عمو زهير مديري الجديد هو صديق “البابا” ايضا.. أتمتع بالإستماع إليه يتحدث عن السياسة ، الأدب ، الحب،الدين…عن تاريخ المدن التي مر بها في رحيله إلى منفاه .. يتحدث عن عشقه للمدينة التي لم أحس بجمالها إلا في روايات عشاقها الذين أصبحوا الآن كباراً في السن..
يذكرونها كأنها إمرأة جذابة تغري كل زوارها و ساكنيها بالبقاء و أن رحلوا إلى كبريات المدن .. عبثا .. يبقى لديهم الحنين إليها..
في إحدى جلساته معي في اربيل.. اسأله
- ” عمو شنو رأيك بــ لندن؟؟”
- يبتسم إبتسامة و يسترخي على الكرسي.. يهيئني لسماع رد غريب من نوعه..
” لندن – مدينة تحتاجيها انتي، بس هي ما تحتاج أحد”
- !!
- “لاجديد في لندن.. تخططين طول رحتلك إليها بأنك ستعملين كذا و كذا.. و ستحاولين إنجاز هذا و ذاك.. و عند الوصول إلى هناك تتفاجئين بأن كل أفكارك و مشاريعك قد أستهلكت و تم إنجازها قبل وصولك بــ 10 سنوات على الأقل”
- !!!!
تلك الشقراء اللعينة..المترفة! كنت أحلم بالذهاب إليها.. فأنا لا أحب أمريكا.. …. … سأغير طريقي إذن..
” فرنسا لا تزال خيار لابأس به .. الدنمارك ليست سيئة.. انا قنوعة جدا.. سأرحل إلى سيراليون..!!”
ذهبت إلى المطار من أربيل ذات الجو المغبر قبل المطار توقفنا عند مقهى لشراء النسكافيه.. و بمحض الصدفة “بناديلك ياحبيبي” .. يا الله!! .. إشارات.. عالم مليء بالإشارات هذا زمن الإشارات و العلامات لا زمن الأنبياء!!
أنتظر في المطار..لا طائرة .. جو بغداد محتل بتراب أحمر.. أعود .. متعبة جدا..
عمو زهير يضحك لسوء حظي “على حد تعبيره” .. و يحاول أن يخفف عني..
- أجلس على الأرض أمامه أسأله
- ” عمو شنو رأيك بالبابا؟؟؟ ”
-إبتسم و إستلقى على الكنبة ” أبوك شخص نظيف، غير ملوث!! من القلائل الذين أحترمهم هنا”
- همــــــــــــــم .. لاجديد..
- ” عمو وماما ؟؟”
بذات الإبتسامة.. و بأكثر ودية .. يضع رأسه على الوسادة بصوت هادئ
- ” أمكِ كانت شابة جميلة متناسقة ، ثورية هادئة”
مع نفسي .. ” يعني شنو ثورية هادئة”
- يسألني ” انتي وين تنامين بالحر؟؟ ”
- “بالسطح جارنا متزوج جديد هم ينام بالسطح.. و أسمع صوتهم يتحدثون ليلة.. يضحكون.. لا أدري إن كانوا ………… قلت أنهم يضحكون ليلاً..”
تحدثنا عن الألوان.. وعن تسمياتها العربية و العراقية خصوصا.. أستمتع كثيرا بحديثه و أتمنى لو أنه يستمر دون أن أسأله انا..يسحبني ولو في عالم الخيال.. إلى عالم مختلف..
سمائي… baby blue
زيتوني …… ( مائل إلى لون الزيتون)
جوزي ………( لون الجوز)
قهوائي………( لون القهوة ولا ادري ما اختلافه عن لون الجوز)
بندقي ……..( لون البندق!!)
ولكثرة ما أسأله عن الشخصيات .. و الأحداث يصيح بي ..
- ” دوختيني.. روحي للثلاجة جيبي فواكه .. أكلي .. انتي ما تاكلين”
اتحرك بثقل .. يقول
- “انتي هم ثورية بس مو هادئة”
أذهب إلى الثلاجة .. أفكر بك .. أتصل بك.. صوتك نائم ..
أطمئن
أعود إلى الثلاجة.. الألوان فيها متعددة ..
تفاح أحمر
برتقال أصفر
خيار أخضر
بطيخ
موز أصفر
مشمش
لاوجود لشيء أزرق سوى على العلب .. أزرق ذلك الخط الذي يميز قميصك الابيض بتجاوره مع رفيقه الأخضر.. لم ارى يوما فاكهة زرقاء.. مع أن الازرق لون هادئ ولطيف و حتى صحي .. اه..!! إذن لم يكن القصد من الفاكهة هو بث الهدوء بهذه الألوان المثيرة !!
ماذا تثير فيك ألوان الفاكهة ؟؟
كم وددت لو أعود إلى الصالة لأجدك مستلقيا على تلك الكنبة .. بهيبتك المعهودة .. وعينيك المفتوحتين حتى إن
أغمضتهما .. امشي بإتجاهك لأقول ” ماذا تثير فيك ألوان الفاكهة؟؟ ” ..
أستطيع إرسال السؤال برسالة قصيرة .. أعلم ذلك .. ولكنك لن ترد عليها لأنك ستبتسم و تعتقد أني احاول إثارتك إتجاه أشياء مجهولة.. !
أضغط على زر ( الحفظ) ..
أعود ، أستلقي ..
