تعرض ملايين العراقيين خلال السنوات العراقية الطويلة من الحروب وانعدام الأمن والأضطراب السياسي الى موقف من أصعب مواقف التي يتعرض لها الأنسان ..وهو خيار الخروج من الوطن .أو البقاء مقابل خوف الموت أو المستقبل غير المضمون …وهناك من أجبر على مغادره الوطن ..كما حدث بتهجيرات حكومية لأقليات معارضه ..أو اضطهاد لفئات من الشعب مما أجبرها على الخروج ..أو فقدان الأمن وتسلط عصابات مسلحه حول مناطق سكنهم الى ساحات حرب ..أو أنعدام فرص العمل والدراسة مما جعل فرص المستقبل أفضل.
و بسبب الظروف الحياتيه الصعبه داخل العراق مقارنه بخارج العراق ..فحال مغادره العراقي لوطنه يجد نفسه يتلمس الفروق في الحياة والمعيشه ..فيعيش مع مشاعر الغربه والبعاد عن الوطن مشاعر الحسرة على بلده الغني ولما لا يتوفر فيه مايرى الاخرين فيه من نعم ..ويترجم مشاعره في مقارنه يشارك بها معارفه واصدقائه ..ومع الوقت يصبح صريع أحساس أنه يتمنى لو أهل بلده يكونون في نفس حال ومعيشه أهل الوطن ..فيصرخ ضد جميع أشكال الظلم التي كانت هي سبب خروجه.
وبسبب تلك المشاعر نرى ناس خارج العراق أيدت الحرب ضد العراق ونرى اليوم ناس تعارض جميع أشكال العملية السياسيه في الداخل …فكل منهم خرج بسبب وكل منهم يريد بلده أن يتحسن وكل منهم يلوم جهه ونظام ويحمله مسؤوليه غربته.
و بسبب نفس الظروف المعاشية الصعبه التي تفرق العراق عن باقي العالم ..نرى أهل الوطن حتى الأهل القرباء لايتقبلون من أبنهم في الخارج أي شكل من أشكال الشكوى ..فهو يعيش في عالم فيه الجو معتدل والكهرباء متوفرة والنظام والقانون ولافساد ولامحسوبيه ..ويتحول الأنسان ممن كان قبل أيام يركب باص الكيا ويموع في حر الوطن وترابه مثلهم الى كائن تحت تصنيف جديد أسمه ابننا في الخارج ..وهو ضمن هيئه عراقيه مليونيه العدد أسمها عراقي بره أو الخارج.
صفتهم لدى أهل الوطن أنهم اغنياء متنعمون بمساعدات الدول التي يعيشون فيها ..يلبسون أحدث ماركات ويرتادون المسارح والمتاحف ويأكلون ما يحلو لهم ..يتخيلهم العلماني والمثقف وهم يجالسون أروبين في مقاهي باريسيه يناقشون وهم يحتسون القهوة ويدخنون الغليون نظريات ماركس وفلسفه سارتر …والشاب والشابه يروهم يعيشون كأبطال مسلسل نور التركي …وأهلهم يروهم متنعمين بمبالغ ورواتب كبيره وبيوت جميله ونسوا الوطن وعيشه أهلهم ويضنون ببعث شيء من النعمه لهم وهم يموعون من حر الوطن …التصور لعراقي الخارج أنهم أغنياء يتمتعون بحياة مسليه والأجانب في خدمتهم ..وأن الشقراوات يترامين على أقدام الفحل العراقي وأبواب الجامعات مفتوحه لعبقرينو البابلي ..وان ول ستريت تنتظر أبن الخايبه ليصنعوا منه ترامب أو بل غيتس.
ونبداء نعتب على الفقير ممن غادر خارج الوطن وتمرمط مابين مكاتب الأمم المتحده ومتاهات دوائر الهجره ..لما لا تبعث وتشتري وتسافر وتقعل كدا وكدا ؟؟ لم لاتغيرون لنا سياسات دول ؟ أو تفعلوا ماتعجز عنه قوى سياسية لها مال ودعم ؟ ولو قرر عراقي الخارج نقد سياسة أو التعبير عن رأي أو فكر بعمل مشروع للحراك بين أبناء الداخل والخارج …فهو وللاسف أنا أنقل مايقوله مثقفي الداخل وليس الناس البسيطه العامه …برجوازي ..عميل ..عايش على مقاهي لندن …وفاقد للاحساس.
