كنت محظوظة لحضوري كلمة للدكتور عز الدين أبو العيش، الرجل الذي رُشِّح لجائزة نوبل للسلام لعام 2009. ألقى الدكتور كلمته في كنيس جالية كاهيلا في أوكلاند بكاليفورنيا، الذي نظّم الحدث مع منظمة “الأمريكيون من أجل السلام الآن” وبرت تزيديك فشالوم. علمت عن الحدث من شبكة الأديان التي أنتمي إليها، وفكرت بأنه يجب ألا أضيع فرصة كهذه للتعلم من هذا الرجل.
بدأت للتو أتعلم عن غزة والنزاع، لذا لم أكن أعرف الكثير عن الدكتور أبو العيش. إلا أنني كنت أعرف بطريقة أو بأخرى في أعماق قلبي أنه يتوجب عليّ حضور الحديث. لقد قضى سنوات عديدة يعمل لرعاية التفاهم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأردْتُ أن أعرف المزيد عن وجهة نظره كفلسطيني يشهد مأساة النزاع كل يوم. الأكثر من ذلك أن مأساة شخصية ضخمة هي خسارة بناته الثلاثة في شهر كانون الثاني/يناير الماضي في هجمة إسرائيلية لم توقفه عن الاستمرار في عمله من أجل لاسلام. أنا متطوّعة في منظمة توفر الدعم في أوقات الحزن، وهي منظمة لا ربحية. كذلك كنت مهتمة في كيف يتعامل هذا الرجل غير الاعتيادي مع الحزن الذي يعتصره.
بدأ الدكتور أبو العيش كلمته بأن عرض علينا بعض شرائح الصور عن بناته، بيسان (20 سنة) وميار (15 سنة) وآية (13 سنة) – ثلاث فتيات جميلات وطالبات ممتازات. عرض بعد ذلك صوراً لبيته المدّمر، الدم على السقف، وأكياس الجثث. اغرورقت عيون البعض بالدموع. عرض علينا صوراً تشبه الحلم، أُخِذَت قبل يومين من مقتل الفتيات عندما أخذهن إلى الشاطئ. كنّ قد كتبن أسماءهن في الرمل، ثم جاءت الأمواج فمحت الأسماء، ولكن، قال أبو العيش، لم تكن الأمواج هي التي قتلت فتياته الثلاث. إنه جنون النزاع المستمر.
يعمل الدكتور أبو العيش طبيب أطفال متخصص في معالجة العقم. كان قد فقد زوجته في أيلول/سبتمبر الماضي، والآن فقد بناته الثلاث. ماذا كان رده؟ قرر أن يبدأ مؤسسة توفر الرعاية الصحية والتعليم للفتيات الأقل حظاً. عن قراره قال أبو العيش (وأنا أعيد ترتيب حديثه): لقد حان الوقت لأن تصبح النساء صانعات قرار. سوف تأخذ النساء المتعلمات زمام القيادة … لن يأتين بالحرب والنزاع.
تكلم عن أمله بأن تتحول خسارته إلى شيء مفيد، وألا تضطر أي امرأة أخرى أن تموت حتى تؤثر على الرجال. ظل يعود إلى موضوع أهمية النساء. قد تكون النساء أقل أنانية من الرجال، حسب قوله. انفجر الحضور مرات عديدة أثناء كلمته بالتصفيق.
تكلّم عن صعوباته الخاصة، بعد أن نشأ في مخيم للاجئين في غزة. إلا أنه نجح في التخرّج من كلية الطب، مثبتا أن الأمور العظيمة ممكنة بالعمل والتصميم. وبالنسبة لقوة العمل لتحقيق التغيير قال: العزيمة ليست كافية. يجب علينا أن نتصرف. أي عمل مهما كان صغيراً يحقق فرقاً. يعيش الشر في هذا العالم لأن الناس الطيبين لا يفعلون شيئاً. لقد حان الوقت لأن يقود الناس القادة، حسب قوله.
طرح شخص من الجمهور سؤالاً حول ما يتوجب على اليهود الأمريكيين أن يفعلوه. أجاب الدكتور أبو العيش: قبل أن يكونوا يهوداً أمريكيين هم بشر. وعندما يدافعون عن بشر آخرين فهم يدافعون عن أنفسهم.
كان هناك سؤال حول كيف يتحمل أبو العيش حزنه. وضع أهمية وتركيزاً كبيرين على عمله وهويته كطبيب يحتاج لأن يركّز على الأحياء وعلى الذين نجوا (أصيبت ابنته شادار البالغة من العمر 17 عاماً إصابة خطيرة في الهجوم)، وعلى عمله من أجل التغيير. قال: عليكم أن تقفوا وتفعلوا أشياء في ذكرى الذين فقدتموهم. كذلك قال أن إيمانه يساعده على البقاء والتحمّل.
