يرى بعض المراقبين الأمريكيين أن فوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٠٨ يبشر بحلول « عصر ما بعد العنصرية » في الولايات المتحدة. غير أن (توماس پيتيگرو) يفند هذه الحجة في مقالته Post-Racism? Putting President Obama’s Victory in Perspective، الصادرة في عدد سبتمبر ٢٠٠٩ من مجلة Du Bois Review.
يشير پيتيگرو إلى أن الكثير من الأمريكيين البيض يتوهمون، منذ الستينات من القرن العشرين، أن حركة الحقوق المدنية ألغت أساس التمييز العنصري في أمريكا، ومن ثم يظنون أن الأمريكيين من أصل أفريقي هم المسؤولون عما قد يتبقى من عدم المساواة. إلا أن آلاف الدراسات العلمية أثبتت أن التمييز العنصري الواعي وغير الواعي لا يزال موجوداً في أذهان الأمريكيين، وأن هذا التمييز يؤثر في السكن والتوظيف والعلاج الطبي وأحكام السلطة القضائية. يؤكد پيتيگرو أن انتخاب أوباما خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة للأمريكيين من أصل أفريقي، ولكن يجب تفسير هذا الحدث على ضوء الظروف السياسية، بما فيها من عنصرية.
يذكر المؤلف أن قانون حقوق التصويت لعام ١٩٦٥ مهّد لزيادة كبيرة، على مدى أربعين عاماً، في عدد السود في المناصب التي تشغل بالانتخاب. صحيح أن أوباما استفاد من هذا التمهيد، بالإضافة إلى ذكائه وكاريزماه وحسن تنظيم حملته الاتنخابية، ولكن الحظ ساعده أيضاً طوال حياته السياسية. ومثال ذلك انسحاب اثنين من منافسيه من انتخابات مجلس الشيوخ في عام ٢٠٠٤ بسبب فضائح جنسية، الأمر الذي مكنه من الفوز، مع أنه كان يحتل مركزاً متأخراً في استطلاعات الرأي. وفي الانتخابات الرئاسية، ارتكب منافساه (هيلاري كلينتون) و(جون ماكين) أخطاء فادحة في حملتيهما الانتخابيتين. واستفاد الحزب الديمقراطي بشكل عام من تراجع شعبية الرئيس بوش في نهاية ولايته. ولكن العامل الحاسم قد يكون الأزمة الاقتصادية التي بدأت في عام ٢٠٠٨، خاصة وأن الكثير رأى أن أوباما أكثر قدرة من ماكين على التعامل معها.
لا عجب أن ٩٥ في المائة من الأمريكيين من أصل أفريقي انتخبوا أوباما، ولكن القارئ قد يدهش إذا علم أن عنصريين كثيرين انتخبوه أيضاً. غير أن في حياة العنصريين هموماً أخرى قد تتغلب على عنصريتهم أحياناً، ويؤكد المؤلف أن هذا ما حدث في حالة الأزمة الاقتصادية. ولعل مما ساعدهم على التغاضي عن لون بشرة أوباما أنه نادراً ما تحدث عن العرق، وأن لون بشرته فاتح نسبياً، وأن أمه كانت بيضاء، وأنه يختلف تماماً عن الصورة النمطية العنصرية للسود. فكان من الممكن أن يعتبره العنصريون رجلاً أسود استثنائياً.
ساهم ضعف الحزب الجمهوري في فوز أوباما الانتخابي أيضاً، فإقبال الناخبين الجمهوريين على التصويت، وخاصة اليمينيين المتطرفين منهم، كان منخفضاً، بينما نجح الحزب الديمقراطي في جذب أعداد غير مسبوقة من الناخبين الديمقراطيين، وخاصة بين الشباب والأقليات العرقية، إلى مراكز الاقتراع. ومما يفند فرضية « عصر ما بعد العنصرية » تصاعد الاعتداءات العنصرية أثناء الحملة الانتخابية، ومحاولات منافسي أوباما للربط بينه وبين صور نمطية عنصرية. وصوّت كثير من البيض في الولايات الجنوبية (التي يتسم تاريخها بعنصرية شديدة)، وكثير من البيض المسنين، ضد أوباما لأسباب عنصرية. إلا أن التغير الديموغرافي يقلل تدريجياً من العنصرية في الجنوب، مما سمح لأوباما بفوزه في ثلاث ولايات جنوبية.
يتوقع پيتيگرو أن تُضعِف رئاسة أوباما الصور النمطية العنصرية للسود في أمريكا. ولكن هذا لن يحل المشاكل الهيكلية التي يعاني منها كثير من الأمريكيين من أصل أفريقي، مثل الفقر وسوء التعليم. هذه المشاكل نتيجة مائتي عام من العبودية تلتها مائة عام من الفصل العنصري المقنن، وسيتطلب حلها تغييرات هيكلية قد لا يستطيع أوباما أن يقدم عليها في ولايته الأولى، التي تخيم عليها الأزمة الاقتصادية.
