طفلة تلهو بدميتها في أحد مخيمات اللاجئين السوريينيحزنني دوما أن أرى ما يحدث هذه الأيام في هذه عالمنا العربي، الكل تناسى صوت الضمير والتعقل، مصالحهم المتضاربة لا تحلها إلا السلاح والحروب المرة، يظنون أنها تؤدي إلى خاسر ومنتصر، كلا الطرفين يظن نفسه هو المنتصر دائما، لا يدري أن في الحروب لا توجد إلا الخسائر،الهزيمة لكلا الطرفين الذين تجردوا من الإنسانية والتعقل، مصالحك دوما إن كانت بعيدة عن المنطق والعقل تصبح بعيدة المنال إلى الأبد، حيث يصبح صوت الدمار والخراب لا يعلوا عليه صوت اخر.

ولنا في الصومال أسوة وتجربة، أولها حينما أدت بنا السبل أن نهجم على جيران لنا نذيقهم ويلات الدمار والقتل، تلك الحرب خسرناها قبل أن تبدأ، لأننا كنا المعتدين وإن كنا على حق وهم على باطل! فليس أبدا من حقنا أن نقتل ونسفك الدماء، نغتصب ونبطش باسم العدالة، لم تكن العدالة هكذا أبداً في أن نعتدي على الآخرين.

كنا مرتمين في أحضان القطب الشرقي، ظننا أنفسنا أن لنا اليد العليا في أن نفعل ما نريد طالما كنا هناك في معسكر الكبار، هم كانوا أول من أدار ظهورهم لنا، بل وقد ناصبونا العداء بشكل علني وسافر، فقدنا ظهرنا حين ذلك، لم نستفد من خطإنا في أن نبتعد قليلا من لعبة الكبار المتطاحنين وأن نسعى لإصلاح ذلك الخطأ، ارتمينا مباشرة بعدها في أحضان الغرب، لم يشفع لنا ذلك في شيء إلا أن زاد انحطاطنا وزادت أوضاعنا سوءاً، هم أيضا من حقهم أن يشُكُّوا فينا فقد كنا من أكبر أعدائهم بالأمس، اضطرتنا الظروف إليهم بعد أن أدار الطرف الآخر ظهره لنا، لم يعطونا إلا كلاماً فارغاً ولم يبيعونا إلا أوهاماً لا تجدي نفعاً، هذه المرة كان الدمار أسوء مما حدث من قبل، العقاب كان أسوأ من قبل لأننا لم نستوعب الدرس الماضي، فدمرنا وطننا بيدنا بشكل أعمى ومؤسف، نحن الآن أصبحنا لا شيء من بعد أن كنا كل شيء.

في سوريا، الحكومة مرتمية في أحضان المعسكر الشرقي، المعارضة مرتمية في أحضان الغرب بشكل سافر، الغرب والشرق يستفيد من تلك الحرب، فبينما نحن نهدم وطننا من كلا الطرفين، فهم يبيعوننا أسلحتهم ومعداتهم ويستفيدون اقتصادياً من ذلك، بلدانهم تتطور من أموالنا نحن و إقتصادياتهم تنموا، ونحن ندمر أنفسنا وبلدنا، نقتل أبناء شعبنا ونهدم ما بنيناه نحن وأجدادنا من عشرات السنوات، أيضا نهدم مكتسباتنا الحضارية التي ورثناها من أجدادنا الأقدمين، نهدي أطفالنا والأجيال القادمة دماراً وخراباً، جوعا وعطشاً، بدل أن نسعى لإهدائهم حياة راقية مرفهة، نسينا أو تناسينا أن الهدم أسرع وأسهل من البناء.

عتبي على أبناء الوطن الواحد منذ مئات السنين، أبناء العم والإخوة والجيران الذين لا يستطيعون التحاور فقط، عتبي أكثر على هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالوطنيين في المعارضة، هم أكثر من يعلم أن حربهم خاسرة بكل المقاييس، فكما أدار لنا العالم ظهورهم، فهو أيضا سيدير العالم ظهورهم لهم عاجلاً أم آجلاً، سيخسر شعبهم وستشرد بناتهم وأمهاتهم، سوف تُرمل أخواتهم وسيهدمون أوطانهم بأيديهم باسم الوطنية والمواطنة، من أعطاك الحق في ذك؟ ماذا ستقولون للأجيال القادمة؟ هؤلاء الذين تحاربونهم ليسوا إلا إخوانكم أنتم فإن لم تجلسوا معهم وتتحاوروا اليوم، فسوف يذهب الوطن سدى من بين أيديكم، فأنتم فقط من يستطيع فهم لغتهم حق الفهم، أنتم فقط من تستطيعون أن تعرفوهم حق المعرفة، فإن لم تتنازلوا وتجلسوا على طاولة حوار واحدة، تحت أرضكم وسمائكم، فلن تفوزوا قط، الكل سيكون خاسرا هناك.