطان أكتوبر 1979م , حدثت ” أزمة الرهائن ” 4 نوفمبر 1979م , حيث تجمهر الآلاف من المحتجين الغاضبين حول السفارة الأمريكية في طهران محاصرين أكثر من 50 مواطنا أمريكيا من بينهم أطفال لمدة 14 شهر , الأمر الذي دفع ” كارتر ” إلى اللجوء لعملية عسكرية بعد فشل المفاوضات أسفرت عن مقتل 8 جنود و إستمرت الأزمة إلى أن تولى ” ريجان ” الرئاسة 1981م لتنتهي بذلك العلاقات بين البلدين لتصبح إيران بعد ذلك على بعد خطوات من إمتلاك سلاح نووي و أكبر داعم للمنظمات و الحركات الإرهابية بمنطقة الشرق الأوسط.

 عقب إنتهاء الحرب الباردة و بعد أن أدت سياسات الولايات المتحدة القديمة نتيجة إلى تراكمات عديدة أنتجت كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001م , إتجهت إدارة ” بوش ” لتبني سياسات عدائية ضد الدول التي ساعدتها قديما سواء بإستمرار فرض الحصار الإقتصادي على إيران و إنهيار المباحثات حول الملف النووي أو عن طريق التدخل العسكري في دول محور الشر لإسقاط حكم طالبان في أفغانستان و الإطاحة بصدام حسين في العراق.

  • السعودية : علاقة مصالح البترول


تمتعت العلاقات السياسية بين كلا من المملكة العربية السعودية و الولايات المتحدة الأمريكية بقدر عال من البراجماتية المتبادلة بين الدولتين , فالسعودية أكبر الدول إنتاجا للنفط و بالتالي هذا الإنتاج يتحكم في ربط سعر البرميل عند حد معين , إتفاقها مع إدارة ” ريجان ” بضرورة منع إنتشار المد الشيوعي لذلك قامت السعودية بدعم و تمويل الجهاديين في أفغانستان و التي تنصلت منهم بعد أحداث سبتمبر 2001م بالرغم من أن 15 من أصل 19 كانوا يحملون الجنسية السعودية !

دعم الولايات المتحدة أيضا للنظام الملكي الديني في السعودية عن طريق تحويلها إلى الدولة راعية الإسلام في الشرق الاوسط لإحداث نوع من أنواع التوازن بالمنطقة لمواجهة إيران و نشر بروباجندا خطر المد الشيعي و التغاضي عن الإنتهاكات التي قامت بها قوات درع الجزيرة لقمع الإحتجاجات البحرينية الأخيرة , ليس هذا فقط بل شمل التعاون العسكري صفقة بقيمة 300 مليار دولار مؤخرا.

لم تتغير السياسة الخارجية الأمريكية حتى بعد أحداث الربيع العربي التي أطاحت بالأنظمة العلمانية الصديقة لها كنظام ” مبارك ” مصر و ” بن علي ” تونس , حتى عندما أجبرت مطالب تلك الشعوب المتمسكة برحيلهما أن تضع  الولايات المتحدة الأمريكية في منعطف حاسم إما تبني المطالب بشكل واضح و صريح و إما مساندة خطة النظام القائم الإصلاحية ظلت تتأرجح مكتسبة المزيد من الوقت لمطالعة التقارير و إجراء إتصالات مكثفة بالمعارضة حتى تدخلت لإجبار الرئيسين على الرحيل.

  • مصر : ميلاد دولة فاشية جديدة


الوضع في مصر كان مختلفا , كان كافيا أن تهدد أمريكا بقطع المعونات العسكرية لتحريك المرتزقة من الجنرالات لإجبار ” مبارك ” على التنحي و إقحام المؤسسة العسكرية لإدارة الفترة الإنتقالية ” 11 فبراير 2011م – 13 أغسطس 2012م ” , في نفس الوقت إحتفظت الولايات المتحدة بعلاقات شبه متوازنه بين التيارات الليبرالية و العلمانية و جماعة الإخوان المسلمين.

مع تتابع الأحداث أظهرت القوى الإسلامية مرونة أكبر على سياسة التفاوض مع المؤسسة العسكرية و حكومة ” الجنزوري ” و الخارجية الأمريكية , بينما ظل أداء القوى الليبرالية و العلمانية محصورا على تصدير نفس الخطاب الرومانسي ذو النبرة المستضعفة مع رفض أي حوار مع أي طرف غير نفسها , دخول التيارات الإسلامية الراديكالية الساحة السياسية و نتائج إنتخابات مجلسي الشعب و الشورى أسباب أثرت على توجهات جديدة لإدارة ” أوباما ” في مصر.

مازالت الولايات المتحدة الأمريكية تطمح في إعادة إحياء إستراتيجيتها القديمة بدعمها لأنظمة حكم إسلامية تدعي الوسطية كالإخوان المسلمين متناسية ماضيها الإرهابي و سيطرة التنظيم و الفكر ” القطبي ” على مقاليد إتخاذ القرار و التوجيه داخلها , و الإعتماد عليها لتحقيق ضمان إستمرار الإستقرار على الحدود الإسرائيلية المصريه , و السيطرة النسبية على حركة حماس في غزه مع ضمان وجود المؤسسة العسكرية طرفا علمانيا قد يتدخل في أي وقت لحماية مدنية الدولة.. لكن الإعتماد على هذا الوضع لن يطول إلى الأبد.

أصبحت مصر تحت ظل حكم الإسلاميين دولة حاضنه للإرهاب فعليا في غياب سيادة القانون , حيث نجحت إدارة الإخوان في إضعاف جهاز الشرطة لصالح ميليشياتهم , و إنتشار فتاوى التحريض و العنف على قتل المعارضة و رموزها , لم يتقصر ذلك على المستوى الداخلي  فقط بل إمتد أيضا لتشمل خطابا سياسيا معادي للسامية و وجود دولة إسرائيل , تصدير الجهاديين من مصر للمشاركة في عمليات الجيش السوري الحر , و الإستعانة بالجهاديين من حماس لضرب مواقع الجيش المصري على الحدود لتتحول بذلك مصر من دولة حاضنة للإرهاب إلى دولة مصدرة له أيضا.

الخلاصة أن النظام الأمريكي غبي و خصوصا فيما يتعلق بقضايا الشرق الاوسط , فمساندة نظاما فكريا مشوها كالإخوان المسلمين للوصول إلى السلطة في مصر سيخلق حالة من عدم الإستقرار بالمنطقة , فمرسي ليس رجل أمريكا هنا و لا الجيش في مصر علماني و لن يتدخل إلا في حالة المساس بمؤسساته الإقتصادية , لنعتبرها إذن محاولة أخرى فاشله لسياستكم سنتحمل عقباتها جميعا عما قريب.

المقال منشور أيضا على المدونة : http://in2mins.blogspot.com/2013/02/blog-post_17.html