عند التفكير في الظاهرة الإسلاموية أجد هذا السؤال محيراً جداً.. ماذا يريد الإسلاميون بصفة عامة؟ هل يريدون دولة الخلافة؟ هل يريدون الحكم؟ هل يريدون تطبيق الشريعة؟ هل يريدون القتال والتناحر؟ هل يريدون الجهاد؟ هل يريدون سيادة العالم؟ ما هو هدفهم بالضبط؟
الكلام عن الصومال ينطبق كلياً أو جزئياً على أماكن أخرى مثل غزة (التي يتصارع فيها حماس والجهاد الإسلامي وحزب التحرير الإسلامي ومنظمات أخرى أصغر وتفجرت في العام الماضي الاشتباكات بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وتنظيم جيش الإسلام كما اندلعت مؤخراً الاشتباكات بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وميليشيا جند أنصار الله التكفيرية التي أعلنت إمارة إسلامية في رفح وتقاتلت مع حماس)، والعراق (الذي تتصارع فيه القاعدة وغيرها من المنظمات السنية المسلحة والأحزاب السنية والميليشيات الشيعية بأنواعها والأحزاب الشيعية في صراع معقد ومتداخل).. وينطبق الحال على أفغانستان (طالبان والحكومة الأفغانية التي تقر قوانين تقوم على الشريعة ومنها قانون اغتصاب الزوجات) والسعودية (القاعدة تحارب النظام السعودي شديد الوهابية الذي يطبق الشريعة الإسلامية ويطلق يد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وباكستان (طالبان باكستان خرق اتفاق السلام مقابل تطبيق الشريعة في وادي سوات وتوغلت في أراض أخرى، والآن يتحارب زعماء الحرب داخل طالبان باكستان بعد أنباء عن مقتل زعيم الحركة، واليمن (هناك صراع كبير بين الحكومة وتنظيم القاعدة والحكومة والحوثيين من الشيعة اليزيدية)
الصومال نموذجاً
الصومال تغيب عنه الحكومة المركزية منذ انهيار حكومة سياد بري في عام 1990، ويتقاسمه أمراء الحرب والميلشيات المسلحة الإسلامية منها وغير الإسلامية منذ ذلك الوقت، وجرت محاولات عديدة لاختيار برلمان وتنصيب حكومة انتقالية للخروج من هذا الوضع غير المسبوق ولا يماثل الصومال في الفشل والحروب الأهلية والمآسي الإنسانية سوى دولة أفغانستان… والسبب – والشيء المشترك بينهما هو الإسلاميون.
ميليشيا المحاكم الإسلامية هو مجموعة من المحاكم الإسلامية استطاعت سد مسالة الفراغ الأمني والقانوني والحد من نفوذ أمراء الحرب الأقوياء وحماية الضعفاء بعد الانهيار الكامل لدعائم الدولة الصومالية، وهي أتحدت برئاسة شريف الشيخ احمد وأصبحت قبل عامين حاكمة لأغلب مناطق الصومال، ونافست الحكومة الانتقالية على الحكم. وكانت تعتبر حركة إرهابية لعلاقتها بتنظيم القاعدة وتبنيها سياسات “طالبانية”. ونجحت تلك الميلشيات في السيطرة على معظم أنحاء الصومال ودحر أمراء الحرب الذين يحكمون مقديشيو منذ انهيار الدولة، ودخلت في صراع مع الحكومة الانتقالية التي يدعمها المجتمع الدولي ونجحت في السيطرة على الصومال وفرض سلطتها عليه. نجم عن ذلك استياء القوى الإقليمية والدولية التي لها مصالح في الصومال أو تعتبر أن هذا التطور يهمها في تصفية حساباتها مع أعدائها ومن بين هذه القوى إثيوبيا وأريتريا.
تدخلت إثيوبيا، الجارة القوية، عسكرياً في الصومال للقضاء على نظام المحاكم الإسلامية لخطورته عليها، ودعم الحكومة الانتقالية، وبالفعل كنست ميليشيا المحاكم الإسلامية بسهولة شديدة مثيرة للاستغراب وتساقطت المدن التي كانت تسيطر عليها المحاكم الإسلامية دون مقاومة، وهرب زعماء المحاكم ومقاتلوها واختفوا تماماً لفترة وبعد ذلك بدأوا في شن حرب عصابات خفيفة ضد القوات الإثيوبية والحكومية وتحولت إلى المعارضة المسلحة بدعم من أريتريا عدوة إثيوبيا اللدود التي ساعدتها على تكثيف هجماتها، وبعد فترة انسحبت القوات الإثيوبية وحلت محلها قوات حفظ سلام من الاتحاد الأفريقي، وانقسمت المعارضة الإسلامية إلى معتدلين يؤيدون السلام والحوار مع الحكومة ومتشددين يرفضون ذلك، وللمفارقة تزعم المعتدلين الشيخ شريف أحمد الذي كان يوصف بالتشدد والإرهاب وعلاقته بالقاعدة والسبب في ذلك أنه ظهر من هو أكثر تشدداً منه وهو زعيم أخر من زعماء المحاكم اسمه الشيخ طاهر عويس وميلشيا الشباب الإسلامية فتزحزح الإسلامي المتطرف نحو الوسط وظهر على يمينه الآخرون. وعاد شيخ شريف إلى الصومال في نطاق اتفاق جيبوتي للسلام الذي وقعت عليه الحكومة الصومالية الانتقالية والمعارضة الصومالية وكان من ضمن شروط الاتفاق انسحاب القوات الإثيوبية.
