ما يحدث في سوريا فاق كل التوقعات وخلق حالة من الإنفصام لدى كل السياسين والمثقفين والإعلاميين قبل أن يخلقها للشارع العام وللمواطن غير المعني والمتخصص بالتحليل والدراسة والبحث عن المعلومة.
ومن الواضح إنقسام الآراء حول رأيين رئيسيين، فإما إيمان مطلق بمؤامرة على سوريا وبالتالي دعم للنظام الرسمي السوري وإنعكاس هذا التأييد بأكثر من صورة سواء على شكل زيارات أو ندوات أو اعتصامات، أو تاييد على باب السفارات السورية، أو بكتابة مقالات وتحليلات.
وإما اقتناع بأن ما يجري في سوريا هو محض ثورة شعبية، ثورة لجياع، وأيضا ثورة ديموقراطية على الظلم السياسي وتفرد فئة في الحكم.
حالة الفوضى هذه جعلتني أحاول فهم ما يحدث ولذلك، كان لا بد من أن أضع العناصر العديدة التي تشكل الحالة بجميع أطرافها، علني أستطيع ربطها بعضها ببعض، لربما استطعت استخراج نتائج أكثر منطقية، وأتفهم الأمور بشكل أوضح وأقرب للمعقول. لذا سأقوم بتحليل العناصر قبل أن أخبطها، بعضها في بعض ثم أربط علاقاتها من جديد كي أحلل ما دار ويدور بينها ومستقبل تلك العلاقات.
تبدأ عناصر القضية – المعضلة – المؤامرة – بالتالي:
العنصر الأول – سوريا النظام: لا أعتقد أنه يختلف إثنان على أن النظام السوري لم يكن النظام الأكثر نزاهة في العالم العربي فهو في حقيقة الأمر غارق في الفساد الإقتصادي وفي نهب ثروات الشعب والدولة السورية حتى النخاع، لكنه يقل بدرجات عن أي زعيم عربي من المحيط إلى الخليج. حتى الشهيد الأب “الحبيب” الحريري والذي خرج من السعودية بثروة بلغت ثلاثة مليارات دولار، استطاع في ظرف سنوات عديدة أن يصنع منها ما يزيد على ثمانية مليارات دولار من استثماره في المشاريع في لبنان، مشروع المطار ومشروع سوليدير، وغيرهأ. إذا يجب أن نتفق على فساد النظام السوري لكنه ليس الأسوأ عربيا.
العنصر الثاني – سوريا الدولة: وهي تختلف عن سوريا النظام بانها سوريا الشعب وسوريا البلد.
العنصر الثالث – سوريا الجيش الحر: يتكون الجيش الحر من مجموعة من الثوار المسلحين باسلحة نظامية سواء استولوا عليها من الجيش النظامي أو أمدوا بها عن طريق التهريب من الخارج ويفتقدون عادة للذخيرة أكثر من فقدهم للسلاح وهم لا يقلون إجراما عن الجيش النظامي فيقومون بعمليات قتل وتعذيب لمن يقع بين أيديهم من أفراد الجيش النظامي أو من مؤيديه بل وحتى من العائلات التي لا تقف في صف النظام أو حتى على الحياد، ويعتبرونهم من الغنائم والسبايا.
العنصر الرابع – هو الأردن النظامي أو الحكومة الذي يتعامل مع جميع العناصر رسميا بصفته الناطق الرسمي باسم الأردن وصاحب القرار به.
العنصر الخامس – هو الأردن الشعب والذي يحتوي كل فئات الشعب المناهضة للنظام السوري والمؤيدة له. المناهضة له والتي ترى في ما يحدث أنه ثورة جياع ضد الفساد والفاسدين في سوريا، أو أنها ثورة على حكم دكتاتوري غير شرعي وغير ديموقراطي. والمؤيدة له لأنها ترى في ما يحدث مؤامرة على سوريا لأجل القضاء عليها بصفتها دولة ممانعة ضد العدو الإسرائيلي، وبالتالي تأيدها في المطلق في مقاومتها للجيش الحر والقضاء عليه وعلى من يمثله وتبرر لها كل الأفعال في سبيل تحقيق الأهداف كاملة.
