كلما اتوغل في محاولات فهم :لماذا الربيع العربي بلا زهور ؟ اجدني مندفعا مرة اخرى نحو محاولة فهم اكبر لمجتمعاتنا الابويه, مجتمعات الخوف من الالهة/السلطان/ الاب, الى درجه اننا تخلينا عن عقولنا لصالح الخوف هذا, واصبحنا لا ننظر الى الامور لا بالمنظور الاخلاقي ولا التنموي ولا المستقبل وانما بمنظار الخوف وحده, فاصبح ما يحكمنا هو “عالم ثقافه الخوف،” فالانسان عندنا لا يجد نفسه الا ضمن المجموع الذي وجد نفسه ينتمي اليه, ولم يختاره, من الاجتماعي او السياسي, او القبلي او الطائفي او الاسري.

ان مجتمعات الخوف هذه تخلت عن كل امكانياتها العقليه, واصبحت مسيرة بمجموعة من المفاهيم الذكية والمعقده والمتوارثة, فاصبح الفرد عندنا لا يستخدم عقله من اجل ان يحل اية مشكلة تواجهه, بل سيعود بها الى العادات والتقاليد كعنصر قياس اساسي ووحيد, مما خلق حالة من الركود او النوم الازلي او الخمول, فلم يعد هناك حاجة لاستخدام العقل لايجاد الحلول, بل العودة الى ما تقدمه له الثقافة المتناقلة او التي تسمى احيانا ثقاقة “الجدات” .

في هذه المجتمعات يصنف الفرد والجماعات في السلم الاجتماعي على اساس الاولويات في الحصول على المكاسب والحقوق والامتيازات التي لا تخضع لمعيار الكفاءه او النشاط او المقدره الشخصيه, بل لمجرد الانتساب الى فئه معينه او عشيرة او اسرة او مذهب. وهذا مطابق للمنهج العشائري في توزيع المغانم. في مثل هذه المجتمعات, الابويه او مجتمعات الخوف, لا يمكن تحقيق ايه حقوق للاقليات, لان مفهوم توزيع المكاسب منطلق من مفهوم ابوي لدي الفئة المسيطرة ان كانت سياسيه ام اجتماعيه ام دينيه. لان العلاقات في هذه المجتمعات قائمة على العلاقات العموديه وليس الافقيه. بمعنى ان هناك ساده وعبيد, هناك سلطان يجب ان يطاع.

ان هذا الخطاب يجد تجلياته في مخاطبة المواطن العادي للرئيس والرئيس للمواطنين. فالرئيس يستخدم في خطابه مفردات مشتقه من الابويه, جوهر واساس حكمه مثل “ابنائي” او “الرعيه” , ويستخدم المواطن عند مخاطبته للرئيس عبارات من قبيل “الاب القائد” او “الاب الحنون”. ولا توجد في اية بقعة من العالم يقوم فيها الرئيس بتوزيع هدايا من المال العام وتسمى “مكارم” الا عندنا في مجتمعات الابويه. انه بذلك, اي السلطان, يتبع نفس اسلوب شيخ العشيرة, ويحيط نفسه بعدد من الشعراء والمداحين اللذين لا عمل لهم ولا فهم سوى تبجيل ذلك السلطان ” الاوحد” ربما، مما يدل دلالة صارخة على تماهي بين الدين والسياسه, فالاوحد هو سمه الله. ولدينا في التاريخ العديد من الامثلة التي تجعل من القائد السياسي في تماهي مع الالوهية, وهذا ليس من مجال الكتابه الحاليه. الا انني اجد من الضروري ان اخذ مقططف من ابن تيميه عن مكانه السلطان, فهو يقول ” ستون عاما من اِمام جائر اصلح من ليلة بلا سلطان”. اليس في ذلك دليل قاطع على ان السلفيه والتكفيريه هي نتاج اساسي وليس عرضي من الثقافة الابويه.

ان سبب هجوم السلاطين عندنا وخوفهم من العلمانية, العلمانيه بمعنى فصل الدين عن السياسة او الدوله وتحويل العلاقه مع الله الى علاقه فرديه وليس جمعيه, اقول ان جوهر خوفهم مستمد من ان العلمانيه تفقدهم مصدرا اساسيا من مصادر شرعيتهم التقليديه وبالتالي تفقدهم مصدر سلطتهم القمعية التي يخافها المواطن. تلك السلطة المنتجه عبر سنوات من العنف المباشر والعنف الرمزي, مما يجعل المواطن يمتلك في داخلة رقيبا “امنيّا” خاضعا مستسلما خانعا ساكتا, لا يتحرك الا اذا اوعز له من قبل سلطة قد تكون سياسيه او اجتماعيه او دينيه او اسريه او عشائريه.

ملحوظه: عنوان المقاله كتبته بالاسم العلمي للدواء. وكما يفعل الاطباء فان وصفته تكون بالاسم العلمي, اما الاسم المتداول لـ فياغرا فكريه 100ملغرام فهو “العلمانيــــــــــــــه”.