كان هناك سؤال آخر حول حق الفلسطينيين في العودة إلى منازلهم في فلسطين. قال أبو العيش أن الوضع خطير اليوم. الناس يموتون. يحتاج الغزيون للإنقاذ قبل بحث أية أسئلة أخرى. كذلك قال أن الأمر ليس أن نكون “مع” أو “ضد”. يعزل المرء بشكل آلي الطرف الآخر بمجرد أخذ موقف. يجب علينا أن نكافح من أجل حل يصلح للطرفين، لأن الجميع أناس يستحقون العيش بسلام وكرامة.
سأل أحدهم كيف يستطيع الانتقال من غزة إلى إسرائيل. بدا الدكتور أبو العيش متهكماً حيال السؤال، وأجاب أن باستطاعة السائل أن يأتي معه وأن يجرّب ذلك بنفسه (وددت لو أنني طرحت السؤال أنا!). كان وصفه لعملية سوريالية تشبه القفز عبر أطواق. يحتاج الدكتور أبو العيش لتجديد إذن العمل الخاص به مرة كل ثلاثة شهور، وأن يُبلِغ عن كل عملية عبور إلى إسرائيل قبل ثلاثة أو أربعة أيام. حتى يعبر الحدود، يقود سيارته إلى أول نقطة تفتيش حيث يتأكد الإسرائيليون من أوراقه. يتوجّب عليه بعد ذلك أن يسير مسافة كيلومتر على طريق رملية إلى بوابة إلكترونية وكاميرا، حيث لا يوجد إنسان في مرمى النظر. تفتح البوابة أوتوماتيكياً. بعد ذلك توجد المزيد من البوابات، مجموعها عشرون بوابة يجب عبورها للدخول إلى إسرائيل. يلجأ الجنود أحياناً إلى الوقاحة. وصف حدثاً طلب فيه الجندي منه خلع ليس الجاكيت فقط وإنما القميص كذلك. رفض الطبيب، فرفض الجندي إدخاله. طلب الطبيب مقابلة الضابط، الذي تمكّن من حلّ النزاع. هل تستطيع تصور الإزعاج؟ يبدو الأمر وكأنه من فيلم ما بعد يوم القيامة لا ترغب في الاستمرار بمشاهدته لأنه محبِط جداً. إلا أن الأمر يحصل حقيقة، الآن.
تحدّث كثيراً عن الكرامة الإنسانية. لا نريد أن ندار عن بُعد، حسب قوله، مشيراً إلى بوابة الرواية الخرافية في الصحراء.
بوجود كل هذا الإزعاج والإذلال والألم والخسارة والمأساة، تأثرت بشدة من تصميم هذا الرجل وإنسانيته. لم أستطع أن أتفق معه أكثر من ذلك عندما قال في نهاية تلك الأمسية: “بيت الضيق يتسع لألف صديق، ولكنه لا يتسع لعدوين”. نحن بحاجة لقلوب وعقول كبيرة، حسب قوله. إضافة إلى الكثير من العمل.
تقوم خدمة Common Ground الإخبارية بتوزيع هذا المقال بإذن من Middle East Youth.
2 تعليقات على وجهات نظر الشباب … بيت الصّديق يتّسع لألف صديق
شيء مؤرّق بالفعل، ولكن هذا الدكتور المثابر لديه تصميم وصبر شديدين…
قصة تذكرني، مع الفارق الضخم، لقصة عايشتها لكاتب وفنان تشكيلي مصري، اسمه أسامة البحر، حيث فقد عائلته في عقار منهار العام الماضي في الأسكندرية، ومن ثمّ أنشأ صندوقًا باسم ابنتيه لمساعدة المنكوبين في أي حوادث مستقبلية…
شيء عظيم…
أشكرك دانيلا
أمر مقرف أن أجد كاتبة يظهر اسمها تحت بند ” فلسطين ” في هذا الموقع المثير للشك .. تتحدث عن المجازر الإسرائيلية بحق شعبي الفلسطيني بأسلوب كاتب غربي يتعرّف للمرة الأولى على مرارة المعاناة الفلسطينية … عن أي ” نزاع ” تتحدثين أنت ِ؟ أتقصدين الهولوكوست الممنهج الذي تمارسه اسرائيل بحقنا ؟
تتكلمين عن ” الفاعل ” في كل المعاناة التي تحدث لنا بصيغة ” المبني للمجهول ” !! .. وإن حدث وتجاوزتِ هذا المبني للمجهول فإنك تلصقين الفعل بـ ” النزاع ” !!؟؟
كوني أي شيء … ولكنك لن تكوني فلسطينية