تعرضت في وقت سابق لفكر جماعات الجهاد – الجزء الرابع من السلسلة، وخاصة جماعه الجهاد الثالثة التي اغتالت الرئيس محمد انور السادات، وكيف نبع فكر “الجهاديون” بصفة عامة من فكر الإخوان “سيد قطب” عن الحاكمية و التكفير ولنبدأ تفصيلا من البداية
حيث إنه بعد القبض على اعضاء جماعه الجهاد الثانية افلت من الاعتقال مهندس سكندري اسمة (محمد عبد السلام فرج) افلت من الاعتقال وقطع علاقته بتنظيم الجهاد الثاني وانتقل للقاهرة وان ظلت فكرة انشاء تنظيم للجهاد قائمة في ذهنه.
ايديولوجيًا لم يُكفر “محمد عبد السلام فرج” الدولة حكامًا ومحكومين وانما اقتصر التكفير وضرورة الجهاد على الحُكام فقط والسلام لجمهور المسلمين اما فكرة اقامة الدولة الاسلامية فليست بالهجرة والاعداد اولا خارج مصر ثم العودة وانما تقام الدولة الاسلامية في مصر اولا ثم يخرجوا بعدها للفتح!
وضع “محمد عبد السلام فرج” هذه الافكار في كتابة “الفريضة الغائبة” ، وجاءت دعوته في حي فقير مكتظ بالسكان هو حي “بولاق الدكرور” والاحياء المحيطة به إمبابه و الجيزة وبدأ يلقى دروس دينية.
صيف 1980
تعرف “محمد عبد السلام فرج” على “طارق عبد الموجود الزمر” وكان طالبا بكلية الزراعة واقنعه بأفكاره وطلب منه ضم افراد للتنظيم وكان ذلك بداية تكوين تنظيم الجهاد الثالث.
قام “طارق الزمر” بتجنيد “كرم زهدي” المختبئ وقتها في المدينة الجامعية بالقاهرة بمعاونة احد أصدقائه و”كرم زهدي” هذا هو امير الجماعات الاسلامية في الصعيد وكان هاربا في القاهرة خوفًا من القبض علية بعد احداث الفتنة الطائفية في محافظة المنيا.
أقنع “طارق الزمر ” كرم زهدي” بأن تنظيم الجهاد يهدف إلى اقامة الدولة الاسلامية عن طريق ثورة شعبية واقنعه ايضا بضرورة ضم قيادات الجماعات الاسلامية في الصعيد، ومن ثم سافر “كرم زهدي” الى الصعيد واجتمع بقيادات الجماعات الاسلامية في اسيوط والمنيا وسوهاج ونجع حمادي وقنا واتفق معهم على الانضمام للتنظيم الجديد (تنظيم الجهاد الثالث)
تعرّف بعدها “كرم زهدي” على “عبود عبد اللطيف الزمر” وكان ضابط في المخابرات الحربية واتفق معه على فكرة اقامة الدولة الاسلامية عن طريق الجهاد ومشاركته في تحرير مصر ممن لا يحكمون بما انزل الله.
وبذلك اكتمل الهيكل العام للتنظيم فتم تأسيس مجلس شورى التنظيم وكان “محمد عبد السلام فرج” رئيس هذا المجلس و”عبود الزمر” عضوا عن القاهرة واعضاء اخرين عن اسيوط وسوهاج اما “كرم زهدي” فقد كان مسئول الاتصال في التنظيم بين القاهرة والوجه القبلي واتفقوا على ان يكون في كل مسجد في عواصم المحافظات امير للتنظيم مسئول عن اختيار وتجنيد الاعضاء الجدد وتدريبهم فكريا وبدنيا وعسكريا.
كان للتنظيم ثلاثة لجان:
- لجنة العدة: لإعداد الخطط وجمع المعلومات.
- لجنة الدعوة: تختص بتجنيد الاعضاء الجدد ونشر الدعوة الجهادية والتثقيف السياسي والفكري.
- اللجنة الاقتصادية: وهى المسئولة عن توفير الدعم المادي للتنظيم عن طريق جميع التبرعات او الهجوم على محلات الذهب و المجوهرات المملوكة للأقباط للحصول على غنائم!!
