نحن لانملك اى وثائق تاريخية سواء مكتوبه او مرسومة توضح لنا احوال ساكنى جزيرة العرب منذ بداية التصحر وحتى الفترة التى سبقت الاسلام بعدة عقود والتى عرفنا من خلالها الشعر الجاهلى والمعلقات والاحناف والاشهر الحرم ومجتمع مكة فى خطواته الاولى نحو بناء اول تجمع مدنى شبه حكومى فى دار الندوة وتقسيم العمل بين القبائل الذى فرضته ظروف وجود مكه على خط القوافل ووجود البيت واشتغالهم بالتجارة .

ولكننا من خلال علم الاجتماع وعلم المنطق والاستدلال والاستباط والقراءة النقدية لهذه الفترة ، والظواهر الاجتماعية التى ذكرها القرآن وكتاب السير والاخبار نستطيع ان نتعرف على مجتمع جزيرة العرب واعرافه القبلية السابقه على التدوين والاسباب التى ادت اليها ومكانه المراة فى هذا المجتمع .

** ضرب التصحر جزيرة العرب، سواء صح ماقلناه فى الحلقة الاولى من هذا البحث عن اسبابه من اصطدام مذنب الزهرة بالارض قبل ان يصبح احد الكواكب التى تدور فى نفس الفلك او لاى اسباب اخرى ، الا ان النتيجة واحدة فهناك ظاهرة مناخية كانت سببا فى ذلك التصحر وربما فى فناء معظم السكان ، تمر آلاف السنين قبل ان تظهر على الساحة مجموعات بشرية مرتحلة وراء عيون الماء ومواطن العشب والكلأ ، المكون الرئيسى لهذه المجموعات هو صلة الدم ، والارتحال والرعى هو مهنتها ، وتنتج البيئة حيواناتها القابلة للحياة وسط الصحراء فتكون لحوم الضأن هى المكون الرئيسى للغذاء وصوفها للكساء ، وتكون الابل هى وسيلة الانتقال بقدرتها على تحمل الجوع والعطش لعدة ايام .

اذن … تنتج الصحراء قوانينها المختلفة تماما عن قوانين المجتمعات الزراعية :

ــ تنتج لنا القبيلة مايعرف بـ ” حق الدم ” فالقبيلة فى الواحد والواحد فى القبيلة ، وتقوم الحروب بين القبائل من اجل الواحد ، واذا خرح احدهم عن اعرافها او احكام شيوخها يكون خارجا عن حماها ومهدور دمة بين القبائل والذين عرفناهم باسم ” الصعاليك ” .

ــ وحول مضارب القبيلة يكون مايعرف بـ “حمى القبيلة ” فيما يشبه حدود الدول او حقها فى المياه الاقليمية فى العصر الحديث .

ــ ومع الترحال وراء آبار الماء ومراعى الكلأ يتم الصدام والتقاتل من اجل الحياة ، ومع انسان خارج للتو من مرحلة التوحش فى الغابة الى التوحش بالبادية دون ان يضع احدى قدميه على الدرجة الاولى من سلم الحضارة التى خطتها الحضارات الزراعية المحيطة ، يكون السلب والنهب ، يهزم الرجال ويتركون المتاع والمواشى والنساء غنيمة للمنتصر ، ومرة مهزوم واخرى منتصر ، ومرة يكون السابى والسالب ، واخرى يكون المسبى والمسلوب ، حتى اصبح السلب والنهب عرفا فرضته الطبيعة ومنطق الاشياء .

ــ ومع الصحراء الواسعة والتنقل بين فيافيها ووديانها يجد البدوى العالم ملكا له ، فهو لايخضع لسلطة مركزية الا سلطة قبيلته، وخارج حدودها يري العالم كله حقا له ….. حرية مطلقا تجاه الأخر ، القتل حق ، النهب حق ، الغزو حق ، التحايل والمخاتلة حق ، وهنا يظهر لنا مفهوم ” حق الاعتداء ” ويكون السيف هو وسيلة الانتاج فى الصحراء بدلا من فأس الفلاح فى المجتمعات الزراعية ، انها غريزة حيوانية استمدت أصولها من زمن أقدم مرت به البشرية جميعا، زمن الحياة البدائية الأولى، ومن أجل . فــ ” حق الاعتداء ” هو حق قبلي قديم تأصل عبر الممارسة التاريخية فى غزو القبائل بعضها البعض ودهمها واستلابها في حالة قوة الغازي وضعف المسبي، وتعود الكره علي الباغى … وكانت القبائل البد وية تفخر بهذا الحق، فكتبت فيه الإشعار ، وسجلت فيه الانتصارات وملاحم الفخر .

ــ ولما كان الشعر هو ” ديوان العرب ” نجد الشعر الجاهلى وماتلاه قصائد المدح والفخر الوهجاء ، دون اى جماليات سوى البلاغة اعتمادا على وحدة البحر والقافية مع بعض المحسنات البديعية ( الطباق والجناس والتورية … ) والتى فرضتها الثقافة الشفاهية التى تعتمد على الابهار اللغوى والغريب والمدهش متمثلا فى الخوارق والاساطير ( الجن والسحر والحسد والتشاؤم والتفاءل ) فنقرأ :
اذا بلغ الوليد لنا فطاما ………. تخر له الجبال ساجدينا

ونشرب ان غدونا البئر صفوا ….ويشرب غيرنا كدرا وطينا

ولايعلم انه بهذا اصبح منتهب حضارة ومجرد قاطع طريق ، وحملات – التصبيح – من البدو الرعاة على بعض التجمعات الزراعية الصغيرة داخل الجزيرة لسلب ونهب عرق الفلاح معروفة منذ فجر التاريخ والى الآن حيث ينتظر البدوى نضوج المحصول والخروج لجنيه ، فيخرج عليهم البدو مع بدايات الصباح لانتهاب عرق الشهور .

