هذه مقالة كتبها دوايت بشير بالإنكليزية، وهو نائب مدير السياسات والبحوث في اللجنة الأمريكية الدولية للحريات الدينية، ونُشرت على موقع ذا كايرو ريڤيو، التابع لكلية الشؤون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، يوم 22 أغسطس 2012. المقالة الأصلية هنا.

undefined

كتب سعد الدين ابراهيم ناشط  حقوق الانسان المصري  والسجين السياسى السابق  للصحافة  فى عام 2006 عن حالة البهائيين الغير مستقرة فى مصر ،الذين اضطروا فى ذلك الوقت الى اللجوء للمحاكم للحصول على بطاقات الهوية التى انكرتها عليهم الدوله .

الديانة البهائية هى ديانة عالمية مستقلة تسعى الى السلام العالمى والوحدة البشرية  من خلال تعزيز مبادئ اساسية منها  المساواه التامة بين المرأة والرجل والقضاء على جميع اشكال التعصب وتقليل الهوة بين الغنى الفاحش والفقر المدقع  وتعميم التعليم وانشاء نظام عالمى  للامن الجماعى .

تختلف على نطاق واسع تقديرات اعداد البهائيين فى مصر  من عدة مئات الى اكثر من خمسة الاف ، هناك ما يقرب من 170000 بهائى فى الولايات المتحدة الامريكية واكثر من 300000 فى ايران (وهذا الرقم يٌعد اكبر تعداد للاقليات الغير مسلمة بايران). ولا يقل عن مليونين فى الهند ( ويٌعد هذا الرقم حتى الان اكبر تجمع للبهائيين فى بلد واحد), ويوجد حوالى  ست ملايين فى جميع انحاء العالم.

اليوم تأسست المجتمعات البهائية عالميا واعترف بها رسميا  كطائفة دينية مستقله فى معظم بلدان العالم ، بإستثناء عدد من الدول العربية ذات الاغلبية المسلمة بما فى ذلك مصر حيث يوجد صور مختلفة من التمييز.

تاريخيا، تم اضطهاد البهائيين بشدة فى ارض مهد الدين البهائى فى ايران فى منتصف القرن ال1800 حيث قتل ما يقرب من 20000 بهائى من قبل رجال الدين الاسلامى الذين اعتبروهم ذنادقة وخارجين عن الاسلام ، ثم وفى اواخر عام 1970 ومنذ اندلاع  الثورة الايرانية قٌتل اكثر من 200 من قادة البهائيين  والاف اخرين تم القبض عليهم او سجنوا  من قبل السلطات لا لسبب غير كونهم بهائيين.

وقال د سعد الدين ابراهيم ان وضع البهائيين المتنازع عليه فى مصر  من الاهمية

مثل اى شيىء اخر بمصر وستظهر الايام القادمة ومن خلال مشكلة البهائيين اتجاه الدولة فى التعامل مع قضية الحريات .

كان احد البهائيين المصريين قد نال حكما قضائيا من المحكمة الادارية العليا بوضع شرطة ( – ) فى خانة الديانة فى بطاقة الهوية المصرية لنجليه . ولكن ليس الانتماء الدينى فى القسم الالزامى المسموح به فقط ” مسلم ، مسيحى ، يهودى “. و على الرغم من التحسن الملموس فى استخراج بطاقات الرقم القومى للبهائيين الا انه لا يزال البهائيين محرومين من حقوق اخرى مثل كل المصريين .

وعلى الرغم من مرور اكثر من 18 شهر من  ثورة 25 يناير فمازال البهائيين مثل الكثير من المصريين يبحثون عن الحرية الكاملة والمساواة ، ولاتزال محنة المجتمع البهائى المصرى تٌعد اختبارا قويا على رأس  الاحداث فى مصر ,وقد صدرت مؤخرا موجة من التصريحات العلنية والاجراءات حول البهائيين من مختلف طوائف المجتمع تٌعد مؤشرا  بارزا على مسار المحنة .