فبراير 1981
وضع “عبود الزمر” خطة التنظيم الرئيسية للاستيلاء على السلطة في مصر كلها وكانت تتلخص في:
اعداد مجموعه افراد وتدريبهم على السلاح للإغارة على اهداف معينة وقتل الشخصيات القيادية والسياسية وهم رئيس الجمهورية وزير الدفاع وزير الداخلية ورئيس اركان القوات المسلحة وقائد الامن المركزي وتفجير الثورة الشعبية من خلال توجيه المظاهرات واختيار مجلس شورى ومجلس علماء لتولى امور البلاد بعد تفجير الثورة
و وافق التنظيم على الخطة وبدا الاعداد لها!
يقول “احمد الحناوي” احد اعضاء تنظيم الجهاد المقبوض عليهم في اعترافاته:” كان الهدف هو انقلاب مدعوم بثورة شعبية وان احد القادة ابلغني بلزوم الصبر ولو طالت المدة عشر سنوات فأمامهم وقت طويل ولا يزالوا يعلمون الشباب الصلاة”
حاول التنظيم دعم صفوفه فكانت محاولة ضم تنظيم جهادى اخر يتزعمه أردني ازهري اسمة “محمد سالم الرحال” ولكن هذا “الرحال” مانع في الانضمام احتقارا لشأن تنظيم الجهاد ثم تم ترحيله في يوليو 1981 وتولى التنظيم بعده “كمال السعيد حبيب” وهو خريج اقتصاد وصديق لطارق الزمر فوافق على اندماج التنظيمين!
علاقة “خالد الإسلامبولي” بتنظيم الجهاد:
تقابل “خالد الاسلامبولى” مع “كرم زهدي” في مسجد بنجع حمادي وأعطاه الاخير عنوان “محمد عبد السلام فرج” في القاهرة ليساعده في البحث عن شقة ومن ثم اخد يتردد على منزلة.
نظر “خالد الاسلامبولى” لــ “عبد السلام فرج” بوصفه فقيها في الدين وعالما فبدأ يأخذ منه دروس دينية وصف فيها حكام مصر بأنهم “التتار” الذين اخذوا بعض الشريعة وتركوا بعضها ورغم نطقهم الشهادتين فقد افسدوا البلاد. وتطورت الدروس عندما شرح “عبد السلام فرج” لخالد الاسلامبولى التنظيم وأهدافه فانضم “خالد” إلى التنظيم بوصفة عضوا عاديا لم يكن له أي دور بعد! فلم يكن اميرا او مسئول عن اختيار او تجنيد او تدريب اعضاء ولم يكن في مجلس شورى التنظيم.
كانت سياسة الانفتاح الاقتصادي والسياسي التي تبناها السادات سبب وجود نوع من الصراع الأيديولوجي والطبقي في المجتمع المصري بين الاخوان والجماعات الاسلامية وبين الدولة من جهة وبين الجماعات الاسلامية والاقباط المصريين من جهة اخرى وبعد احداث الفتنة في المنيا وفى “الزاوية الحمراء” أصدر الرئيس السادات قرارات اعتقال 1536 شخصية سياسية وقيادية من اقصى اليمين الى اقصى اليسار.
وقد شملت بالطبع قرارات الاعتقال اعضاء وقيادات تنظيم الجهاد منهم كرم زهدي ، ناجح ابراهيم ، عاصم عبد الماجد وغيرهم. (بعض الاسماء السابقة تشارك في الحياة السياسية الان بعد احتجاجات يناير 2011 وفى وضع الدستور و تدعى ان الجهاز الأمني المصري لفق لها قضايا الارهاب وانهم ابرياء!!)
ذعر التنظيم واجتمع مجلس الشوري يوم 6/9/1981 في بيت “احمد سليم خليفة” وداهمت قوات الامن الاجتماع وتم القبض على “احمد سليم خليفة” وهرب الباقون وقُبض ايضا على “محمد الاسلامبولى” شقيق “خالد الاسلامبولى” قبل ايام من تقديم الشبكة لعروسة وهو ما أثر كثيرا في شقيقة الاصغر “خالد”.
تم اعتقال عضو في التنظيم هو “نبيل المغربي” ومعه مدفعيّ رشاش 9مم وبتفتيش بيت “عبود الزمر” وجدوا اسلحة وذخائر وهرب هو في منزل بمنطقة الهرم.
