متابعة ملفات التجسس الشهيرة مفيد دوماً فهو يعطيك فكرة عن أسلوب عمل المخابرات الدائم بعيداً عن أفلام جيمس بوند النسائية أو مغامرات أدهم صبري الفوق خيالية أو ملف المستقبل المنقولة في بعض منها من أفلام أمريكية ، ملفات المخابرات المعلنة هي الأفضل و الأقل أهمية فلا ضير من إذاعتها مع تفخيمها بحيث يبين الطرف الآخر غبي و نحن أذكياء أيا كان هو و أياً كنا نحن فالطرف الذي يذيع يحرص على أن تكون الإذاعة دعائية ، لهذا ترعى المخابرات المصرية دوماً أعمال دعائية كمسلسل رأفت الهجان و مسلسل جمعة الشوان (دموع في عيون وقحة) بغض النظر عن كون نصف الاحداث مفبركة فيهما ، مؤخراً لفت إنتباهي ملف لا أجده معلن بقدر ما هو مغطى فالحديث عنه مقتضب ربما لأنه ملف سوري يحمل الى اليوم و عبر حكم ما قبل حافظ الاسد ثم بشار الأسد يحمل موقف سوري صلب ضد إسرائيل (و لعل هذا الموقف يفسر الكثير اليوم) و ربما لأنه ملف -كما نقرأ- دور المخابرات فيه بسيط لكنه ملف يستحق الاهتمام فبدأت في قراءة تاريخ إيلي كوهين لأجد صفعة (حقيقية و ليست كمسلسل رمضان الهابط) ، إيلي كوهين جاسوس إسرائيلي من أصل مصري-سوي حلبي و قبض عليه في سوريا بعد عملية سوفيتية بحتة و أعدم و رفض نقل رفاته لإسرائيل لليوم أما المخابرات المصرية فلا علاقة لها بالأمر لا من قريب و لا من بعيد ، أعدت النظر و دققت و بحثت لأجد أن دور المخابرات المصرية مقتصر على صفحة ويكي العربية و عدد من تأليف نبيل فاروق !!

* تبدأ القصة بشاؤول كوهين الحلبي المهاجر عام 1914 من الشام لمصر و المستقر بالأسكندرية و في 16 ديسمبر 1924 أنجب ولده إلياهو شاؤول كوهين ، في يناير 1947 حاول الياهو الإنضمام للجيش بدلاً من دفع البدل النقدي المخصص للخروج من التجنيد إلا أنه رفض لأنه يهودي مشكوك في ولاؤه ، في نوفمبر من نفس العام كان الياهو يسجل رسميا شكاوى ضد جماعة الإخوان المسلمين الي كانت وقتها تمارس عمليات تحرش مستمرة بالمصريين اليهود مع حالات حرق ممتلكات و تفجير ممتلكات أخرى لاحقاً مما أقنعه بإستحالة البقاء في مصر ، في العام 1950 هربت أسرة إلياهو من البلاد و إضطر للبقاء لإنهاء شهادته الدراسية بالإلكترونيات ، عام 1951 تم إتهام إيلي كوهين بشاطات معادية لمصر و لكن تم الافراج عنهم و لم تثبت التهمة ثم في يناير 1955 تم القبض عليه ضمن عملية إسرائيلية عرفت بإسم فضيحة لافون بالعام السابق مباشرة لكن تم الافراج عنه لعدم القدرة على ربطه بالاحداث و إن أشارت إسرائيل لاحقا بعد إعدامه لأنه كان جزء من الشبكة بالفعل ، في ديسمبر 1956 هاجر إلى إسرائيل أو بالأصح هرب إلى إسرائيل عبر نابولي.

* في إسرائيل منذ العام م 1957 عمل إلياهو بوكالة مكافحة التجسس ثم سعى للعمل بالموساد لكنه رُفض فإستقال من عمله إحتجاجاً (تم الرفض في ظني لأنه كارت محروق من مصر و لم تكن فكرة طرحه للعمل في الخارج السوري وقتئذن قد ظهرت)  إستقر في عمل جديد بالبريد لعامين و تزوج في أغسطس 1959 بتل أبيب و إستقر في مدينة بات يام ، بالعام 1960 و مع مجئ مائير ياميت مدير المخابرات الأسطوري بإسرائيل طرح عدة أفكار هي التي صنعت لاحقاً يوم 5 يونيو 1967 و كان من ضمنها زرع جاسوس بسوريا (و المفترض آخر بمصر و لكننا لم نسمع عن هذا الشق بشكل مقلق..للغاية !) ليعيد ملف إلياهو كوهين للصدراة فيتم إستقطابه بصعوبة للموساد ثم تدريبة قبل نقله للأرجنتين بإسم كمال أمين ثابت السوري المهاجر ، بديسمبر 1961 و بعد إنقلاب عبد الكريم النحلاوي الموالي للأردن و السعودية ضد النفوذ الناصري باتت سوريا مهيأة لإلياهو كوهين بقيادتها الجديدة و علمها الجديد  (هو -بالصدفة- علم سوريا تحت الانتداب و علم نظام جديد موالي للغرب و علم الجيش الحر اليوم !!) ، عبر الأعوام 1962 و 1963 و 1964 نقل إلياهو كوهين سلسلة صور و معلومات شديدة الأهمية عن الجيش السوري و تسليحه بل و خططه السرية عبر صداقات مع جنرالات الانقلابات المتتالية و علاقات وصلت إلى دائرة أمين الحافظ شخصياً و قد أشيع أنه نائب وزير الدفاع و إن كان الحافظ و الجيش السوري نفوا الأمر مع إقرارهم بأنه كان يستقطب المعلومات كوعاء عسل يستقطب الذباب على حد تعبيرهم ، طوال الأعوام الثلاثة كانت سوريا باب مفتوح لإسرائيل مما أقلق السوريين و السوفييت معاً  و كان الظن بوجود جاسوس إسرائيلي و هنا تدخل الروس.