(المصدر: أبحاث لفتت نظري)
10 تعليقات على انتخاب باراك أوباما والتمييز العنصري في أمريكا
اتصور ان اوباما وصل للسلطه لاسباب سياسية واقتصاديه منها حملته الكبيرة والمنافسين الضعفاء وحاجه الناخب الامريكي لرجه كهربائيه تنسيه الاداره السابقه وترهل الموقف الامريكي فجاء الاسمر المتأصل من اصول مسيحيه وافريقيه واسلاميه وامريكيه ليكون الحل المنجع للعمليه السياسيه ويمنح الناخب روح تغير ولكن لااتصور العنصريه زالت لان الاعلام يركز ع الاسود ويظهره بمظهر تاجر المخدرات والحشاش والمتخلف وبالتالي انا معك في وجه نظرك الحاليه
أهلًا بروفيسور بنجامين،
أنا لم أر كلمة “حظ” في بحث سياسي من قبل! منذ متى يعوّل باحث على أن حظ مرشح ساعده في الوصول إلى منصب معين؟ وما هو التعريف العلمي لكلمة حظ، إن وجد؟؟
عزو فوز أوباما إلى الحظ هو عزو خاطئ، ولا يعوّل عليه، لأنه لا يوجد ما يسمّى الحظ علميًا أو عمليًا.
بخصوص العنصرية، يمارس كل منا أنواعًا شتى من التمييز كل يوم، وطالما لم يتعد هذا التمييز ليصبح اعتداءًا أو انتهاكًا ماديًا تجاه فرد أو مجموعة أخرى بالقول أو بالفعل، فلن يستطيع القانون محاسبته، ولا يستطيع حتى الباحث رصده.
ولكني أتفق تمامًا مع الأسباب الذي أوردها المؤلف بخصوص فوز أوباما، والتي ليس من ضمنها الحظ، ولكني أتفق مع بقية الأسباب، بخلاف قدرة أوباما على مسايرة المشكلة الاقتصادية؛ لأن هذا غير صحيحًا. إدارة أوباما الديمقراطية تتجه إلى مزيد من الأعباء الحكومية على الاقتصاد، مثل الصحة والتعليم، وهو ما سيثقل عجلة الاقتصاد أكثر وأكثر.
وأنا أتحدى أي حالم بأن أوباما سوف ينجح في الحصول على فترة أخرى! هذا لن يحدث من وجهة نظري، على الإطلاق!
تحياتي ومودتي
عزيزي أحمد،
الحظ عبارة عن كل ما ينتج عن أسباب خارج موضوع البحث. نهتم هنا بالعنصرية في أمريكا. أما الأزمة الاقتصادية العالمية، وانسحاب اثنين من خصوم أوباما من الانتخابات البرلمانية بسبب فضائح جنسية، فهذه الأحداث نتجت عن أسباب اقتصادية وشخصية لا تندرج في موضوع البحث، وهذا ما نسميه الحظ. وبالطبع فأسباب هذه الأحداث قد تكون موضوع بحث آخر.
أما التمييز فيرصد الباحثون حقاً أنواعاً من التمييز تؤذي الناس مع أنها لا تصبح اعتداءًا أو انتهاكًا ماديًا.
أما تعامل أوباما مع الأزمة الاقتصادية فهو لم يصنع إلا ما كان أبرز خبراء الاقتصاد ينصحون به، وما صنعه حكام أوروبا أيضاً، لمنع انهيار النظام الرأسمالي العالمي.
أما إصلاح نظام الرعاية الصحية، فمن الجدير بالذكر أن أمريكا هي الدولة الصناعية الوحيدة التي ليس فيها نظام يضمن الرعاية الصحية لكل مواطن، وأنها تنفق على العلاج الطبي لكل فرد أكثر مما تنفقه البلدان الصناعية الأخرى، مع أن قيمة العلاج المتاح في تلك البلدان تفوق قيمة العلاج المتاح في أمريكا، وأن نظام الرعاية الصحية الأمريكية على وشك الإفلاس. فلم يكن بد من الإصلاح. وأقترح عليك أن تعيش في أمريكا بمرتب منخفض وبدون تأمين صحي قبل أن تحكم على هذا الإصلاح.
أما احتمال حصول أوباما على فترة أخرى فلا أريد أن أتنبأ، فهذا موضوع معقد جداً.
التمييز ضد السود، والذي لا يصاحبه عنفًا، هو نتيجة التمييز الإحصائي،
أو Statistical Discrimination or unintentional discrimination
http://en.wikipedia.org/wiki/Employment_discrimination#Unintentional_discrimination
http://economics.about.com/od/economicsglossary/g/statdis.htm
هناك أيضاً ما يُسمى التجنب (avoidance) والتحيز الخفي (subtle prejudice)، اللذين قد يكونان غير واعيين.
