هذه هي الجملة التى ترددت داخل أعماقى عندما سمعت خطبة الشيخ عريفي فى جامع عمرو عن فضل مصر وعظمة الشعب المصري، ودعوته لرجال أعمال العرب لاستثمار فى مصر وهو مشكور على ذلك.

وبعيدا عن أن هذه طريقة العريفي فى كل خطبة فى أي مجتمع يذهب اليه، حيث يبحث عن مزايا هذا المجتمع فى التراث … وهذا ذكاء يحسب له كداعية … إلا اننى شعرت بالتعجب، لا من كلام العريفى عن تاريخنا العظيم، فانا أعلم اننا لدينا الكثير لكى نفخر بيه فى تاريخنا كمصريين فنحن من اوائل المجتمعات التى عرفت الدولة والحكومة المركزية منذ فجر التاريخ. ولكن حتى لا أغالي واكون نرجسي فتاريخنا به السيىء ايضا، وعلى من يريد معرفة التاريخ أن يقرأ كثيراً ويبحث فيه فهو ملىء بالاحداث.

ولكن ما جعلنى أتعجب هو فرح المصريين الشديد بكلام العريفي، وكأننا نحتاج الى من يذكرنا بماضينا وعظمته لكى ننسى واقعنا المغزي وافلاس مستقبلنا.

ولكني عندما تاملت الأمر وجدت ان هذه مشكلة لا تخص المصريين فقط ولكن تخص كل العرب، اننا نفرح ونسعد باي كلام رنان لا يخرج عن كونه شعارات عن عظمة تاريخنا … نسعد عندما يحدثنا احد عن تاريخنا العظيم، وكاننا نريد الهروب من حاضرنا ومستقبلنا الى الماضي … وكأننا أصبحنا نعاني من نرجسية، رغم أننا نعلم فى أعماق أنفسنا أن حاضرنا سىء .. بل سيء جدا.

اننا نحيا أسرى الماضى ونقدسه وننزهه عن أى أخطاء، رغبة منا فى التغطية على عجزنا الحالى … مع أنه لو تأملنا فى الماضى سنجد أن اجدادنا كانوا بشراً مثلنا، ولكنهم كانوا افضل فقط فى العمل من أجل حاضرهم … ولكن كان بهم ضعفاً انسانياً مثلنا، فلم يكونوا ملائكة بل اخطئوا حينا وأصابوا أيضا حينا أخرى.

دائما نتحدث عن الماضى السحيق، ولكن أين حاضرنا والماضى القريب ؟؟
ماذا قدمنا للحضارة الانسانية فى أخر 500 سنة ؟

بحثت فى التاريخ قدر قراءتى ولم أجد سوى الحديث بنرجسية عن عظمة تاريخنا فقط !

وأكثر ما تروجه تيارات الاسلام السياسى انه بعودة الخلافة الاسلامية سنعود لماضينا العظيم و”المنزه” … ويصدرون للناس أننا سوف نحيا حينها فى مكان أشبه بالجنة أو المدينة الفاضلة، مع انه لو قرأنا التاريخ جيداً منذ وجود آدم عليه السلام ومقتل هابيل من أخيه قابيل
سنكتشف غير ذلك. فلم ولن يكن يوما مدينة فاضلة على الأرض.

ألم يقتل الخليفة والصحابى الجليل عثمان بن عفان على أيدى مجموعة من المسلمين اختلفوا معه ؟

ألم يقتل الامام على أبى طالب أثناء صلاة الفجر و بعد معارك طاحنة ( معركة الجمل وصفين والنهروان، ضد فصيل أخر من المسلمين (بغض النظر عن تقييم الصراع وتفاصيله)؟

ألم يتم احتلالنا وحرق بغداد وقتل الألاف الابرياء فى عهد الخلافة العباسية على ايدى التتار، نتيجة ضعف الخلفاء وانشغلالهم بالنساء والجوارى ومكائد الحكم ؟

ألم تكن الخلافة العثمانية من أكبر أسباب تخلف الشعوب العربية التابعة لها بما مارسته من قمع وظلم فى كثير من عهودها، واستغلال ها للنفوذ الدينى فى خدمة الحكام ؟
وكيف كان الكثير من الخلفاء ظالمين ومحبين للهو ومشغولين بالحرملك ؟

بالطبع كان هناك الكثير أيضا من الناجحين والعادلين … فنحن مثل أى أمة كعرب وأى شعب كمصريين، لدينا تاريخ به الجيد وبه السىء … به العدل وبه الظلم … به النجاح وبه الإخفاق وبه الفشل ..

ولكن إن أردنا النجاح يجب أن نقرأ التاريخ بطريقة موضوعية لكى نقيمه لكى نتعلم من اخطائنا حتى نتجنبها فى الحاضر والمستقبل.

يجب أن نتوقف عن الهروب من الحاضر إلى الماضى، وان نتوقف عن نرجسيتنا فى نظرتنا لتاريخنا لكى نغطى فشلنا الحالى … قد يغضب البعض من كلامى هذا ولكنه نوع من مواجهة النفس.

ويجب أيضا، وهذا الأهم، ان ننشغل بكيفية تنمية واقعنا وبناء مستقبلنا. فهذه ميزة الدول المتحضرة ..

اهتمامها بالواقع والحاضر مع عدم إهمالها لتاريخها.

محمد عطية