التأويل المجاور للفهم
الدين في بساطته وعمقه، هو علاقة الجزئي بالمطلق، هو إلتفاف جماعة حول مُقدس، أي كان سبب وسر وأهمية وغاية تقديسه، هو حركة تطلع ووعي لفهم الحياة والتعامل معها، في ظرف تاريخي وثقافي واقتصادي معيّن، هو ما يُدين به الفرد ويرتأيه كسلوك وفكر وعمل في حياته الشخصية، وليس لفرضه وإجبار من حوله عليه؛ عدم احتواء الأديان علي اكتشافات العلوم ومخترعاتها، شأن لا يقلل منها ولا يشينها ولا ينقصها، الكنيسة والمسجد لم يفتحا ليكونا معمل أبحاث أصلا!!؟، بل هي رسالة حيّة بعيدًا عن الماديات والجزئيات والمتغيرات، وبالتالي الدين يتم تجاوزه، غالبًا ودائمًا، لإنتفاء إشباعه لحركة التطور المجتمعي، إن ظلّ على حاله في جموده وثباته، على نفس الخطاب المُقدم، وعلى نفس فهم المتلِّقين، هنا تأتي أهمية دور رجال الدين وسدنته، الحريصين على إستمرارية رواج سلعتهم ومصدر رزقهم الدائم المتجدد.ـ
ـ”قياس الغياب على الحضور” هو أحد آليات عقلنة النص الديني الإبراهيمي عند رجال الدين، في محاولة يائسة لتقديمه في صورة مقبولة بحسب الدراسات الحديثة المتقدمة في كافة المجالات. فمثلا نجد أحدهم يستشهد بنص لكاتب روماني أو يهودي أرّخ لحادثتيّ إظلام الشمس وإكتتاب اليهود في عهد سلبسيوس كيرينيوس والي سوريّة، فيخبرك أن هذا تمامًا كما ورد في الكتاب المقدس عن أيام المسيح في الإصحاح الثاني من بشارة لوقا الطبيب!!، رغم أن المؤرخ نفسه أو غيره من المعاصرين للأحداث، لم يذكُروا أي شيء عن مسيح أو صلب أو غيره، بل أحداث إجتماعية يسهل إنطباقها على أي شخص.ـ
وقد تجد أحدهم يأتيك ببحث أكاديمي جغرافي عن فيضان وسيول مياه كثيرة وأماكن بقاياها ورواسبها أعلى قمم بعض الجبال؛ فيعتبرها دليل على صحة قصة فلك نوح، رغم أن الموضوع هنا يمكن أخذه بأكثر من تأويل فلم نعرف من أين أتت كل مياه طوفان نوح ولا أين ذهبت بعد إنتهاءه!؟. وبعضهم يُفاخر بخبر إيجاد بعض قطرات المياه داخل جوف أحد مومياوات الفراعنة فيخبرك أنه فرعون موسى الذي إبتلعه اليّم مع جنوده، رغم أنه لا توجد أي برديّة أو مخطوطة أو نحتة واحدة على أي حجر تؤكد وجود موسى في مصر أساسًا، أو وجود آية قرآنية أو كتابية تشير صراحة إلى مكانة أو أسرة هذا الفرعون!!.ـ
ستظلّ المشكلة الحاسمة أمام أغلب رجال الدين في أغلب الأوقات، إنهم يفسرون بالعلم (حسب فهمهم له) نصف الإنجيل ونصف القرآن ونصف التوراة فقط، ثم يفسرون بالإيمان والغيب والتسليم نصفهم الآخر، يفسرون الجانب الذي يخدم قضيتهم ومَسعاهم وفكرتهم التي يسعون لتوضيحها وتأبيدها في الفهم العام، ولكننا مازلنا حتى الآن لم نعرف كيف أوقف موسى الشمس عند الدوران!؟، أو مكان العين الحمئة!؟، أو كيفية شقّ القمر!؟، أو تحويل الخبز والخمر إلى جسد ودم حقيقييّن!؟، أو تجسد وقيامة وصعود المسيح!؟، وصعود إيليا في المركبة الناريّة!؟، وكيف تكلم الحماريّن يعفور وحمار بلعام!؟.. وغيرها الكثير من القضايا التي تتطلب الإيمان البسيط الساذج، هذه القضايا يتم تجاوزها بعبارات الإيمان بما لا يرى والنشوة الروحيّة. أما غيرها من القضايا فيتم معها ليّ عنق آيات ونصوص صريحة أحيانا، وإدخال فهم خاطئ للإكتشافات العلميّة أحيان كثيرة، فيأخذون جانب مُختص بالفلك أو ظاهرة مناخية أو تفاعل ما بشكله السطحي اللغوي الخارجي، ليثبتوا من خلاله ما يريدون، ثم يهملون نصفه الآخر المتعلق بعلوم التاريخ وعلوم الآثار والحفريات العديدة الموثقة.
رجل الدين حينما يقوم بعملية التأويل المجاور في العلم وهو يربطه بالدين ليكسب الحُسنييّن، سيفعل نفس الشيء، ربما، في تفسيره نصوص الدين بالضرورة، التمرد والثورة على رجال الدين هي واجب إنساني موازي للثورة على المنظومة الدينية ككل.ـ
6 تعليقات على مقالة الشهر: التأويل المجاور للفهم
مقالك جرئ يا سيد ميلاد كما اعتدنا منك-هى فعلا ملحوظة موجودة وهى ان الناس يفهمون الامور حسب اهوائهم وليس على حقيقتها ( ظاهرة غريبة لكنها موجودة فعلا و النتيجة فهم مشوه و منع من المناقشة و حجب و فلترة و المطلوب ترسيخ فكرة معينة و كفى). مقال جيد فعلا.
موضوع شيق و يلمس قضية حساسة و مهمة ولكن فى النهاية ستجد ان الاقوى هو من يفرض فكرته_نعم التناقض موجود فى كل الاتجاهات الفكرية ولكن السؤال هو:عندما نصل لاكثر الافكار حيادية و موضوعية هل سنستطيع الاستفادة من ذلك لتحقيق شكل افضل للحياة يلبى احتياجات الناس و يصون النظام و الواجب و…الخ؟ ام اننا فى النهاية امام طرف مزدوج المعايير سيجرنا دائما الى اتباع اسلوبه للتصدى له ؟!!
مقالة جيدة يا سيد ارنستو ..
اعتذر يا سيد ميلاد عن تعليقى رقم 2 هو للموضوع السابق ليك فى الموقع(انا باكتب ردودى برة فى ملف text واعملها كوبى بيست هنا عشان الانترنت بيفصل منى كتيير فما اكتبش الرد هنا فى الموقع- وده سبب انى لصقت تعليق خطأ هنا)-ممكن انت او ادارة الموقع تحذفه من موضوعك هنا مع تعليقى ده لو امكن –اجدد اعتذارى
Pingback: قيمة جائزتيّ هذا العام 400$: صوّت لمقالة العام على شباب الشرق الأوسط | شباب الشرق الأوسط
متشكر لمداخلاتك وتعليقاتك أ/ حازم التي تثري الموضوع وتضيف جديد لي شخصيًأ… تحياتي
Pingback: نتيجة مسابقتيّ كاتب العام ومقالة العام 2012 على شباب الشرق الأوسط العربي | شباب الشرق الأوسط