يعتبر المنهاج النبوي بإضلاعه الثلاث التربية والتنظيم والزحف المرجعية الفكرية والحركية المؤسسة لجماعة العدل والإحسان بالمغرب وكانت دائما هكذا حتى بعد المنعرج الأول أي بعد استبدال الاسم الجماعة من أسرة الجماعة إلى العدل والإحسان سنة 1989 في حينها تساءل كثير من فعاليات داخل أسرة الجماعة عن جدوى هذا التحول في الاسم وهل هناك متغيرات داخل المنظومة الفكرية الحركية فجاءت الإجابة سريعة على أن تغير الاسم من الأسرة إلى العدل والإحسان هو المرحلة الثانية من إستراتيجية الجماعة ولان أسرة الجماعة هو دعوة عامة للأطراف الحركية والتنظيمية في المغرب إلى بناء جماعة إسلامية ومعها أسرة الجماعة تكون مرجعيتها المنهاج النبوي يقول الشيخ عبد السلام ياسين ” وأعلنا أن نداءنا بالتجمع موجه لكل الحركات الإسلامية ندعو لنبذ الفرقة وملاحظة الله عز وجل في وحدة الصف وبذر المحبة وغرس الإخوة والتسامح حتى يتأتى التفاهم واللقاء والتعاون فالجهاد المنظم ” لكن لم تتحقق الاستجابة لنداء أسرة الجماعة فتقرر الانخراط في التجربة من خلال جماعة العدل والإحسان بعد أن كانت رغبة الشيخ أن تكون أسرة الجماعة جزء من مشروع الوحدة التنظيمية فعدم التفاعل مع النداء يشكل بالنسبة للشيخ ياسين ابرءا للذمة وكما أنه يشكل المشروعية في مبررات وجود العدل والإحسان.
العدل والإحسان بعد وفاة الشيخ
تعتبر وصية الشيخ عبد السلام ياسين تذكيرا للحرص المنهاج النبوي خصوصا في شقه التربوي لما بعد وفاته وقد كان حريصا على ذالك ما يعني أن الشق التربوي هو محور منظومة العدل والإحسان ولا يمكن تجاوزه وبالتالي فمسالة المرشد لا يمكن تجاوزها بالنظر إلى محورية الشيخ المربي في فكر الجماعة أكثر من ذالك فخصلة الصحبة والجماعة وهي أول خصلة ابتدأ بها منهاج النبوي تأسست عليه
جماعة العدل والإحسان وقد تمثلت في شخص عبد السلام ياسين والجديد هو ما جاء في سياق البيان الذي أصدره مجلس الإرشاد بعد نتيجة الفرز في مجلس الشورى والمتمثل في إحداث هيكلة جديدة في الجماعة وهو منصب الأمين العام ونائبه مما يجبرنا على تقديم قراءتين لهذا المعطى الجديد.
1- مع إحداث هذا المنصب تتحول العدل والإحسان من الجماعة إلى حركة هذا المصطلح الذي لم تقبله الجماعة منذ بداية تأسيسها إلى حين وفاة الشيخ ياسين وهذا المصطلح لما له من دلالة تنظيمية يوحي بان الجماعة هي مقبلة على تغيير جدري في الهيكلة غير هيكلة السابقة للمنهاج النبوي ولم يكن الشيخ ياسين أن قال بها ولا اوصى بذالك وخصوصا أن الوصية التي تركها الشيخ أريد بها التركيز والتشبث بالمنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا.
2- بإحداث هذا المنصب تكون العدل والإحسان قد قطعت مع مرحلة الشيخ المربي الشخصية المربية والقريبة من المريدين والأصحاب ذالك أن خصلة الصحبة والجماعة تتمحور حول المرشد والشيخ المربي على قاعدة قول الله سبحانه وتعالى ( يأيها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) الشيخ عبد السلام ياسين يتحدث عن المعية من خلال الشخصية الربانية والتي تنقل الإشعاع الإيماني من إلى وكأننا أمام نظرية الحركة الجوهرية بحسب الفكر الفلسفي ويشرح الأستاذ عبد السلام هذه المسالة فيقول” والشخصية الربانية شخصية ورثته صلى الله عليه وسلم من العلماء العاملين الصالحين في مظنة أن ينبثق عن القلوب الطاهرة إشعاع إيماني إحساني يسري بالرفقة والتربية في سائر جسم الأمة والشخصية الربانية شخصية العالم المربي هي المرجوة أن تستمطر توفيق الله للمسلمين بتعلقها بالله ووقوفها على بابه أناء الليل وأطراف النهار” إن استحداث منصب الأمين العام بخلاف الشيخ المربي قد يطرح تساؤلات عدة منها على الخصوص شخصية العالم المربي في الجماعة وبالتالي هل بوسع أفراد الجماعة المشي نحو الإحسان بدون مرشد؟ وهل الشق التربوي سيستمر كرافعة للشخصية الاحسانية المنفتحة على الله والتواقة إلى النفحات الربانية بدون وجود شخصية العالم المربي كما ورد في المنهاج النبوي؟ ولماذا لم تستطع تجربة العدل والإحسان إفراز شيخ مربي يؤهله إلى تعويض المربي الأول وهو الشيخ ياسين ؟ أم أن الأمر مرتبط بإستراتيجية جديدة تنتقل من التربية والتنظيم إلى مرحلة الزحف كما أن شرعية السؤال حول الزحف تسمح لنا بالقول هل الزحف بمقتضى المنهاج النبوي أم انه زحف أخر؟ هنا نؤكد أن الزحف المقصود به غير ما ذكره الشيخ ياسين لان البيان الصادر عن مجلس الإرشاد يؤكد على العمل المشترك في إحداث التغيير السياسي في عملية تشاركية نوعية بمعنى إشراك القوى الفاعلة في قرار التغيير في الوقت الذي باشرت فيه الجماعة القطيعة السياسية مع الأطراف السياسية حتى القريبة منها اديولوجيا وفكريا إننا أمام متغيرات كبيرة قد تنبثق عنها وجهات نظر عديدة داخل الجماعة خصوصا مسالة المرشد ومسالة التداول الديمقراطي للحكم ومسالة الإشراك السياسي مع الأطراف الأخرى في الوقت الذي كان الشيخ يدعو الأطراف السياسية إلى الجلوس على قاعدة المشروع الإسلامي بمعنى أي حوار وأي تنسيق وأي تقارب سياسي يكون على أساس الطرح الإسلامي الذي تنشده الجماعة أي الخلافة على منهاج النبوة كما يراه الشيخ ياسين يقول الشيخ عبد السلام ياسين في محاضرة ألقاها بالفرنسية معنونة من اجل حوار مع النخبة المغربة. ” أن النقطة الأولى والأساسية في حوارنا مع هذا هي أن ندعو النخبان المغربة إلى أن تجعل من الحركة الإسلامية حركتها وان تشاطر الشعب إيمانه فالله وشريعته ورسوله هو منطلقنا وقانوننا ومرجعنا”.
