البداية كانت مع تبلور افكار الاخوان المسلمين واتخاذهم موقفًا من القضايا السياسية العامة والبدء فكريًا تحويل الجماعه من اعتمادها على “الحب والإخاء والتعارف” في نشر الدعوة  إلى مرحلة “الاستعداد لتنفيذ الاهداف بالقوة” وكانت الوسيلة لذلك هى “فرق الرحلات” وهى فرق تخُتار بعناية بغاية التدريب العملى على الأعمال العسكرية واستعمال السلاح.
سنة 1934 بدأ نشر “فرق الرحلات” فى جميع شُعب الاخوان المسلمين فى مصر واصبحت عضوية فرق الرحلات مقتصرة على الإخوان من المرتبة الثالثة .. وللعلم فإنه في عام 1934 اجتمع مجلس شورى الاخوان واقر ان عضوية الجماعه تكون على ثلاثة مراتب:
المرتبة الاولى: الانضمام العام.     المرتبة الثانية: مرتبة الانتساب    المرتبة الثالثة: الانضمام العملي ويسمى العضو اخًا عاملا ويحق له فى هذه الحالة الانضمام لفرق الرحلات، ثم ادخلت المرتبة الرابعه: ويسمى فيها العضو اخا مجاهدًا.
من سنة 1934 وحتى سنة 1937 نمت “فرق الرحلات” نموا كبيرا فى مصر كلها وانتهز (البنا) فرصة قدوم الملك فاروق للقاهرة وحشد “فرق الرحلات” فيما وصفت مجلة الاخوان المسلمين هذا الحشد بانه (حشد لم يسبق له مثيل فى تاريخ مصر الحديث) واطلقت على الفرق لاول مرة اسم الفرق العسكرية.
عام 1939 خصص يوم في الاسبوع يسمى “يوم المعسكر” ويخصص لتقديم عرضا عسكريًا وذكر منشور من مكتب الارشاد الى جميع الشعب ان الجندية والتدريب والاستعداد للجهاد المقدس هو ما يُعنى به الاخوان المسلمون فبه يتكون الجيش الاسلامى وبه نسطيع ان نحقق الامل
قام البنا بتسجيل “فرق الرحلات” فى جمعية “الكشافة الدولية” حتى يستفيد من المزايا التى تقدمها المنظمة الدولية ومن ثم تحولت “فرق الرحلات” الى فرق الجوالة، كان وجود فرق الكشافة او فرق الجوالة او الفرق العسكرية او ميليشيات الجماعة ضد القانون لأن قانون الكشافة الدولى يحرم انتمائهم لأى جماعه سياسية او دينية والقانون المصرى كذلك كان يحظر الجمعيات او الجماعات التى لها صورة التشكيلات العسكرية وقد طبق القانون على جماعه مصر الفتاة وعلى حزب الوفد ولكن افلتت منه الجماعه بالتحايل على القانون.
ولكن الظروف هيأت للبنا ان يحتفظ بجيشة فقد عمل دائما على مهادنة القصر وكسب مودة الملك بمعاداتة لحزب الاغلبية (الوفد) الذى يسعى الى الحرية والاستقلال بلا أي اهتمام بالإرادة الشعبية المصرية، كان هذا الجيش هو النواة التى اختار منها البنا اعضاء التنظيم السرى لانه ( المجال العملى للجهاد) او بمعنى اخر الفرق المنفذة للعمليات الارهابية.
-          يتكون التنظيم السرى من مجموعات كل مجموعه 5 افراد.
-          يتم التدريب على السلاح فى المناطق الصحراوية فى اماكن عديدة داخل الدولة.
-          العضو الذى يتم اختيارة يؤخذ لحلف اليمين على الطاعه والكتمان فى غرفة مظلمة بداخلها شخص ملثم وامامة المصحف وسيف فيحلف العضو المجاهد على الطاعه والكتمان وانه يستحق الموت اذا افشى سرا من اسرار التنظيم السرى.