العنصر السادس – هم العرب السعوديون والقطريون، وبعض من يؤيدهم: وهم يتصرفون بأثر مجموعة من العلاقات التي تراكمت مع النظام السوري سلبا وإيجابا وسيجري الحديث عنها لاحقا.
العنصر السابع – هم اللبنانيون المناهضون للنظام السوري: ويرأسهم الحريري الإبن وغيره من بعض الفصائل اللبنانية.
العنصر الثامن – هو حزب الله اللبناني إسما، الإيراني الولاء والدعم والتسليح.
العنصر التاسع – هي فرنسا التي ذاقت الأمرين من سوريا أثناء وجود سوريا في لبنان وبالتالي أصبحت تكن لها عداء سياسيا وثأرا شخصيا مبيتا ضد النظام السوري شخصيا.
العنصر العاشر – هي أمريكا واسرائيل والتي تود القضاء على سوريا الدولة، سوريا الوطن، بينما لا تمارس ذات الحالة مع سوريا النظام حيث لا توجد حالة عداوة مطلقة بينهما.
العنصر الحادي عشر – هي إيران: التي تحلم أن تصبح الدولة العظمى في المنطقة والتي تتعهد بحماية جميع المصالح الأمريكية والإسرائيلية لو تم الإعتراف بها الدولة الأوحد والأقوى إقليميا. عداء إيران لإسرائيل محصور في عدم اعتراف إسرائيل بأنها القوة الإقليمية الأوحد علما بأن إيران لا تمانع في دولة إسرائيلية عظمى في المنطقة، مثلها تماما لكنها تعتقد أن أفضليتها كالدولة الأولى إقليميا سيجعل لها أفضلية على اسرائيل بحكم تقبل العرب لبضائعها وزيارة أهلها.
العنصر الثاني عشر – حماس المنظمة الفلسطينية: لا شك أن حماس هي ربيبة بل وصناعة الدولة الإيرانية. إلا أن اعتراف حماس بها ليس بوصفها ابا شرعيا وإنما أبا بالتبني أو كزوج الأم. فحماس لا تعتبر إيران حليفا استرتيجيا أبديا، وإنما حليفا مؤقتا قد يتغير في أية لحظة وكما صرح خالد مشعل أن حماس مستعدة لقطع علاقتها بإيران مقابل مبلغ 50 مليون دولار شهريا بحجة صرفها على أهل غزة.
العنصر الثالث عشر – وهو روسيا: التي تتعامل مع سوريا كموطء قدم سياسي دون أي مطامع اقتصادية. روسيا التي تريد للدولة السورية أن تحافظ على ولائها لها حتى لا تكون المنطقة منطقة نفوذ أمريكية وأوربية وإسرائيلية فقط، بينما هي بعيدة جدا عن المنطقة. روسيا لا تنتظر أية فائدة من وراء ذلك إلا الفائدة الاستراتيجية.
العنصر الرابع عشر – هو تركيا: تركيا الدولة التي تحاول أيضا أن تكون الدولة الأهم والأعظم إقليميا منافسة لإيران، وخير ما يمكنها من ذلك هو أن تكون تارة عدوة لإسرائل وتارة عدوة لسوريا وتارة عدوة لأمريكا وتارة عدوة لإيران، وفي حقيقة الأمر هي ليست عدوة لشيء إلا لمن يعتني في مصالحها ويقبل أن تكون دولة عظمى في المنطقة.
العنصر الخامس عشر – ليبيا: وما حدث فيها من ثورة دموية انتهت بنظام إسلامي، نتمنى له التوفيق، على ما يبدو عليه من فشل.
العنصر السادس عشر – اليمن: الحالة اليمنية ككل نظاما وشعبا وثورة مبتورة.
العنصر السابع عشر – تونس الثورة.
العنصر الثامن عشر – مصر الثورة.
وبتتبع السرد التاريخي يتبين ما يلي:
في الأردن
في 09/12/2004 حذر الملك عبدالله الثاني من خطر التدخل الإيراني بتشكل هلال شيعي يضم العراق وسورية ولبنان والأردن، مما قد يؤثر على استقرار المنطقة.