اذن .. من الترحال والتصادم بين القبائل من اجل الحياه ظهر حق الاعتداء البدوى وكانت المرأة ضمن هذا الحق ، فهى لاتركب فرسا ولاتحمل درعا ، ولكنها تشكل عبئا على القبيلة اثناء القتال ، ففى الوقت الذى فرض فيه الممجتمع الزراعى الشراكة الكاملة والعمل الجماعى بين الرجل والمراة ، دخلت المراة فى المجتمع الرعوى ضمن حق الاعتداء البدوى ، فأصبحت ضمن ممتلكات الرجل .

ولما كانت مهنه الرعى لاتحتاج الى اى مجهود بالاضافة الى مايشكله غذائه المكون من اللحوم والشحوم من تقوية الرغبات الجنسية ، ولما كانت الغرائز الجنسية تسمو مع السمو الروحى والاخلاقى الذان لم يعرفهم البدوى طوال تاريخه ، بل ان العكس هو الصحيح ، اصبحت المراة وعاءا للرغبات الجنسية يملأ بها الرجل اوقات فراغه ويدرء بها اوقات الملل ــ وياطولها من اوقات ــ يأتيها متى شاء ، ويتزوج عليها متى شاء ، ويستنكهحا سواء ابا او اخا ويقبض ثمن النكاح ، ويرثها ضمن املاك والده ويزوجها ايضا ويقبض الثمن . ورأينا انواع من النكاح يندى لها الجبين وتخالف كل الاعراف الانسانية حتى على مقاس ذاك الزمان ومنها :

1) نكاح المبادلة ( زواج المهر او البعولة ) : وهو أن يدفع الرجل ابنته أو أخته أو من يتولى أمرها إلى رجل آخر من دون مهر أو حتى أخذ رأيها في الموضوع، مقابل أن يفعل الرجل الآخر الأمر نفسه، وربما أكره أهل الفتاة على الزواج بمن تكره أذا هم ارادوه وربما عضلوها (منعوها من الزواج) وكأنما المرأة سلعة تشترى وتباع بأبخس الأثمان.

2) نكاح المقت الذي يقوم فيه الابن الأكبر (البكر) برمي عباءته على زوجة أبيه المتوفى فيتزوجها إن رغب، وإن كره ذلك يقوم بتعطيلها أي منعها من الزواج باعتبارها جزءا من الثروة أو التركة، وبالتالي ليس للمرأة قيمة سوى اعتبارها جزءا من الميراث، ما يستدعي الحجر عليها حتى الممات .

3) نكاح الاستبضاع فهو أكثر الزيجات فظاعه ، إذ يؤكد فيه الرجل الحط من مكانة المرأة، ويتمثل هذا النوع من الزواج بدفع الرجل لزوجته بعد انتهائها من فترة الطمس إلى رجل آخر ينكحها بغية الحصول على مواصفات معينة للولد كالشجاعة والكرم أو المروءة وغيرها وكأنما يتحول الزوج إلى سمسار لبيع جسد زوجته مقابل الحصول على متطلبات نظرية غير واقعية .

4) نكاح السبي: وهو حق المحاربين المنتصرين في نساء المحاربين المغلوبين ولا يشترط في هذا الزواج رضا الفتاة ولا رضا اهلها وليس فيه مهر.

5) نكاح الاماء: وذالك عندما يشترى الرجل أمة فيكون لها اولاد ان شاء اعتقهم وان شاء ظلوا عبيدا له بالتبعية .

6 ) نكاح الجمع بين الاختين.

7) نكاح الشغار: وهو اباحة الاختلاط بدون قيد بين الخطيبين قبل الزواج بنكاح الشغار فيحق للرجل مباضعة خطيبته فإذا قبل كل منهما الاخر تم العقد .

8) اطلاق حق التعدد فى الزواج بدون حد اقصى : فقد كان للرجل ان يتزوج من النساء متى اراد وبدون حد اقصى حتى جاء الاسلام وقصرها الى اربعة .

كل هذه الانواع من الزواج فيما قبل الاسلام والتى عرفناها بعد التدوين وهى فى مجملها تلخص وضع المراة فى هذا المجتع التى لاتعدو فيه ان تكون مجرد سلعة تباع وتشترى ليس لها اى حقوق بقدر ماعليها من واجب الطاعة والقبول وحسن التبعل وصمت القبور فى مجتمع بدوى ذكورى امتهنها الى حد العبودية المطلقة . ( والملاحظ ان كل هذه العلاقات الزوجية اطلق عليها كلمة النكاح بدلا من كلمة الزواج ليكشف لنا المضمر والمسكوت عنه فى العلاقة بين الرجل والمرأة. )

فمن المساواة بين الرجل والمرأة فى المجتمع الزراعى فى وادى النيل ، الى التبعية للرجل التى فرضتها الهجرات السامية الى بلاد مابين النهرين قادمين اليها بما عرفناه من مكانة المراة فى ثقافة هذه المجموعات المهاجرة من جزيرة العرب والتى قلنا من قبل ان المجتمع الزراعى فى النهاية وقف حائلا دون استعبادها نظرا لمشاركتها فى الزراعة فكانت التبعية بديلا عن العبودية ، الى العبودية المطلقة للمرأة فى بيت الداء هناك فى جزيرة العرب . وجاء الاسلام والمراة على هذا الوضع المخزى … فهل تغير شئ … ؟

والى الحلقة القادمة …