إذا فالعدل والإحسان بحسب البيان الختامي قد تشهد تغيرات كبرى وقد تتجاوز وصية الشيخ ياسين في عملية لتحديث الجماعة والتهييئ لمخارج سياسية غير التي كانت في عهد المرشد والانطلاق نحو تطوير أداء الحركة حتى تنسجم مع الواقع ومتطلباته من خلال الانفتاح على الأخر و الانسجام مع المتغيرات
في مسالة عدم وجود الشيخ المربي وتعويضه بالأمين العام
الشيخ محمد العبادي شخصية مربية ممكن أن يملا الفراغ الذي تركه الشيخ المرشد
إننا غير مقتنعين بما يروج حول غياب الكفاءة الروحية والشيخ المربي الذي قد يعدل شخصية الشيخ ياسين في انفتاحه على الله وخصوصا أن السيد العبادي معروف باستقامته واعتكافه بين يدي الله فنحن قد عشنا معه فترة لا باس بها وندرك حرصه على ملاقاة الله فهذا الكلام غير مقنع لأننا نحن المسلمون من خلال ثقافتنا العرفانية في التربية الروحية والسمو إلى الله والانفتاح على نفحاته نرى أن المجاهدة الربانية لا تقاس ولا تنكشف لقول الرسول ص ( رب أشعت اغبر لو اقسم على الله لأبره)و الشخصية الربانية شخصية باطنية لكن الشيخ المربي يحتاج إلى علم والعلم هو الذي يسمو به إلى شرط الأفضلية في حال وجود متكافئ لشخصيات عاشت لسنوات مربية ومساهمة في التنشئة الروحية لأجيال داخل جماعة ما . إذا والحال هكذا فان من غير المعقول أن نعترف بوظيفة الشيخ المربي وهو لم يستطع إيصال احد مريديه إلى رحاب الإحسان لاستكمال المسيرة التي ابتدئها كما إننا نعتقد بالتجربة الذاتية الشخصية للحالة العرفانية التي قد يصل إليها المؤمن الطامع لرحمة لله والذليل أمام جبروت الله والمحتاج إلى لطف الله الفقير إلى عفو الله ورضاه إننا نؤكد أن الشيخ ياسين كان لديه شعور قوي اتجاه الشيخ العبادي بعد افتقاده للشيخ محمد السليماني العلوي وكلا هما عاشا مع الشيخ ياسين وفد تحققت الصحبة من خلال الملازمة الزمنية والروحية وهكذا قد يملا الشيخ العبادي موقع المربي المرشد تزامنا مع موقع الأمانة العامة.
إننا لا نمتنع من أن تنتقل العدل والإحسان من الجماعة إلى الحركة وقد كنا من الداعين إليه منذ سنة1983 في حوارنا مع الأستاذ المرحوم محمد البشري. يبقى على حركة العدل والإحسان أن تقنع كل الأطراف من قواعدها بخصوص هذا التغيير المفاجئ والذي لم يرتبه الشيخ الراحل ربما قد نكون أمام مفاجئات قد تزعج القيادة الجديدة وخصوصا ما يظهر من حين إلى أخر لمبادرات فردية و لتصريحات هنا وهناك وقد تربك الخط الجديد وهذه المبادرات كان الشيخ يغض الطرف عنها من اجل التماسك و الوحدة التي نجح في تحقيقها داخل الجماعة.
انتهى
تعليق واحد على جماعة العدل والاحسان في المغرب والمتغيرات
نشكرك سيد كمال على المقالة القيمة والتي أكدت على عدد من المفاهيم المهمة مثل “أن المجاهدة الربانية لا تقاس ولا تنكشف”…ومثل “الشيخ المربي يحتاج إلى علم والعلم هو الذي يسمو به إلى شرط الأفضلية في حال وجود متكافئ لشخصيات عاشت لسنوات مربية ومساهمة في التنشئة الروحية لأجيال داخل جماعة ما “…والحقيقة أن من ليس عضوا في جماعة خاصة إذا كانت روحية يصعب عليه استيعاب القواعد التي قد تحكم هكذا تجمع, لذا فأنا أعتبر المقالة بمثابة إثراء للقارئ في هذه الناحية. في انتظار المزيد من كتاباتك