في تونس
في 17/12/2010 تظاهرت جماعات من المحامين والمواطنين تضامنا مع البوعزيزي، الشاب الذي أحرق نفسه في نفس اليوم تعبيرا عن غضبه على بطالته ومصادرة العربية التي يبيع عليها من قبل الشرطية فادية حمدي وقد توفي البوعزيزي يوم الثلاثاء الموافق 4/1/2011
في 18/12/2010 خرج آلاف التونسيين تضامنا مع بوعزيزي ثم بدأت المظاهرات تنتشر وتستمر حتى اضطر الرئيس التونسي لمغادرة تونس إلى السعودية يوم 14/01/2011
في مصر
في 25/01/2011 بدأت الثورة المصرية من قبل عدة شباب أبرزهم الناشط وائل غنيم وحركة شباب 6 إبريل وذلك احتجاجا على ظروف المعيشة.
في 11/02/2011 أعلن عمر سليمان عن تنحيه الرئيس عن منصبه وتكليف المجلس الأعلى بإدارة البلاد.
في ليبيا
في 15 فبراير 2011 انطلقت احتجاجات شعبية في ليبيا إثر اعتقال محامي ضحايا سجن أبو سليم فتحي تربل في مدينة بنغازي فخرج الأهالي ومناصريه لتخليصه من السجن.
تلتها يوم 16 فبراير مظاهرات للمطالبة باسقاط النظام فأطلق رجال الأمن الرصاص الحي وقتلوا بعض المتظاهرين.
وجاء يوم الخميس 17 فبراير 2011 على شكل انتفاضة شملت جميع المدن الليبية وادت لسقوط أكثر من 400 قتيل.
في 20/10/2011 مقتل القذافي بعد القبض عليه.
في السعودية
في 25/5/2011 قامت فئة من الطائفة الشيعية بأحداث شغب في منطقة الطائف والعوامية وألقت قنابل مولوتوف على الشرطة السعودية وسيارات متوقفة مما أسفر عن إصابة أكثر من أحد عشر شرطيا بجروج وحروق
في سوريا
في نهاية شباط 2011 بدأ مجموعة من الشباب الناشطين على الفيسبوك وتويتر والمتأثرين بالربيع العربي بالتواعد بداية شهر 3 مارس لإجراء حركة مظاهرات في كافة مدن القطر السوري.
وكرد فعل لهذه الدعوة قام مجموعة من الأطفال بكتابة بعض العبارات المناهضة للنظام السوري على جدران مدارسهم مما أدى لإعتقال ستة عشر طفلا منهم.
عندما حاول أهالي الأطفال مراجعة دائرة المخابرات لإستلام أطفالهم أجابهم مديرها أن يعتبروا هؤلاء الأطفال غير موجودين ويعودوا لمنازلهم لإنجاب غيرهم ولمن لا يستطيع الإنجاب استعد مدير المخابرات لإرسال رجال لهم ليساعدوهم على الإنجاب من زوجاتهم
ذهب آباء هؤلاء الأطفال إلى المحافظ للإحتجاج على إهانة مدير المخابرات فقاموا على عادة العرب بوضع “عقالاتهم” على طاولة المحافظ الذي لم يكن أكثر احتراما لهم بل رمى “العقالات” على الأرض وطلب منهم الإنصراف.
في يوم 18/3/2011 وتحت شعار “جمعة الكرامة” خرجت المظاهرات في مدن دمشق وحمص ودرعا وبانياس وقابلها الأمن بوحشية خصوصا في درعا فأسقط أربعة قتلى.
بعد هذه التعريفات والعناصر ذات العلاقة، وتحديد التواريخ التي جرت فيها الأحداث المهمة للمنطقة، نبدأ في تحليل الأحداث بما يتبين لنا من تحليلاتنا ومعلوماتنا.
إن ظهور بداية الأحداث في كل الدول العربية كان طبيعا، ثورة على الظلم والجوع والفساد ولمطالب بالديموقراطية.
وإن كانت الأحداث تسارعت في كل من تونس وليبيا ومصر حتى لم يعد من الممكن إيقافها فقد لجأت القوى الأجنبية إلى محاولة ركوب هذه الثروات لتحصيل أفضل المكاسب منها.
وحيث أن الإسلاميين كانوا هم الأسرع في ركوب هذه الثروات، خاصة في وجود ظاهرة التدين لدى الشعوب العربية، فقد كان لا بد عدم مقاومتها ووضع استراتيجية تستوعب هذه الحركات وتتواصل معها.