يرجع تاريخ الدين البهائى  فى مصر الى عام 1860 م , وتم تشكل المحفل الروحانى المركزى للبهائيين بمصر عام 1924 م والذى تم تسجيله واعترف به  كهيئة منظمة وطنية فى ثلاثينيات القرن الماضى . وقد تعرض لهجمات كلامية فقط من قبل رجال الدين المتطرفيين حتى عصر الرئيس جمال عبد الناصر والذى اصدر تحت ضغط الاسلاميين  مرسوما فى عام 1960 بحظر جميع انشطة البهائيين .وعلى مدى عقود منذ ذلك الحين تم التضييق على البهائيين وذمهم وتمييزهم وسجنهم بسبب معتقداتهم .

على مر السنين كانت الحكومة المصرية  تسيطر على وسائل الاعلام التى كانت مثيرة للجدل وكانت داعيا رئيسيا للمعلومات الكاذبه عن احوال البهائيين .اما الان

فى مصر الجديدة هل يمكن ان تتغير الاشياء للاسوء؟؟؟ . فقد اصدر  مجلس الشورى المصرى الشهر الماضى قرار بتعيين جمال عبد الرحيم رئيس تحرير صحيفة  الجمهورية والتى تسيطر عليها الدوله  والذى يثير الجدل بالنسبة للبهائيين. حيث انه اتهم فى عام 2009  بالدعوة والتحريض بقتل ناشطة بهائية فى برنامج تلفزيونى  وتحريض سكان الشورانية بسوهاج لحرق منازل البهائيين بها، وبعد ثلاثة ايام من بث البرنامج دمر حريق متعمد منازل البهائيين فى قرية الشورانية بسوهاج.

فالتشوية والقمع للبهائيين فى مصر تم تغذيته بالاتهامات المحتقنه والوهمية فى وسائل الاعلام الحكومية من قبل الزعماء والسياسيين والدينيين على مدى اجيال ويرجع الى ثلاثة ادعاءات باطلة وهى:

الادعاء (1) :هو ان البهائيين كيان صهيونى وبالتالى لا يحق لهم اى حقوق ، ففى الشهر الماضر قال محمود عزلان المتحدث بإسم جماعة الاخوان المسلمين ” الاصل صهيونى “وبالتالى لا ينبغى ان يكونوا محميين بموجب الدستور لممارسة شعائرهم الدينية علنا .

فما هى علاقة الاصل بالحماية الدستورية لاى مواطن مصرى هل كل شخص يخمن ؟ فلنترك هذه النقطة على جانبا ، فهذا الاتهام لا اساس له . ولكن السبب لوجود  مقر المركز البهائى العالمى  فى حيفا – اسرائيل, ويجب ايضاح هذه النقطة فان مؤسس البهائية ذهب الى هناك قسرا كمسجون ومنفى من قبل السلطات العثمانية  من ايران الى العراق ثم تركيا ثم فلسطين فى منتصف القرن الثامن ، وظل بهاء الله هناك وهو تحت الاقامة الجبرية حتى وفاته عام 1892م  فى عكاء بفلطسين ودفن بها بمرسوم من السلطان العثمانى فى ذلك الوقت.

لقد كانت اسرته واتباعه هم الذين اسسوا المركز الادارى هناك اكثر من نصف قرن قبل عام 1948 وهو العام الذى نشأت فيه دوله اسرائيل وعلاوة على ذلك واستنادا الى منطق موقفه سيضطر غزلان الى ادعاء ان كل مقيم فى فلسطين او اسرائيل صهيونى، من الواضح ان هذا ليس ما قصده ولكن هذا يدل على خطأ دعواه عن البهائيين ، فالبهائيين ما يقرب من ستة ملايين فى العالم اليوم ، اقل من 1000 يقيمون فى ما هو الان يعرف باسرائيل ، انهم يخدمون مؤقتا كمتطوعين فى المركز العالمى البهائى بحيفاوسيعودون فى نهاية المطاف الى بلدانهم الاصلية بعد فترة قصيرة .

