* يقف الحاكم على منبره، يخطب خطبه عصماء، يذكر فيها أن (الكفن ليس له جيوب)، وأن (القبر متر في متر) وغيرها من العبارات التي تدمدم قلوب الحاضرين، وتجعلهم من أثر كلماتهم المعسولة يصفقون له ويهللون ويكبرون ويدعون الله أن يتمم عليهم (نصرهم) و(رئيسهم) ودنياهم القادمة التي ستكون مليئه بالفرح والسرور.
* في مكتبه يجلس الحاكم، وحوله يقف (الصحافيين) و(الإعلاميين) ويتنحنح قليلاً ثم يتحدث إليهم قائلاً:
- الدولة المصرية ستظل قوية وشامخة ونحن سنقف ضد من يريدون (تقسيم) وتحطيم الحلم المصري (الثوري) وأدعوا الجميع للدعاء للشهداء الذين أوصلونا لقصر الرئاسة.
في صبيحة اليوم التالي تخرج مانشيتات الصحف..
(الرئيس يقرأ الفاتحة للشهداء).. (الرئيس المؤمن يتمم أهداف الثورة) (الرئيس يقف ضد الأجندات الخارجية)..
ويبدأ الإعلام في التهليل لتصريحات (الرئيس) وتخرج الأغاني المؤيده للرئيس، وتعود صورة الرئيس الجديد لتزين حوائط المكاتب الخاصة والعامة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يبدأ المشايخ والقساوسة في المساجد والكنائس بالدعاء للرئيس (الثوري)..
* في الشارع، يتحول الرئيس تدريجياً إلى (رمز) وتدخل (بوسترات) الرئيس إلى بيوت الفقراء الذين ينتظرون رئيسهم الكثير، ويبدأ التضخيم والتهويل في شرف الرئيس، وفي أمانة الرئيس، وفي نزاهة الرئيس، وتستمر عمليات التهويل مع الانتظار، التهويل مع الانتظار، التهويل مع الانتظار، ويخرج الرئيس من عباءته البشرية أولاً ليحول لرمز لا يهان، ثم أب للمصريين جميعاً، ثم وفي النهاية تكون مكافئته الكبرى والتي يصل فيها عباءته الآلهيه التي تستمر معه إلى النهاية.
***
عزيزي المصري، هذه القصة ليست للرئيس القادم، وقد تكون له!!، تلك القصة كانت قبل عدة (شهور) أو (سنين) أو بعد ذلك بشهور، وربما بسنين، لا يهم الآن تحديد وموعد تلك القصة، ولكن تلك القصة هي قصة خلق (آله) يتعبد فيه المصريين لأن المصريين ومنذ سطوع حضارتهم العظيمة كان للرئيس رهبة، وعظمة، أوصلتاه إلى مرتبة الآله، وهذا لا يخص المصريون في حضارتهم فقط، ولكنه كان لمعظم الحضارات في هذا الوقت نفس الطريقة في عبادة حكامها، ولظروفنا نحن (المصريون) والتي جعلتنا لم تتحرك من جوار النيل العظيم منذ سبعة آلاف عام، ولكون مُناخنا لم يتغير تقريباً منذ بداية الحضارة، ولشخصية المصري العجيبة التي تؤثر على الوافدين وتحوله وتمصره كما تشاء، ولهذا كله، عندما أنزل الله رسائله السماوية، أمنا بها سريعاً لأننا شعب مؤمن، ولكننا مصرناها بطريقتنا نحن، فكان أول (الرهبان) مصري، وغير الإمام (الشافعي) فقهه ليتناسب مع أمزجة المصريين وطبائعهم، وطبائع المصريين لم تتغير للظروف التي ذكرتها سابقاً، ومنها بالطبع (احترام) و(إجلال) دور الحاكم والتي وصلت إلى حد (التأليه)، ولأننا مؤمنين وبحق بالرسائل السماوية، فلم نصرح بذلك على الملأ، ولكننا عبرنا عن ذلك التأليه بالطرق المشروعة فأسميناه مرة (الحكم الأبوي) وأسميناه (أحترام الكبير) وأسميناه (رمز الدولة) بل ووصل الأمر أن أسمينا باسمه مدون وقرى ومستشفيات، وجعلنا من شخص الرئيس (تابو) لا يمكن التقرب إليه بالنقد، أو الاعتراض، أو التجريح، وأصبح ذلك (الحاكم) هو التابو الأعظم أو (الآله) الأعظم، والذي لكي يستمر لابد أن يختلق له (آله) جدد يساعدونه في إدارة رعاياه ومحاسيبه، وأن يشاركاه في جعل عباده عباداً ورعين لا يفكرون في السياسة لأنها ليست من شيم المؤمنين، ومن ناحية أخرى تسبقهم (شهواتهم) إلى فعل الجرائم التي يحتاجون فيها للعفو (الديني) ولو مثلنا (التابوهات) بشخص فستكون الرأس ممثلة في (السياسة) والتي يمثلها الحاكم دائماً، والتابو الثاني ويقع بمنتصف الجسد دائماً وهو (الجنس) وهو الذي يلعب دائماً الدور الأهم، فهو الذي يحرك الشخص في عمل (الخطايا) التي تجعله دائماً في احتياج دائم للتابو الثالث والأخير وهو (الدين) الذي يعطيه دائماً صكوك المغفرة، من ناحية ومن ناحية أخرى يبعده تدريجياً عن الحياة الدنيا ويدعوه تدريجياً أيضاً لعبادة الآخرة، والبعد التام عن السياسة لأنها قد تبعده عن عبادة (الخالق).
