العلمانية في خدمة الشريعة
ماذا رأيتم من الله حتى تكرهوا شريعته!!؟، هل عِشت من قبل في مكان يُطبّق فيه شرع الله حتى ترفض هكذا بلا مبرر!!؟، سُنة الله ولن تجد لسُنة الله تبديلا فهي أقوم وأفضل الشرائع على الأرض لأنها تكتسِب مُطلقيتها ومصداقيتها من الله عز وجل، الإمتثال لله يجلب الخير والبركة على الأرض فتملأ قسطًا وعدلا، ولن تُصلح البلاد إلا بحكم رب العباد، الشريعة ليست أداة ولكنها منهج حياة، هل تعلم أن النصراني واليهودي بل وحتى الملحد جميعهم يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية لإنها تضمن للناس حقوقهم وحريتهم وأمنهم.. بهذه الجمل الدعائية السطحية، الغريبة واللا منطقية في آن واحد، ينادي الإسلاميين طوال الوقت، ولكن من يتسجيب لهم، ومتي، وكيف!؟.ـ
أعتقد أنه لا جدوى، بالنسبة لي، من تكرار نفس الموقف المُعتاد في هذا الموضوع، والنزول في نفس المياه مرتيّن، فأرتدي عباءة الشيخ وأفتح الكتب التراثية والمعاجم والفهارس والوثائق والمراجع والحواشي لبيان تهافت هذه الدعاوى مثلا أو تفنيدها وإيضاح بُطلان مصداقيتها من نفس مصادرها، سواء بطريق مباشر أو بالتأويل، أو بإستعادة أحداث تاريخية موازية، أو إحضار أمثلة من بلدان مجاورة نعرفها بالإسم والفعل. وربما أرتدي بدلة الحقوقي فأرجع للميثاق العالمي لحقوق الإنسان وبنود حماية الأقليات وحق عدم الإيذاء البدني لأي كائن حي. أحيانا أعتقد بلا معقولية مناقشة المؤمنين حول تجمد وتكلس هذه الأفكار، سواء في الواقع أو في عقولهم، وعدم مناسبتها للظرف التاريخي والإجتماعي والحضاري الذي نعيشه الآن، فالعقيدة معقودة في الأعناق كما في الرِقاب، والشريعة كما الدين، اعتقاد وإيمان وممارسة، ربما جميع المسلمين، وحتى المعتدلين منهم، ولو على إستحياء وربما رياء، يعتبرون الشريعة (ككل) جزء لا يتجزّأ من الإيمان بالله والخضوع لطاعته.ـ
نعم لتطبيق الشريعة الإسلامية في مصر، ولكن على من يريد ذلك، لا تذهبوا للسعودية أو أفغانستان أو إيران لتطبقوها يا حضرات، بل مصر تتسع للجميع، نريدكم معنا هنا، لنرى نتائجها عليكم وعلى حياتكم وإقتصادكم وتعليمكم. هذا الشخص يريد أن تقطع يده إذا سرق، وهذه تريد رجمها إذا زنت، وأخرى تريد ختان نفسها مرضاة لربها وزوجها الذي له الحق أن يتزوج عليها ويملك إماء وجواري أو يطلقها دون أي مُستحقات، هنيئًا لكم كل هذا، هل سأكون رحيم عليكم أكثر من دينكم أو أنفسكم!!؟. ولكن دعني أوضح لك ما أريد، وكل شيء بالدستور بيننا، لأننا سنجعل هناك قانون مدني ومحاكم مدنيّة وقانون شرعي ومحاكم شرعيّة، وهكذا في المدارس والأسواق ومؤسسات الدولة الكبرى، نعم، الأمر ليس صعب، لا أتحدث عن إنقسام، أو دولة داخل الدولة، ولكنها أشبه بدولة ظل أو دولة موازية مُصغرة، أو حقل تجريبي، وكلاهما، أي الجانب العلماني والإسلامي، يعترفان بالولاء والإنتماء للدولة الأشمل وقانونها الأعم وعلمِها الزاهي المرفرف نسره الشامخ.ـ
حق التكليف المجتمعي سيكون متاح لكل إنسان، ذكرًا أو أنثى، تجاوز عمره 18 عام، من خلال الذهاب بنفسه إلى مكان أشبه بالسجل المدني أو مركز الإحصاء المعلوماتي ويطلب منهم أن يُخضِع نفسه لأحكام الشريعة الإسلامية جملة وتفصيلا، أو قوانين الدولة العلمانية، سواء كان مسلم أو مسيحي أو يهودي أو ملحد أو لاديني حتى، ويتم إثبات ذلك في بطاقته الشخصيّة أو في كارت رقمي مُخصص لذلك، عند وصول المجتمع لحد الكفاية طبعًا، وفق برنامج زمني مرحلي متفق عليه بين كل التيارات، وبالتالي نفصل بكل دقة وحسم بين القوانين المدنية ككل وأحكام الشريعة الإسلامية ككل، فكلاهما يحتاجه المجتمع كمطلب واقعي له مشجعيه وطالبيه ومنتظريه، والواقع معيار الإحتكام بيننا.