صباحا في المكتب أسمع بمحض الصدفة أيضا .. ” سلملي عليه” أتذكر صوتك تحت المطر .. و أنت تشرح لي ..
” فيروز غنت هاي الاغنية ……………………………………………………………………………………”
الجلسات الطويلة معه تكسبني الخبرة ..
بعد عودتي الثانية من المطار .. طلب مني أن اطبع له الفصل الأول من الرواية .. كم كان ممتعا هذا العمل ..
” قد تعطي رأيك فيما تطبع، وقد يفتح معك نقاشا، من الممكن أن يقتنع بوجهة نظرك.. وقد يطبع الكتاب و ينشر في الشرق الأوسط “الكبير” كبداية.. ومن المحتمل أن يشير إليك في كتابه.. و قد تنفذ الطبعة الأولى منه ويطبع للمرة الحادية عشر.. ثم قد يترجم إلى لغات لأهميته .. ويفوز في 216 جائزة .. أو 301 جائزة .. وقد تكون بهذه الجائزة المرقمة 309 قد دخلت التاريخ من أضيق ابوابه ..
ولكن على رأي زياد رحباني
” مافي شي بيتسجل بالتاريخ اسمو كنت ربحت .. ”
في ساحة الواثق ببغداد .. المتعبة .. العجوز .. أمشي بدلع بات جزءا مني بدون تصنع ..
” انتي بتحكي مع كل الناس .. حتى مع سواق التاكسي”
إنها الساعة الحادية عشر والنصف .. لكل مواطن شمس خاصة به .. تتابعه .. حر قاتل .. أمشي متجاهلة كلمات الشباب و إزعاجهم ..
من بعيد يقبل شرطي بقميص أزرق … ها هو لون أزرق .. أتجاهله.. أسمع إطلاق رصاص قريب ..
” اي وشنو يعني هذا العادي”
يقترب … نحوي أكثر .. الشباب الذين كانوا يتغزلون صاروا يصيحون توقفي .. ثم صوت إنفجار مدوي .. طلقات أخرى أكثر .. انا في أحضانه.. واقفين انفجار تلو أخر .. أنفي في قميصه الأزرق .. أزرق باهت .. بشع .. إطلاق نار شديد ..
رائحته غريبة .. ليست مقرفة .. لم أكن في وضع يحدد القرف .. كنت مندهشة .. أرتعش .. فجأة عمً الهدوء
هدوء غريب جدا .. ينظر إلى وجهي الرجل بدهشة .. أريد الإتصال بك .. يهزني .. يقول
- ” تسمعيني..؟؟”
- ” أريد الإتصال به” ..
- ” لحظة .. انتظري الامريكان بعدهم بالشارع.. ”
- قميصه أزرق .. لونه كئيب جدا.. ركض إلي إثنان من الشباب .. بزجاجات ماء بارد ..غسلوا وجهي .. انا لست هنا.. أنا .. هناك .. في الباب .. في أحضانك .. أضحك لشدة تردد عينيك ..
- كلهم يرددون ..” نأخذها إلى المستشفى؟؟ ”
- وقفت .. عادت التغطية إلى جهازي العصبي .. عدت إلى الشارع الحار .. كدت أموت .. إبتسمت .. سأدخل في نقاش حاد معك على الهاتف ..
-” انا ضد زياد.. شو يعني انو مافي شي بالتاريخ بيتسجل اسمو قشطت حدي كنت رحت .. ”
قد مررت بالتجربة بشكل عنيف .. مفاجئ.. في لحظات إشتياق ممتعة في طقس حار جدا ..
وصلت إلى المكتب.. الجميع يتصل بي .. وجوههم قلقة .. وجهي بلون البرتقال البارد في الثلاجة .. لم أرد سوى العودة إلى باب الغرفة .. أبدد ترددك بعناق طويل .. علًي أضيع هناك .. أغيب .. أنسى التذكرة إلى الابد .. تنساني شركة الطيران .. تتوقف تلك الموظفة عن مناداة إسمي بصوتها الإلكتروني ..
هناك فرق مخيف بين خطوطك الزرقاء الباردة المريحة وبين قميصه الأزرق غير المكوي المليء بالعرق .. عرق الخوف.. الذي يختلف بشدة عن العرق الناتج عن ليلة حب طويلة.. وعن عرق ناتج عن جلسة طويلة تحت أشعة الشمس البحر.. ..
كم من سيناريو رسمت لأخر مشهد في فصل حياتي ..
رصاصة في خاصرتي الرقيقة..
شظية حادة تشق ظهري من خلف قميص خفيف فضفاض ناعم الملمس سمائي ..
الأن لدي مشاهد أفضل ..
سأحفظها للمرات القادمة …
2 تعليقات على أزرق
Quote
عرق الخوف.. الذي يختلف بشدة عن العرق الناتج عن ليلة حب طويلة.. وعن عرق ناتج عن جلسة طويلة تحت أشعة الشمس البحر.. ..
Unquote
أعجبت بمقالتك كالعادة يا رنا، المرهفة، خاصة أنواع العرق… والألوان، وعمو زهير، وكل شي!
هنا في القاهرة، خاصة في مترو الأنفاق، يوجد نوع رابع من العرق، وهو عرق عدم الاستحمام لفترات طويلة…
This is the training that will determine whether you get your driving
license or not. Driving is a cautious job and one needs professional training beforedriving any vehicle for the first time.
They have a new CD out called Dancing On The Gallows.