ومع نجاح الثورة، وانتخاب المصريين رئيساً ربما يكون (الأول) المنتخب بطريقة شرعية بعيدة تماماً عن (النزاهة) لأسباب لا مكان لكتابتها الآن، حدث شرخ في تلك (التابوهات) ربما يؤدي إلى تصدعها، وربما يزيدها قوة، لقد انتهى (التابوه) الرئاسي، ولكنه معرضاً للعودة وبقوة أكبر لاستمرار شركاه في اللعبة، وتحكم (التابوه) الديني في الناس أكثر، واستمرار (التابو) الجنسي وازدياد نفوذه أكثر فأكثر، وسيحاول الجسد (التابوهي) أن يلتحم بالتحام الرأس إلى الجسد ليعود إلى الحياة.
3 تعليقات على أصنام يعبدونها ويسمونها تابوهات 1 – 3: الحاكم، ذلك الإله الأعظم!
مرحبًا زميلي حمادة،
أنا لست وطنيًا ولا قوميًا، ولكني لا أفهم الشمولية والتعميم إطلاقًا. ولست كذلك متعمقًا في التاريخ أو الأنثروبولوجيا كي أقول أن “المصريين” كانوا ولم يكونوا، لأن مسألة تقديس الحاكم وارتباطها بالمصريين زادت كثيرًا منذ الثورة، ومعظم من يرددها، يرددها عن غير علم. ما الذي يثبت كلامك؟ كما قلت أنت، كل الحضارات القديمة كانت هكذا.
روسيا اليوم تسجن مغنيات فرقة روك لأنهن أدين أغنية ضد الرئيس والكنيسة الأرثودوكسية. أعتقد أن لصق هذه الخصلة بالمصريين دونًا عن غيرهم فيها جور كبير، كما أنني لا أعتقد أننا، أنا وأنت ومعظم متابعي الموقع من المصريين، هم النسل المباشر للفراعنة مثلًا؛ لأن اختلاط الأنساب كان على أشدّه على مرّ كل الحضارات، وقد أكون مصريًا ونسلي لا يمتّ للفراعنة بصلة اساسًا.
تحياتي
شكراً صديقي أحمد زيدان على اهتمامك أولاً.
وثانياً أنا لم أقصد أن أجعل تأليه الحاكم حكراً على المصريين فقط، ولكن ما كتبته عن تجربة التأليه نفسها ولكوني مصري فقد اخترت أن أكتب عن مصر!!
وانتظر صديقي المقالين القادمين عن التابوهات لكي تصل إلى الفكرة كاملة.
تقبل تحياتي
هناك نظرية شهيرة تتعلق بكون الشعوب النهرية, أي تلك التي تتجمع حول الأنهار, تميل بحكم الطبيعة وحكم الاحتياج لقوة مركزية تسهر عىلت وزيع الموارد المائية ومواسم الزراعة , تميل إلى احترام الحكام والانصياع للسلطة وأن فكرة الثورة تظل بعيدة عن مخيلتهم…وذلك بخلاف الشعوب البدوية على سبيل المثال التي تصعب كسر شوكتهم والسيطرة عليهم…فهم أبناء الصحراء يعركونها وتعركهم …وحين يرتبط الأمر بشعب نهري معروف عنه احترام المقدسات مثل الشعب المصري فإنه ليس من المستغرب أن تتحول السلطة المركزية إلى قوة مقدسة كذلك…تبدو هذه النظرية قريبة من الفهم وقادرة على تفسير صبر المصريين لعقود على الحكام وإن جاروا, لكنها تظل في تقديري خلفية لتفسيرات أكثر التحاما بالواقع المصري المعاش مثل تفشي الجهل والأمية بين المصريين, ومثل تفنن الحكام على مر العصور بشغل جموع المصريين باللهاث وراء لقمة العيش وتعمد إذكاء روح التعصب واللعب بورقة الفتنة الطائفية من حين لآخر وإهمال تنمية العنصر البشري عموما…المقالة ساحرة وهامة فتقبل تحياتي