إلا أن الخطر الأكبر كان في امتداد الحراكات المطالبة بالإصلاح لدول أخرى، لذلك كان لا بد من إعطاء درس للشعوب العربية، درس مهم مزدوج، الأول إفساح المجال للحركات الإسلامية بإستلام الحكم إيقانا بفشلها مستقبلا وعدم استطاعتها القيام بمهام الدولة المدنية الحديثة الحضارية والتي يتمسك بها كل الناس بالرغم من تدينهم، فهم يعتقدون أن هذه الدولة الدينية ستجد صعوبة كبيرة في التدخل في حياة الناس المدنية المرتبطة بحريات لن يقبلوا الإستغناء عنها، منها حرية اللباس، وحرية الطعام والشراب، وحرية الإعتقاد، وحتى حرية الإرتباط وإنشاء علاقات خاصة، فأغلب الناس متدينون ومؤمنون لكنك تجد من بينهم من يلتزم بالصلاة والصوم لكنه لا يستطيع الإمتناع عن شرب الخمر وأحيانا القمار وفي أغلب الأحيان حب النساء، لذلك ولكونه من المستحيل بناء مجتمع كامل من الرهبان والشيوخ والملتزمين دينيا فقد كان الأنسب أن تشجع هذه الحركات الدينية على استلام الحكم حتى يقتنع الناس بمساويء هذا النظام مقارنة بإنشاء دولة مدنية حضارية تعتمد على الإنترنت والسياحة والرياضة والفنون والبنوك، مما سيجعلهم مستقبلا يرفضون هذا النوع من الحكم من تلقاء أنفسهم.
أما الدرس الثاني فهو لشعوب الدول العربية الأخرى والتي كانت تخشى إقتراب هذه الروح والحركات الإصلاحية والربيع العربي فقد كان لا بد لها أن تفكر بإسترتيجية أخرى هي استراتيجية دموية الثورات، أي جعل الثورات دموية شديدة القسوة مما سيؤدي إلى تراجع الفكر الثوري الإصلاحي لدى شعوب الدول التي لم تبدأ بعد بالإصلاح، فالناس إذا علموا أنهم سيدفعون ثمنا غاليا من دماء وأرواح أبناءهم، سيترددون في المطالبة بهذه الإصلاحات على أمل إيجاد طرق أكثر سلامة تحقق النتائج المطلوبة أو غالبيتها على الأقل.
في المغرب استطاع ملك المغرب إستيعاب الحركات الإصلاحية بأقل عدد من الخسائر فأجرى غالبية التعديلات الدستورية المطلوبة وسلم الإسلاميين الحكم والوزارات وحافظ على مكانته وملكه دون أن يتأثر.
أما في منطقة الشرق الأوسط فقد اختلفت المعالجة، فبعد ما جرى في ليبيا استطاع المتنفذون في اليمن إقناع شعبهم بخطورة ما سيحدث إن هم استمروا في حراكهم، فأجهضت الحركة الإصلاحية اليمنية وعاد نظام الحكم بكامل أشخاصه بإستثناء أشخاص محددين تم استبدالهم بأبنائهم ونوابهم بعد تحصينهم من كافة الملاحقات على الفساد الذي هم غارقون فيه.
في سوريا يختلف الوضع، فالعوامل المتصارعة هناك والتي أسلفناها سابقا تعمل كل منها على معالجة الأمور بطريقتها الخاصة.
فرنسا الدولة الحليفة إلى لبنان والتي تعتبر لبنان جزءا منها، عانت الأمرين من النظام السوري إثناء وجوده في لبنان، لذلك ما أن غادر حتى أصبح الثأر شخصيا ما بين النظام السوري متمثلا بعائلة الأسد وما بين فرنسا الدولة، لذلك فما أن بدأت حركات الإصلاح في سوريا حتى بدأت فرنسا والأوروبين بالعمل على عزل الأسد وتنحيته، إلا أن أمريكا واسرائيل كان لها وجهة نظر مختلفة بحكم علاقتها الطيبة مع الأسد كشخص وكنظام حكم لذلك فقد كان آخر همها أن تسقط النظام، لكنها كانت تتوق وتعمل على إسقاط الدولة “الوطن”. كانت سوريا تعرّف بأنها دولة مقلقة لكنها دوما لم تكن أبدا دولة حرب أو مجابهة. ففي حرب 1967 وصل العدو الإسرائيلي إلى بعد أربعين كيلومترا من دمشق وعاد من تلقاء نفسه لعدم وجود مخطط لإحتلال دمشق في ذلك الوقت، وفي 1973 خسر السوريون أراض من الجولان بعد أن كانوا قد حرروها، لذلك كان الأفضل بالنسبة لهم هو تحويل سوريا من دولة مقلقة لغيرها إلى دولة قلقة على نفسها. لذلك سعت أمريكا واسرائيل على دعم كلا الجانبين ( كلا بطريقة خاصة )، حتى تحافظ على عدم إزعاج النظام السوري والأسد شخصيا حتى لا يتم استبداله بسهولة أو على الأقل بسرعة.