طبعا لو كان العراقي ممن خرج من أعوام كثيره وحقق مال وشهره في الخارج فهو بطل قومي ..لايخطيء وحتى لو كان لايتكلم العراقيه ونساها وجوازه الغربي ينور به صورته بالبرنيطه وأسمه الجديد بعد التغير ..فهو رمز وطني لابد أن نعمل صفحات لوطنيته ..ونفرح لو قامت حكوماتنا بصرف كم مليون على أفكاره ومشاريعه الشخصيه ..نهلل لهم ونعمل صورهم خلفيات ..ونعيش ونموت على حلم انهم ناس نادرين لا يتكررون.
النفاق علني للسيد والسيده ..لانهم اغنياء ومشهورين …ويصيرون وطنين وأمثله باره للوطن …أما المسحوقين في عالم الغربه من مقيمين بأقامات غربيه ويعيشون في الدرك الأسلف من المتجمع ومجبرين أن يحاربوا للصعود للقمه أو ممن لايملكون سوى وجود غير قانوني وشرطه تلاحقهم ومخيمات تتلقفهم ….فهم برجوازين تافهين انستهم كهرباء الغربه واجسام حورها طين بلدهم وصاروا ينقدوها ويتعالون على أبنائها ..ولانقول لهم حتى كلمه واحده تجعلهم يعملون من وحيها ليحفروا في الصخر ليعودا لينصرونا ..لكن نطردهم من البلد ونقول لهم يا أهل الخارج عايشين في بحبوه وناسين بلدانكم ..كفاكم تفاهه واعملوا شيء يفيد أبعدوا عنا خلصنا الله منكم …ثم نتعجب عندما تولد اجيال لاتعرف تاريخ ولغه بلدها ..اجيال برجوازيه كما يصفهم مثقفي الطبقات الكادحه في نوادي العلويه والصيد ومطاعم العرصات والكرداه أدامهم الله نصره لقنوات العراق الفضائيه من مثقفي الزمن الجديد.
لا احد يفكر حجم الوحده والغربه للأنسان المهاجر غصبا عنه لان الحياة وضعته أما خيار التطور الطبيعي في بلده وهو أما البقاء والصبر أو الهروب ..ينسون قوله تعالى للمستضعفين : أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا… وقوله تعالى لهم بوصفهم : إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً….ينسون حياه الشخص وظروفه ويحملوه مرارة قراره أن يخرج لحياه افضل لم تتوفر له في بلده ..ينسون كم عانى وتحمل ولم يحصل على فرصه الحقيقه فقط بسبب كون أسمه أو قمويته أو مكان سكنه أو دينيه غير ملائم للسياسه أو ان خلق ليكون خليفه ثأئر تاريخي وصراعات مابين دول وسياسات وأمم وأعراق …
لايعرفون أن الوقت يتوقف بالنسبه له من خروجه وان مهما كانت النعم التي قد يعيشها يبقى يعيش في جو المخيمات والتهجير والقصف ..يبقى طعم الأهانه في باب موظف أو مسؤول ..طعم الخطف والسحل والضرب …طعم الرفض وعدم التقييم …طعم رسالة التهديد ..طعم مرارة فاتحه اصدقاء ماتوا في عز شبابهم …طعم فراق الوطن والمدينه ومرابي الصبى …طعم الحرمان من أن تدفن في بلدك ..قرب أبوك ..حرمان أن تتزوج وتعيش في حضن أهلك واحبابك … لايعرفون أن العراقي صار مواطني غير مرغوب فيه في أي مكان …وأنه يحمل غربه أكبر من غربة وطنه ..وأن العالم صار عنصري وقاسي ويتعامل معه على أساس لون الشعر والدين …وان الغربين لم يعودوا مقفين وفلاسفه ولكن مجرد ناس مخنوقه في أزمه اقتصاديه قاتله في عالم يعيش صراع فكري عنيف ضد كل ماهو أجنبي عنهم.
للأسف نحن على دين حكامنا ..ظلام كما هم …وكما هم شكوا عندما ظلموا وبطشوا حينما حكموا ..فنحن مساكين في مظلوميتنا ..قساة في حكمنا على الأخرين …ومثاليين أما أنفسنا ونحن نبرر لها …خادعين لها بتحلقنا حول أهل الجاه والسلطه والمال. ويبقى الغريب غريبا ..لا وطن جديد يتقبله ..لاوطن قديم ينصفه ..ولا يعرف في أي بلد يموت ..ليس له غير وعد الله تعالى
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين”
ان وعد الله حق
ان وعد الله قريب
وميض خليل القصاب
تعليق واحد على عراقيو الخارج: عتب مر لفقيرهم وتمجيد ونفاق لغنيّهم!
أتفهم معاناتك سيد وميض، فهي مأساة حقيقية، لأنك هؤلاء المهاجرين لا يعانون فقط من حنين لبلدك الأم، بل كذلك يخوّنهم البعض، وأتمنى أن تصلح هذه المقالة أقل القليل.