في ظل ظروف اعتقال “محمد الاسلامبولى” وتأثر اخوة الاصغر “خالد” بذلك، وفى ظل اعتقال باقي اعضاء التنظيم كما ذكرت مسبقًا، وفى ظل مفارقة عجيبة حدثت حيث اعتذر النقيب “عبد الرحمن سليمان” المعين اصلا في العرض العسكري بسبب نقل زوجته للمستشفى وجد “خالد الاسلامبولى” نفسة مشاركا في العرض العسكري في وقت كان فيه التنظيم مفكك وبعض أعضائه وقياداته معتقلون والبعض الاخر هاربون وفى ظل عدم وجود امكانيات مادية او بشرية كافية لتنفيذ خطة “عبود الزمر” السابق شرحها للاستيلاء على السلطة وهى الخطة الرئيسية للتنظيم جاءت خطة “خالد الاسلامبولى” التي اقترحها على “محمد عبد السلام فرج” بقتل السادات منفردا فلم يكن التنظيم جاهزا بأي صورة للانقلاب على السلطة مدعوما بثورة شعبية وانما كان قتل السادات مجرد فكرة انتقامية من النظام وجهازه الأمني ممثلا في شخص السادات الذى اصدر اوامر اعتقالات سبتمبر (وهو ما ينفى عن الرئيس السابق مبارك أي شبهه مشاركة في التآمر على قتل السادات وهى الاكذوبة التي نجح الاسلام السياسي في ترويجها بشدة بين محتجى يناير)
من اعترافات “خالد الاسلامبولى”: ((يوم 25 سبتمبر ذهبت لزيارة عبد السلام فرج في منزلة فوجدت ان رجلة مكسورة بسبب حادث سيارة وتناقشنا فيما يدور في مصر وما يقع على المسلمين وعلى علماء المسلمين من ظلم وانه لابد من تمكين شرع الله وانه يمكن ان يستغل الموقف ومشاركته في العرض العسكري لصالح المسلمين ورد عبد السلام فرج : ((ان شاء الله نشوف وربنا يسهل)) وفى اعتراف اخر: ((لازم نشوف الموضوع ده)) وكان هنا يحسب الرفض المتوقع من “عبود الزمر” للعملية لان التنظيم غير مستعد.
درس “عبد السلام فرج” فكرة اغتيال السادات ووجد انها قد تكون ضربة انتقامية جيدة للسلطة انتقاما من اعتقال التنظيم وأفراده الثأر للمعتقلين عموما ولمحمد الاسلامبولى شقيق “خالد” الاكبر خصوصا .
كذلك الانتقام من السادات نتيجة حرب الاعصاب التي شنها على التنظيم وأفراده حيث قال في كلمة تليفزيونية موجها انذارا إلى “عبود الزمر” الهارب وقتها في منطقة الهرم : “إني اعرف ان هناك ضابطا متهم هارب ربما يكون يسمعني الان، لقد اعتقلنا كل الاخرين في خمس دقائق، واذا كان هو قد تمكن من الفرار فإنني اقول له اننا وراءه هو الاخر” .
ومع استحالة تنفيذ خطة التنظيم الاساسية التي وضعها عبود الزمر كانت فكرة اغتيال السادات تبدو جيدة وقتها ومناسبة فان لم يكن ذلك كافيا لهدم النظام وزعزعته بما يمكنهم من اقامة الحكم الإسلامي فلا يوجد ما يخسره التنظيم وكذا فكرة قتل السادات وسط عرينه وحراسة تجعل نجاة القتلة من رصاص حراسة مسألة مستحيلة وفى هذه الحالة سوف يموتون وسرهم معهم.
والى هذا الحد تبلورت فكرة قتل السادات منفردًا ونفذت للأسباب السابقة على نحو ما هو معروف وإن زاد عليها بعض التعديلات التي سنعرضها في الجزء القادم لنرى أول محاولة جادة من تنظيم جهادى إسلامي للانقلاب على السلطة والتخطيط لثورة مسلحة تشمل السيطرة علي مصر كلها لإقامة الحكم الإسلامي.
الاسلام ممن استغله لمصالحة براء .. الحمد لله على نعمة الاسلام وكفى بها نعمة.
يتبع،
3 تعليقات على تاريخ وجرائم جماعات الإسلام السياسي في مصر ( 6 ): تنظيم الجهاد وخطة عبود الزمر – هل تآمر مبارك حقا لقتل السادات؟
عظيم يا رانيا هذا التوثيق الممتد والمسلسل…
تحياتي
رائع يا رانيا..
مقالات رائعة وعظيمة ومعظمها حقائق موثقة، احييك على هذا العمل الرائع الذى يستحق أن ينشر فى كبريات الصحف، وفقكى الله دائمآ، فأنتى صاحبة أسلوب رشيق وجذاب ومشروع صحفية وكاتبة كبرى، سدد الله خطاك، ونراك صحفية عظيمة فى القريب العاجل