بعد أزمة سياسية بين الرئيس الصومالي الانتقالي والبرلمان الانتقالي حول اختيار رئيس الوزراء، استقال رئيس الصومال واختار البرلمان – للمفارقة أيضاً – الشيخ شريف أحمد الذي كان يوصف بالتشدد والإرهاب وبذلك أصبح رئيساً للصومال يحظى بدعم المجتمع الدولي ومعارضة مسلحة من قبل رفيقه السابق الشيخ عويس وميلشيا الشباب وهم جميعاً تتهمهم الولايات المتحدة بأنهم على علاقة وطيدة بتنظيم القاعدة.
رغم إقرار البرلمان الصومالي بالإجماع لفرض الشريعة الإسلامية بناء طلب الحكومة، ولم يعترض أي طرف في المجتمع الدولي على ذلك، إلا أن ذلك –علاوة على تولي الإسلامي شيخ شريف الرئاسة- لم يكن كافياً ليكف المعارضون الإسلاميون عن المعارضة المسلحة والجنوح للسلام والدخول في العملية السياسية وتقاسم السلطة، وخرجوا بقميص عثمان جديد هو المطالبة بخروج قوات حفظ السلام الأفريقية من مقديشيو. وأعلنت ميلشيا الشباب الإسلامية وهي أقوى المتصارعين حالياً أنها ستواصل الجهاد حتى تحرير القدس وجعل الإسلام يسود العالم..
حالياً تسيطر ميلشيا الشباب وميلشيا عويس على غالبية أجزاء الصومال وبعض أجزاء العاصمة الصومالية، في حين تتواجد الحكومة وقوات حفظ السلام الأفريقية في باقي مناطق العاصمة، وتوجد دويلتان مستقلتان عن باقي أراضي الصومال، ويسيطر القراصنة على سواحل الصومال ويهاجمون السفن المارة والبعيدة بحثا عن الفدية.
تدور المعارك طوال الوقت بين قوات الحكومة التي أصبحت إسلامية والمعارضة الإسلامية وأدت تلك المعارك لقتل الآلاف وتشريد مئات الآلاف، وظهرت مؤخراً على السطح ميلشيا جديدة معادية لميليشيا الشباب تدعى أهل السنة والجماعة (وهي ميليشيا صوفية معادية للسلفيين وموالية للحكم) ويبدو أنه سيكون لها شأن هي الأخرى، ومن المتوقع أن يستمر هذا المسلسل في حين يعتمد نصف سكان البلاد على المعونات الغذائية، ولا يبدو أي أمل في الأفق لوصول الطرفين إلى أي اتفاق سلام. ومؤخراً اقتربت ميليشيا حركة الشباب من القصر الرئاسي في العاصمة مقديشيو ولا أحد يعرف ماذا سيحدث في المستقبل القريب!
2 تعليقات على مقالة الشهر الماضي: فـــــــي المســــــــــــألة الــــــ إســــــــلام ويـــــــة
أهلًا يا إسماعيل بك،
مقالتك رائعة، وترصد الوضع الصومالي بإيجاز شديد. وسؤالك، الذي يدور حوله المقالة، في محلّه تمامًا، ماذا يريد هؤلاء الإسلامويين؟ ماذا يريدون جد؟
لا يحلّون في دولة إلا وحلّ عليها الخرابن وقد كتب محمود عرفات على هذا الموقع تحليلًا لكل الدول الإسلامية في الشرق الأوسط من باكستان وإيران شرقًا إلى الجزائر غربًا، ومن الصومال والسودان جنوبًا إلى غزة شمالًا.
وهي ترصد مآسي هذه الدول كلها من جرّاء الحركات الإسلامية، سنيّة كانت أم شيعية، والعامل المشترك بينهم جميعًا هو الدم والإرهاب.
اقرأ هنا:
http://www.mideastyouth.com/ar/?p=2070
تحياتي لك على المقالة المثيرة…
عندما تتدخل الدين في الأمور الدنيوية، فستحل كارثة بالبشرية، لأن شرائع الدين كلها ذهنية و روحية و مابالك بأمور مادية و جسدية.
تطرق أحد مفكريين أسلاميين معتدلين برفض فكرة تحزب الأسلام، وذلك بعدم وجود نص ديني يتقبل بوجود حزب اسلامي ، ولو وافق البشرية على تحزب ديني باسم الأسلام عليهم موافقة ايضاً [احزاب بودية و هندوسية و حتى المسيحية واليهودية و ذلك يدخل ضمن المعمول بها.
نحن الآن في القرن الواحد والعشرون، و لو رجعنا بستة قرون الى الوراء نرى الحال كما كان يعيش الدول الأوروبية بتطرف الدين المسيحي عبر محاكمها الدينية التي أدانت وحرقت البشرية لمجرد تفكيرها لاينسجم مع تفكير الكنيسة الكاثوليكية ، وأظن وأعتقد شخصياً، بأن دراسة الدين الأسلامي بعيداً عن التطرف و التحزب أمر يجب على كل مثقف أن يجريها و ابراز نقاط الخلاف و الأتقاف فيها، و تفسير شرائعها السياسية التي تطالب بتأسيس حكومة دينية على الأرض و نشر كل الوثائق التي تتطرق حول هذا الموضوع و تاسيس أمارة دينية بدءت مع روح الله موسوي الخميني مؤسس الجمهورية الأسلامية الإيرانية، الذي طالب بولاية الفقيه، و رفضهُ امراجع الأخرى أبرزها المرجع الديني الكبير الشيخ محسن كديفر الذي سجن على أرائهِ في إيران و الذي قال لايجوز بتأسيس ولاية الفقيه ” الأمارة الأسلامية”، لأن ليس من حق الدين شرعاً وقانوناً تأسيس دولة و تجارة بأسمها.