نبهت جريدة المصرى الوفدية إلى “عبث الاخوان المسلمين بعقول الطلبة من الشباب تحت ستار الدعوة إلى احياء الشرائع الاسلامية وتساءلت الجريدة عن “سبب تسليح الاخوان انفسهم” وهو ما لم ينفيه البنا وانما اقر بسعية الى التسليح (لانه امر الهى وفريضة فرضها الله علينا)
سنة 1946 زار “اسماعيل صدقي” باشا رئيس وزراء مصر وقتها المعروف باسم (جلاد الشعب) مكتب الارشاد وتعاون معه الاخوان رغم انه كان صاحب تاريخ سىء فى معاداة الدستور والديموقراطية ومكروها من القوى الشعبية.
وضع الاخوان قوتهم العسكرية فى خدمة حكومة حسين صدقى وحدت اشتباكات بينهم وبين حزب الاغلبية الشعبية (الوفد) فاستخدم الاخوان العصى والخناجر والقنابل وكافة الاسلحة فى الهجوم على خصومهم السياسيين من الوفديين (مواطنين مصريين ايضا ) وكان الرد الشعبي احراق الجماهير المصرية دار الاخوان فى بورسعيد.
بعض جرائم التنظيم السرى
1.      20 يونيو سنة 1948 تفجير حارة اليهود بالقاهرة.
2.      20 يوليو انفجار لغم في محلات اوركو شيكوريل.
3.      28 يوليو انفجار بمحل داود عدس.
4.      1 اغسطس انفجار بمحلات بنزايون وانفجار اخر في محلات جاتينيو.
5.      13 اغسطس انفجار فى شركة أراضي الدلتا المصرية.
6.      22 سبتمبر انفجار في حارة اليهود.
7.      29 سبتمبر انفجار بمخازن شيكوريل.
8.      22 نوفمبر انفجار في شركة الاعلانات الشرقية.
9.      قتل القاضى الذى حكم بالسجن عشرة سنوات على اعضاء من جماعه “مصر الفتاة”.
10.  في اواخر سنة 1948 اصبحت الجماعة دولة داخل الدولة جيش ايديولوجية و توجه عام مخالفا للدولة شركات مدارس ومستشفيات .فكر القصر الملكى ان الجماعه قد تعاظم امرها ولابد من قمعها حتى لا تصبح خطرًا على القصر نفسة وكانت الفرصة يوم 15 نوفمبر 1948 عندما ضبطت سيارة جيب وبها وثائق هامة عن التنظيم واسماء قادتة وتم الامر بضبطهم واصدر النقراشى باشا امرا بحل الجماعه وكان عقابة هو تشكيل سرية من 6 افراد لاغتيال النقراشى وتم ذلك فى 28 ديسمبر 1948 وقابلت الدولة ارهاب الجماعه بقتل الشرطة للبنا       يوم 12 فبراير 1949
11.  وفى محاولة للرد حاولت الجماعه اغتيال عبد الهادى باشا رئيس الحكومة ولكنهم فشلوا وسقط فى يد الامن عضو هو (مصطفى كمال عبد المجيد) الذى اعترف على التنظيم السرى وتم القبض عليهم فيما عرف بــ ( قضية الاوكار).
فتحت الحكومة المعتقلات للاخوان وكان ذلك سببا فى تلونهم مرة اخرى حسب مصالحهم فتعاونوا هذه المرة مع ظباط ثورة يوليو ضد القصر الذى سجنهم ولكن لم يدوم ذلك طويلاً فلم يُسلم (جمال عبد الناصر) اى سلطات لهم فانقلبوا على ثورة يوليو واعادوا التنظيم السرى وبدأ العمل من مخابئهم خوفا من الاعتقال وقرر التنظيم اغتيال “عبد الناصر” رأس النظام وكانت المحاولة الفاشلة يوم 26اكتوبر 1954 وانتهت المحاولة باعتقال 70% من اعضاء الجماعه والتنظيم السرى
فى عام 1956 افرج عن معتقلين لم تصدر ضدهم احكام قضائية، سنة 1960 افرج عن من قضوا مدة العقوبة وتكونت مجموعات “الخمسات” وهم من قضوا فى السجن خمس سنوات وتوالى الإفراج عن قيادات الجماعه من سنة 1961 حتى سنة 1964 وافرج عن “سيد قطب” افراجا صحيًا فى مايو 1964 فطالبة قيادات الجماعه المفرج عنهم ان يكون لهم مرشدا فكريا فقد تخلوا عن فكرة الانتقام مما حدث لهم فى المعتقلات مقابل فكرة اخرى هى مستقبل الاسلام واقامة النظام الاسلامي وان اقامة مثل هذا النظام يكون بانقلاب يحدث في قمة السلطة. (يذكرنى هذا بموقف القوى المدنية بعد احداث 25 يناير عندما طالبوا الاخوان بضمانات مدنية وكأن القوى المدنية وممثليهم ممن شبعوا ظهورا تليفزيونيا ولغوا قد تكونت من مجموعات الجهلاء لم يقرأوا تاريخ الاسلام السياسى واهدافة ابدا!!)