إلا أن إيران لم تتوقف عن أحلامها بالدولة الإقليمية العظمى ولذلك سعت وعملت على إيجاد الهلال الشيعي المتكون من العراق وسوريا ولبنان والأردن مما يحيط بدول الخليج العربي، فأنشأت حزب الله ووجهت إليه الدعم المادي الهائل بحجة تحرير فلسطين وهم يعلمون قبل غيرهم أن تحرير شبر واحد من فلسطين هو الأقرب إلى أحلامهم بالذهاب إلى الجنة. إن وجود حزب الله في لبنان هو للتدخل في لبنان وليس في فلسطين، لذلك عمد إلى تأسيس مؤسساته الخاصة التي تتعدى على عمل واختصاص الدولة اللبنانية فأنشأ نظام اتصالات خاص به، كما أنشأ جيشه النظامي وتدخل في النظام السياسي اللبناني. لا شك أن تركيز حزب الله على العمل داخل الحكومة اللبنانية أكثر من خارجها وأن فلسطين آخر اهتماماته.
ثم جاءت الفرصة الذهبية لإيران لتنفيذ مخططها بتعزيز تعاونها مع سوريا بعد عام 2005 حين فرض حصار على سوريا فقامت بدعم النظام السوري بالمال وغيره وأصبحت إيران أقرب إلى الهلال الشيعي. وإمعانا في تعزيز العلاقة الإيرانية السورية فقد قيل عن تدخل رجال مخابرات سوريين في أحداث الطائف والعوامية في 25/05/2011 في السعودية التي سبق ذكرها أعلاه.
وعندما ظهرت الحركات الإصلاحية في سوريا، تعامل معها النظام السوري بغباء مطلق، وبنفس العقلية العربية القديمة المبنية على الحديد والنار، وكان بإمكانه عزل مدير مخابرات درعا والمحافظ، وإخراج الأطفال من سجونهم وينهي بذلك حالة الإحتقان التي دمّرت بلده.
أقول عندما ظهرت هذه الحراكات فقد كان لا بد لكل الأطراف أن تسعى لتحقيق أهدافها، الدول العربية السعودية وقطر، سعت لدموية الثورات حتى يهاب جيران سوريا من الغوص في مثل هذه الحماقات وبالتالي إقناع الأردنيين – وغير الأردنيين – بما يشبه الحرب النفسية أن هذا سيكون حالكم لو قمتم بالمطالبة بالإصلاح، ستخسرون كثيرا من دماءكم وشبابكم وأبناءكم، وستغتصب نساءكم وتدمر بيوتكم. لذلك قامت السعودية وقطر بدعم الثوار دعما بلا حدود عملا بمبدأ تحويل الثورة إلى ثورة دموية. النظامان السعودي والقطري كانا يريدان الخلاص من النظام السوري الذي كانت مخابراته قد عملت في حراك القطيف والعوامية تنفيذا لأوامر إيرانية. سوريا النظام كانت تلعب على كل الحبال فتقنع إيران أنها رجلها في المنطقة وظلها وستحقق لها كل أهدافها، وفي ذات الوقت تقنع دول الخليج أنها الشعرة التي تربطها بإيران وما تريده دول الخليج من إيران تستطيع أن تحققه من خلال سوريا. إذا مصلحة دول الخليج كانت الإنتقام من النظام السوري ولكن الإبقاء على الدولة السورية والشعب السوري حتى لا يأتيها أذى من شعوبها. أما النظام فقد اتفقت مع فرنسا على تغييره كما أسلف لولا التدخل الأمريكي الإسرائيلي الذي يريد الحفاظ على النظام السوري ويريد القضاء على الدولة السورية.
