عصر العولمة بكل وحشيته يمتاز جدا بميزة  : الوضوح , لدرجة يصعب فيها الاختباء القديم خلف مبادئ كاذبة او شعارات خرافية او عباءة دينية خصوصا لانظمة نعايشها في منطقتنا منذ عشرات السنين ويبدوا اننا سنبقى معا , مع اولادنا واحفادنا , واولادهم واحفادهم , عشرات اخرى من السنين , وعلينا جميعا ان نتعايش مع ميزة العولمة المزعجة : الوضوح الوقح .

قضية موقع اسلام اون لاين , نموذج مصغر عن كيف يدير اي نظام مهما كبرت هالة ( ديمقراطيته ) و اتسعت ( افاق ) انفتاحه عملية التعاطي مع ما يسمى : المحرمات الدولية , والتي اصبح منها بشكل صريح وفج كل ما يتعلق بالاسلام السياسي مهما صغر , وكل ما يتعلق بكلمة جهاد , ولو كانت الحروف فقط ..

اليوم , بعد صراع استمر اشهرا , تمخضت الحقيقة بين سطور نبئ صغير متواضع , يفيد بان جهات ضغط اميركية كانت بصدد اصدار قرار يدين الموقع ويطالب الحكومة الاميركية بالسعي لاغلاقه وان هذه الجهات راسلت الحكومة القطرية لهذا الشان وقدمت حلا يقتضي بازاحة الشيخ القرضاوي , ومن نحا نحوه , ليتم التغاضي عن موقع اسلام اون لاين , وتستمر مسيرة التدجين لكل ما هو مسلم بشكل فج ومهين ..

ليست قضيتنا في سطوة مؤسسات الضغط الصهيونية على السياسة الاميركية عموما , ولكن قضيتنا في هشاشة اي نظام عربي , بدون استثناء , امام تهديدا ولو منظمة عدد اعضائها لا يتجاوز الالف , و كان هذه الانظمة من زجاج امام اي تهديد وهمي يطال ( ثباتها ) و تتحول الى عضلات مفتولة وعنتريات مخيفة حين نقرأ طلائع الصحف المحلية والدعم والاستنكار والتنديد , وكأن لسان حالنا يقول : ربما لا يقرأ صحفنا ويطلع على اعلامنا الا العميان فلا بأس بان نلبس ردائيين : واحد للسهرة وواحد للاعمال اليومية , للسهرة ثوب فاضح يكشف اكثر مما يستر , ويغري كثيرا , وليس له لون , ليس اسلاميا حتما , فكل ما يرتبط اليوم بالاسلام اصبح عارا , وثوب الاعمال  اليومي , الذي هو شرقي مسلم ملتزم جدا جدا بكل قضايا الامة , ويتميز بعبارات الشجب والتنديد واعلام مخيف يقف صفا واحدا ( خلف الاخوة المظلومين في كل مكان ) , ليزيد عارنا عار الاختباء الجبان خلف الكلمات والشعارات و المكياج , ورحم الله زمن الجهاد الافغاني , ورعاته امراء المؤمنين , حفظهم الله , وكانهم كانوا من عصر غير هذا  العصر ثم ( اضطرتهم ) الظروف لتغيير اولوياتهم , وشيئ بسيط من معتقداتهم , والتي اعتقد انها ابدا لم تتغير وتحافظ على اولوية الكرسي وما حوله , ليصبح الجميع دعاة محية وسلام اكثر من السيد المسيح عليه السلام , وليصبح شعار من صفعك على خدك الايمن فادر له الايسر ,شعار عربي مسلم بامتياز , وليصبح موضوع الكرامة , والاسلام ككل , موضوع مطاط يقبل تفسيرات كثيرة كلها مقبولة طالما اغفلنا : الجهاد , وبضع اسماء منظمات اثبتت ان الاسلام السياسي حقيقة وليس محض افتراء .

عندما ننظر لاسرائيل , تعتز بكونها دولة اليهود , وحامية حماهم حول العالم , وحضنهم الامين , ونرى الولايات المتحدة , ترفع عبر ساستها شعار الحروب الصليبية التبشيرية حينا , وشعار الدين والايمان حينا اخر , مع اوروبا المحكومة اليوم باحزاب جلها يحمل اسم ( المسيحي ) , ثم نفتقد كثير , نفتقد كثيرا جدا , وجود نظام , او زعيم , يمكن ان يكون متوازنا اتجاه قضايا الدين وان يملك من الجرأة ( والنزاهة التي تقتضيها الجراة ونظرية من شباكه من زجاج ….) ان يدافع عن قضايا اسلامية عامة دون ان يخفى راسه مثل النعام , وامور  اصبحت مشككا فيها  بحكم انها محرمات غربيا ( وربط الكرسي بالغرب يعين تحريمها محليا ) نرى ان الاسلام ضاع تماما , بين تكريس الانظمة لخدمة نفسها وديمومتها , وبين شراسة ردة القعل القادمة من الغرب نحو كل ما هو مسلم , لنكون من جديد : امة في مهب الريح .