الادعاء (2) : ان البهائيين يشكلون تهديدا للامن القومى (كما جاء فى الادعاء الاول) وهذه المزاعم تتوقف على وجود مقر المركز العالمى البهائى فى حيفا , وهذه الادعاءات  يترأسها عادة فى اغلب الاحيان رجال الدين المحافظين مثل عبد المنعم الشحات وهو من زعماء السلفية البارزين, حيث قال ذات مرة ان الاسلام يحرم اللعب او مشاهدة كرة القدم , وفى فبراير ذكر ان البهائيين يشكلون تهديدا امنيا وادعى ان البهائيين لا يستحقون الحقوق فى الدستور الجديد، واكد انه ينبغى محاكمة البهائيين بتهمة الخيانة ،ان مثل تلك التصريحات غير المسئولة تعزز المزيد من  الهجوم على البهائيين فى المجتمع مستقبلا وتصب الزيت على النار لمزيد من هجمات المتطرفين على البهائيين.

الادعاء (3) : ان البهائيين مرتدين عن الاسلام وبالتالى ينبغى القضاء عليهم وقد صرح بذلك  الشحات واخرين مثلة و يستشهدون بفتوى الازهر ان البهائيين مرتدين ، ويستند هذا الاتهام على العديد من الفتاوى الصادرة عن مجمع البحوث الاسلامية فى جامعة الازهر على مر السنين واخرها فى عام 2003م. ان جوهر هذه الحجة مبنى على ان البهائيين يدّعون الوحى الالهى بعد النبى محمد مما يجعلهم مرتدين عن الاسلام لانه فى رأيهم ان حضرة محمد هو اخر الانبياء من عند الله .ومع ذلك، شرح خبراء الاديان أن الديانة البهائية خرجت من الإسلام بنفس الطريقة التى خرجت بها المسيحية من اليهودية وواصبحت ديانة مستقلة.

فى واقع الامر وتحديدا فى عام 1925 اصبحت مصر اول دولة اسلامية تعترف بالديانة البهائية كدين مستقل بعد حكم محكمة مصرية قضت بأن “الدين البهائى دين مستقل بذاته و منفصل عن الاسلام ” وبالتالى لا يمكن ان يعتبر البهائيين زنادقة او مرتدين .ادى هذا الحكم الى مزيد من التحرر للبهائيين المصريين فى العقود التالية حيث تم الاعتراف  بها قانونيا فى ثلاثينيات القرن الماضى  حتى الحظر عام 1960م. وبعدها استخدم رجال الدين المتشددين والقادة السياسيين على حد سواء فتاوى الازهر وحظر عبد الناصر لتبرير التمييز والذم والتحريض ضد البهائيين.

ويبدو الان ان المجتمع البهائى المصري  متجه نحو معاناه جيل اخر من التهميش وربما الاضطهاد الصريح. وبالتاكيد  أنه لا أحد يتوقع من الصحافة التي تسيطر عليها الدولة ,الأزهر، والإخوان المسلمين، أو السلفيين   أن تتفق مع وجهات النظر البهائية بالكف عن الذم بمعتقداتهم , ومع ذلك يقع العبء عليهم للكف عن التحريض على العنف والكراهية وتبرير القمع على اساس دينهم والدعوة الى تقييد حقوق البهائيين بالاصرار على ان الاديان السماوية فقط ( الاسلام والمسيحية واليهودية ) التى يحميها الدستور والقانون ، فاذا كانت هذه الكيانات تتبنى حقا مبادئ ثورة 25 يناير فلابد ان تناصر حقوق جميع المواطنين المصريين بغض النظر عن الدين او المعتقد.

ويقع العبء ايضا على المدافعين عن حقوق الانسان المصري ووسائل الاعلام المستقلة  لدحض الادعاءات الباطلة حول البهائيين بل واظهار مدى سلميتهم والتزامهم بالقانون  وحقوقهم المشروعة جنبا الى جنب مع  رفقائهم المصريين المسلمين بما فى ذلك السنة والشيعة والصوفية والقرأنيين والمسيحيين واليهود والملحدين والمذاهب الاخرى فى اطار نفس القوانين التى تطبق على جميع المواطنين ولا ينبغى ان يكون هناك اى تمييز عندما يتعلق الامر بالحق غير القابل فى التصرف بالحرية الدينية .

فاذا حكمنا من خلال الكلمات التى ذكرها الناشط السياسيى د سعد الدين إبراهيم في عام 2006، فان التحول الديمقراطى فى  مصر يبدو أنه يسير في الاتجاه غير صحيح. وإنه ليس من الضروري أن ينحى هذا المنحنى.

مصدر المقالة الإنكليزية هنا.