مايو 1965 : كان السؤال وقتها اذا تعرضت الجماعه للاعتقال مرة اخرى هل ترد الاعتداء؟ وجاء ارشاد سيد قطب بان نعم ترد الجماعه الاعتداء باغتيال رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وتدمير محطتي كهرباء القاهرة وكباري القاهرة وقناطر محمد على وبدأ تدريب الاعضاء على ذلك (70عضوا).
يوليو 1965 : بدأت حملة اعتقالات اخرى باعتقال “محمد قطب” شقيق “سيد قطب” وطالب التنظيم بالأمر بالرد على الاعتقالات ولكن لضعف الامكانيات وضعف التسليح القادم من المملكة العربية السعودية كانت اوامر سيد قطب: “إما توجية ضربة شاملة او تلغى جميع التعليمات” وتم اعتقال سيد قطب يوم 9 اغسطس 1965 وتساقط بعدها باقى افراد التنظيم السرى فى يد الامن.
الملاحظ أن الفكر الإنقلابي بدأ يسيطر علي تنظيمات الإسلام السياسي وهو يسعى للاستيلاء على الحكم من قبل اقامة اى مجتمع اسلامى ويترك للدولة الإسلامية التي تتشكل بعد هذا الإنقلاب مهمة تشكيل المجتمع وفق اهوائها (وهو ما يحدث الان حرفيًا بعد احتجاجات 25يناير2011 ) فقد اعتمدت تنظيمات الإسلام السياسى – فى تلك الفترة – على العنف وليس على الدعوة وعلى التنظيمات المسلحة والتدليس والتحايل وفق مصالحهم.
لماذا لم يستطيع تيار الإسلام السياسى حتى عام 1965 وحتى الان ان يقدم حلولا سياسية واجتماعية بها الكثير من قبول الاخر بثقافته واختلافاتة الفكرية من اجل تسهيل العمل للوطن الذى يضم الجميع بدلا من الفكر الاقصائي والالتحاف بعباءة الدين من اجل الوصول لنوع من الحصانة واستغلال الجماهير التى تعانى الفقر والجهل؟
لماذا لم يستطيع تيار الاسلام السياسي ان يقدم حل مناسب للحياة العصرية والتطور الزمنى ويهيئ مناخا امنا للمصريين لكى يمارسوا حياة سياسية وفكرية بلا ارهاب او ضغوط دينية تجعل اى مواطن غير آمن على اثنان من حقوقة الطبيعية الاصيلة هما حق الحياة وحق الحرية وهو ما اتضح جليا بعد احداث يناير و وصولهم للسلطة رغم ما شاب ذلك من تزوير وشكوك؟ (فنجد مثلا التيار السلفى يرفض كلمة مبادىء الشريعه لما تتضمنة من رحمة وعدل ويصر على كلمة احكام الشريعه لما تتضمنة من عقوبات وردت فى بضعه آيات وفى مناسبات واحوال غير كافية على الاطلاق لتعميمها فى القرن الواحد والعشرون بظروفة و واقعه المختلف).
لقد تحايل تيار الإسلام السياسى على المجتمع وعلى عقول افرادة وانتج ايديولوجية تجيد العمل فى الخفاء بدلا من العلن تجيد التفجير بدلا من الحوار تجيد التلقين بدلا من التثقيف تجيد العمل لصالحها بدلا من صالح الوطن تجيد التكفير بدلا من القبول تجيد القتل بدلاً من العمل الإيجابى ونشر المحبة من اجل صالح مصر والمصريين.
الاسلام ممن استغله لمصالحة براء .. الحمد لله على نعمة الاسلام وكفى بها نعمة
يتبع،