أما في الأردن ونظرا لبدء الحراك فيه والمطالبة في الإصلاحات، وهذا ما أرعب السعودية ودول الخليج، لذلك كان لا بد من وقف كل محاولات المطالبة بالإصلاح بطريقين، الأولى بدموية الحراكات كما أسلفنا، وأضيف إليها عزل رئيس الوزراء عون الخصاونة الذي كان مقبلا على الإصلاحات، واستبداله بفايز الطراونة الأبعد عن الإصلاحات والمنفذ للسياسات المتشددة فأصدر في بداية استلامه للحكم تصريحات مناهضة للإصلاحات وعاد بكل الوعود التي صرفت بالإصلاح إلى الوراء.
إلى أن الإصلاح في الأردن لا يكتفي بهذين البندين دون إجراء إصلاح إقتصادي حقيقي، لذلك تعهدت السعودية في البداية بدعم الأردن والمغرب بخمسة مليارات دولار نصفها لكل واحدة منها، ولما تبين معارضة دول خليجية أخرى لهذا المشروع وخروج المغرب منه، وبعد مجيء فايز الطراونة، عادت وعود الإصلاح الإقتصادي والدعم المالي بدعم الأردن بخمسة مليارات كاملة على مدى خمس سنوات.
إلا أن الحكام في السعودية لا يثقون في النظام الأردني ويعرفون أن أية مساعدات نقدية سيكون مصيرها إلى موائد قمار العالم ودور أزيائه ويخوته واحتفالاته وأن المواطنين الأردنيين ما كانوا لينالوا الفتات الفتات، لذلك فهم يؤجلون كل دعم لحين ضمان وصوله للمواطن الأردني وإنعكاسه فعلا على الإقتصاد حتى لا يضيع في دوامة الفساد الأردني المستشري في فئة خاصة معروفة للجميع.
يبقى أن الوضع في سوريا سيظل محل تجاذب، أمريكا تريد إسقاط سوريا الدولة والشعب لكنها تريد المحافظة على نظام الحكم، ودول الخليج تريد إسقاط نظام الحكم والمحافظة على الدولة والشعب.
حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ستظل الأمور في سوريا تعاني كثيرا وسيسقط الضحايا، وأكبر أخطاءنا كشعب أردني أن ننقسم بين أنفسنا، لمناصرة جهة وعداء أخرى بينما نعلم أنه ليس بين كلا المتصارعين من يريد مصلحة الشعب السوري وما هم إلا ضحايا لمجموعة من المجرمين والقتلة من الجانبين.
[email protected]
25
أغسطس
2012
سر المؤامرة، واقع عربي مؤلم
هذه التدوينة ادرجت ضمن تصنيف آسيا, آوربا, أحداث تاريخية, أحداث جارية وأخبار, أنظمة ملكية, إسرائيل, إيران, الأردن, الثورة التونسية, الثورة السورية, الثورة اليمنية 2011, الخليج, الربيع العربي, السعودية, الشرق الأوسط, العراق, المغرب, الولايات المتحدة الأمريكية, اليمن, تحليلات, تركيا, تونس, ثورة 17 فبراير الليبية, ثورة 25 يناير, حزب الله, حماس, سوريا, سياسة, فلسطين/الضفة الغربية, قطاع غزة, لبنان, ليبيا, مصر, مقالات مختارة.
4 تعليقات على سر المؤامرة، واقع عربي مؤلم
تحليل جدير بالاحترام زميلي وليد، استمتعت بقراءته ودعاني للتفكير خارج المعطيات “الإعلامية”، سواء للإعلام التقليدي، أو الإعلام الاجتماعي الذي يحتله كثير من قوى اليسار المؤيدة للثورات بلا موازنات أو تفكير. أدعوك لقراءة مقالات الزميل محمود عرفات الأخيرة:
http://ar.mideastyouth.com/?author=106
شكرا أخي أحمد لتفاعلك وكلماتك اللطيفة.
تحياتي لك.
بالنسبة لي لا أجد بديلا عن بقاء النظام..
البديل مخيف و لن يشمل سوريا موحدة بل سيشمل سوريا عراقية إن جاز التعبير..
لهذا أؤيد بقاء الاسد مع تسليمي بأن للشعب السوري و بحق كل أسباب الانفجار..