* طرح السوفييت في دمشق بيناير 1965 و بناء على معلوماتهم حقيقة أن الجاسوس الإسرائيلي يستخدم جهاز إرسال لاسلكي و أيدته المخابرات السورية التي طرحت وجود التقاط إشارات غريبة عبر أجهزة إعتراض سوفيتية حديثة منحت لسوريا أواخر 1964 ، كانت نقطة الارتكاز تدمير المدفعية السورية بنوفمبر 1964 إثر قيامها بقصف المستوطنات الإسرائيلية مما أكد وجود جاسوس خطير و تدخل السوفييت كما أسلفنا لتبدأ عملية تقنية كانت تقوم على فكرة تسمى (صمت الراديو) و هي حالة إيقاف كافة الإشارات بمنطقة واسعة بحيث تكون الاشارة اللاسلكية الوحيدة هي إشارة الجاسوس فإشارات الدولة متوقفة و عبر تتبع تقني سوفيتي للإشارة بتقنية أمريكية / ألمانية (للمفارقة !) تم تحديد مكان إلياهو كوهين و القي القبض عليه في 24 يناير 1965 ، تم تعذيب إلياهو كوهين بشدة و إنتزاع الإعترافات منه بغل سوري ناتج عن مفاجأة كبيرة بأن هذا الشخص جاسوس إسرائيلي و ليس حتى سورياً ، لم تدخر إسرائيل جهداً في محاولة إستعادته بأي ثمن أو مبلغ لكن السوريين رفضوا و حكموا بإعدامه في 8 مايو 1965  وسط  تتالي وساطات بابا الفاتيكان و حكام فرنسا و بلجيكا و كندا لعدم إعدامه لكن تم الإعدام في 18 مايو 1965 أمام 10000 سوري كنوع من التعويض النفسي لسوريا ، تم دفن إيلي وسط رفض سوري قاطع لعودة رفاته لإسرائيل ، في عهد حافظ الأسد توالت ضغوط لعودته لكنه رفض و في عهد بشار الأسد تم الرفض على الرغم من ضغوط تركية إردوغانية في فترة الصداقة مع الاسد و إغراءات لعودة الرفات ( من ضمن ملف إردوغان الشيق عن العلاقات مع إسرائيل !! ) و قوبل بالرفض إلى اليوم و إن كان متوقعاً أن يعود الرفات قريباً..لتغير حكام سوريا القدامي و توقع مجئ حكام جدد (معتدلين).

*تلك قصة إيلي كوهين الحقيقية فما موقع المخابرات المصرية من الإعراب؟

لا وجود للمخابرات المصرية إلا من خلال صفحة إيلي كوهين على الويكي العربية تحت بند (إدعاءات) المخابرات المصرية ثم مواقع تنقل عن بعض مؤلفات الدكتور نبيل فاروق (الحمد لله انها ليست منقولة هي الاخرى من سلسلة الينز أو مسلسل فرينج كغيرها) لكن لا شئ محدد ، مقالات أن من كشفه ضابط مخابرات مصري راحل (عبد المحسن) و معلومات أخرى أن من كشفه رفعت الجمال (رأفت الهجان) و معلومات ثالثة أن من كشفه مخبر قديم بالمخابرات -!!- لكن لا ملف لا إعلان لا أي شئ يشير لدور المخابرات المصرية ، بحثت في صفحة إيلي الاسرائيلية و الروسية و الانجليزية بويكيبيديا فلم أجد إلا المعلومات السابقة ، بحثت بمواقع إسرائيلية عن إيلي كوهين و حملات التضامن معه فلم أجد إلا المنشور سلفاً ، هنا شئ من إثنين فإما السوريين و الاسرائيليين و الامريكان و الروس إتفقوا على إهدار حق مصر أو أن دور المخابرات المصرية غير حقيقي و مصدره كاذب ، يظل إلي كوهين أحد صناع يوم 5 يونيو 1967 و يظل ملفه الواضح بروسيا و إسرائيل و سوريا يشرح القبض عليه بينما نظل ندمن قصة الصدفة المصرية لتي كشفت الجاسوس الاسرائيلي.

للتواصل مع المؤلف : https://www.facebook.com/mahmoud.arafat.7503