العزيزان أحمد وبن:
ألا يمكنكما أن تستفيدا من رؤية كنغسلي براون لمسألة التحرش الجنسي، كما قدمها كانازاوا في “عشر حقائق .. ” لتحليل مسألة التمييز العنصري أو التحيز العرقي ؟
أعني: إن الإنسان مُلزم باللاوعي subconsciously bound من خلال التكيفات التي حصلت لطبيعته البشرية، أن يتعامل مع المتشابهين معه وأفراد مجموعته بشكل أيسر وآمن من المختلفين عنه أو أفراد المجموعات الأخرى .. ولا يُستثنى من ذلك إلا الأذكياء الذين يلتزمون مواقف جديدة تطورياً evolutionary novel كالليبرالية والحداثة ــ بالمعنى الذي يتضمن التعامل مع جميع الناس دون مسبقات حادة.
آمل أن يستمر الحوار بهذه الوتيرة الهادئة، ويصل إلى نتيجة جميلة ومرضية للجميع.
بالطبع يا حيدر، أنا أتفق مع ما تقول تمامًا!
عزيزي حيدر،
كيف أعرف مَن هو « متشابه معي » أو مَن ينتمي إلى « مجموعتي »؟ إن هذه المفاهيم اعتباطية. الشخص الذي يُعتبر « أسود » في بلد معين قد يُعتبر « أبيض » في بلد آخر. هناك أشخاص يُعتبرون « باكستانيين » في بريطانيا و« بريطانيين » في باكستان. لا يتوافق الناس على تعريفات مجموعاتهم، وليس لهذه المجموعات حدود واضحة أو ثابتة. إذاً لا تنبع هذه التصورات من طبيعة اللاوعي وإنما تنتج عن تفاعلات وصراعات اجتماعية.
أوافقك الرأي في “ضبابية التعريفات” ، وللدكتور ريتشارد دوكنز مقالة مؤثرة حول هذه الفكرة، تحدث فيها عن اللون والنوع بصفتهما “صفات متدرجة”، قد يصل التدرّج بها إلى مكان ما بين المجموعات، لا يخضع عملياً لكل التسميات والتقييدات ــ المقالة منشورة في كتابه “العلم والحقيقة”، ترجمة د. مصطفى إبراهيم فهمي.
وهذا الأمر يعود في جزء مهم منه إلى الزواج مختلط الأعراق، الذي لم يظهر إلا في عصر الصناعة وما تلاه كنتيجة لسهولة التواصل بين الأمم البعيدة، وتحطّم المسبقات التقليدية المتعصبة لدى الشعوب تجاه بعضها البعض، من خلال ثقافة عصر التنوير والحداثة التي وصلت بنا لإلغاء العبودية وإعلان مساواة المرأة والرجل.
وربما لهذا السبب وأمثاله، يلجأ الناس في عصرنا الحالي للانحياز على أساس الخلفيات الدينية أو الانتماءات الفكرية، لأنها أكثر تحديداً من حيث التعريف كما الواقع، ممّا يسهل على عقل الإنسان فهم “طبيعة الصراع” على طريقة “بيئة الأسلاف”.
السؤال الذي لا زال محتفظاً بأهميته، رغم أنه لم يُطرح بعد، هو:
” ما الذي يصنع الصراع أصلاً، وما الذي يجعل الحضارة الإنسانية تبدو وكأنها لا تتقدم إلا من خلاله ؟ ”
للنفسانيين التطوريين رأيهم (الذي يقول بحتمية الصراع كوسيلة للتعبير عن التنافس، مما يؤدي إلى استدامة الانتخاب الطبيعي ولو على مستويات أكثر تعقيداً وبتأثير أشدّ ضآلة وأكبر تأثيراً، كنتيجة “لتأثير الفراشة” في علم الديناميكا الشواشية) وأنا أوافقهم عليه، فما رأيك أنت؟
عزيزي حيدر،
لقد أثبت العلم الحديث أن كل الناس الموجودين على وجه الأرض الآن متحدرين من مجموعة صغيرة من الأفارقة هاجرت من أفريقيا منذ ٧٠ ألف عام تقريباً. أما « العرق » فهو مفهوم حديث.
أعتقد أن الانتماءات الدينية ليست أكثر تحديداً من « العروق »، فهناك صراع دائم على تعريف « الإسلام الحقيقي » أو « المسيحية الحقيقية » إلخ.
أما فكرة أن الحضارة الإنسانية لا تتقدم إلا من خلال الصراع، فأعتقد أنه يجب أن نميز بين أنواع مختلفة من الصراع. فالصراع بين أهل بغداد والمغول في عام ١٢٥٨، على سبيل المثال، لم يخدم الحضارة الإنسانية، بل دمر جزءاً كبيراً منها. غير أن الصراع العلمي، أي المنافسة بين الباحثين، التي تحدث في مجال تحكمه معايير علمية، هذا الصراع قد يساهم في تقدم الحضارة الإنسانية.
أما الأسباب الأساسية للصراع الاجتماعي فأعتقد أنها مادية في نهاية المطاف، ولكن كثيراً ما يتحول الصراع على الثروة المادية إلى صراع على ثروات غير مادية. وأقترح عليك الاطلاع على نظرية بيير بورديو الاجتماعية في هذا الصدد.