قد يرجع شخص علماني في قرار علمانيته، نتيجة رؤيته لآل الشريعة ومدى تقدم حياتهم ونبوغ عقلايتهم وعلمهم فيذهب ببساطة ليحوِّل أوراقه وينضم للفريق الآخر لينعم بكل إمتيازاتهم، والعكس صحيح، ولكن التحوُل هنا من نسق/ نظام إلى النسق/ النظام الآخر، لا يتم إلا من خلال إخلاء طرف مُعلن وبعد قضاء فترة زمنية معينة داخل النسق، بحيث لا يكون على الشخص أي قضايا أو جرائم أو متعلقات تمت في النسق الذي ينتمي له ويرغب في الهروب منها.ـ
حادث تحرش بين شاب وفتاة كلاهما تابع للشريعة، يتم الحكم على الفتاة بحسب زيّها وسنها وإستجابتها، ويتم جلد الشاب أو حلق شعره، كل هذا حسبما يرى القاضي الفقيه!!، ولكن نفس الحادث في الجانب العلماني، سيتم تغريم الشاب على ذلك ولا حرج على الفتاة حتى لو كانت تسير عارية. لكن تظهر المشكلة إن كان طرفيّ النزاع مختلفي التصنيف، حيث يكون شخص علماني متزوج من فتاة تخضع للشريعة، أيّ كان دينهما، هنا يفصل بينهما القانون المدني طالما لم يتراضيا على القاضي الشرعي، ويمكننا الرجوع لعقد الزواج حسب نوعه أيضًا للبت في الأمر، وربما مع الوقت يتم عمل لجنة فض منازعات للفصل في قضايا إختلاط التصنيف بحسب تكرار حدوثها كما سيظهر لنا في الدراسات الإحصائية الدورية. هدف الدولة الأول والأخير هو سعادة ورفاهية المواطن.ـ
أعتقد، وربما أجزم، أنه بتطبيق هذا النظام الخاص بالفصل بين العلماني والإسلامي، وتوازي كل منهما في خدمة الإنسان، بحيث تكون منافسة حُرّة بينهما لإيضاح جوهر كل منهما، سيتم الإقلال من جرائم الشرف وختان الإناث وقتل المثليين والملحدين ودعاوى الحسبة والتكفير وإزدراء الأديان، وحرق منازل ومقدسات ودور عبادة المسيحيين والبهائيين والشيعة، ويتم الإعتراف بأبناء النزوات والسماح بنقل الأعضاء والتبني وإكمال الدراسات الخاصة بالهندسة الوراثية، كذلك القضاء على الحالة الضبابيّة في العديد من الرؤى السياسيّة والإجتماعية، كذلك سيتاح بسهولة إمكانية الخروج والتحرر من نير المنظومة الدينية الرسمية، الإسلامية أو المسيحية، وربما مع الوقت يمكن “فدرلة” بعض المحافظات بحيث تُعرف وتصنّف محافظة معينة بأنها شريعية أو علمانية على حسب قوانينها والثقافة الغالبة على سكانها، ومع ذلك ستظلّ تحترم وترحب بأي ضيف أو مقيم مختلف عن التصنيف السائد فيها. في النهاية هذا نموذج تخيلي، وربما يكون واقعي، في دولة علمانية تطبق الشريعة، أو دولة إسلامية تحترم العلمانية، أيهما أقرب للواقع، أيهما أقرب للتصديق!!