ان كل المتغيرات التى تحدث على ساحة المشهد السياسى المصرى هذه الايام لهو مقدمة طبيعية لنوع غير مسبوق من الحراك السياسى الذى لم تشهده مصر خلال اكثر من نصف القرن الماضية تمثل فى الاستقبال الشعبى لشخصية كالدكتور البرادعى سواء ما تم فى مطار القاهرة او عبر منتديات الانترنت الى التفاعل الشعبى معه من خلال لقاءاته التليفزيونية الى استقباله لقيادات وشباب المعارضة فى منزله. مما يعطى ابلغ الاثر على ان مصر شهدت اسبوعا من التفاعل الايجابى المتحضر نحو تدشين حالة حراك سياسى يطمح فى التغيير والاصلاح . مما يطرح اسم البرادعى وبجدارة واستحقاق رقما صعبا جديدا فى المعادلة السياسية المصرية .
السناريو الاول :
يرى البعض ان ما يجرى ما هو الا مسرحية هزلية اخرى مثل تلك التى كانت فى انتخابات 2005 وانها تتم بمباركة ورعاية الدولة الغرض منها هو وضع الشعب المصرى فى حيرة بين المرشحين وان ذلك يعد الهاءا للشعب وتنفيسا لطاقاته لن تفضى الى شىء ملموس وحقيقى حتى ياتى الرئيس مبارك ويحل هذه الحيرة بأعلانه الترشيح لانتخابات 2011 كما حدث فى 2005 وعندها سيفوز بمنتهى البساطة على مرشح المعارضة الضعيف الذى ستنطبق عليه شروط الترشيح وقتها. ويرى اصحاب هذا الرأى ان التغيير هو تغيير مجتمع من اسفل وليس تغيير اشخاص من اعلى وهم ليس عندهم مانع فى استمرار هذا النظام عن طريق الاب او حتى الابن طالما ان هناك اصلاحا يحدث حتى لو كان بطيئا .
السيناريو الثانى
هناك رأى اخر يرى ان الحراك الذى يحدث الان هو حراك مفروض على النظام ولا يستطيع النظام مقاومته لعدة اسباب اولها دخول النظام فى مرحلة الشيخوخة السياسية ولا اقصد بها هنا سن الرئيس بقدر ما اقصد باقى مؤسسات الدولة المترهلة التى لم تعد قادرة على الحركة فالرئيس كان صاحب القرار الاول والاخير وعندما يبتعد عن الصورة قليلا بحكم السن تصاب هذه النخبة الحاكمة بالشلل لانها لم تتعود اتخاذ قرار بمفردها.
ثانيا : ان الدكتور البرادعى ليس كأيمن نور او باقى رجال المعارضة فى مصر فهو شخصية دولية مرموقة وصديق شخصى لزعماء العالم وحاصل على جائزة نوبل وقلادة النيل لذلك فمن الصعب على النظام الدخول معه فى صراع او مواجهة تصادمية مباشرة كما حدث مع وصيف الانتخابات الماضية كما ان اخلاق الرجل وشخصيته الهادئة وديبلوماسيته المحنكة جعلت من الصعب حتى على رجال الحزب الوطنى مجرد انتقاده.
لذلك اميل للاعتقاد ان هذا السيناريو هو الاقرب للواقع وبالمزيد من الجهد والتنظيم لقوى المعارضة وراء هذا الرجل والضغط الدولى للاصلاح سيشكل ذلك ضغطا مزدوجا داخليا وخارجيا قد يفضى الى اصلاحات دستورية قد تمهد الطريق لدخول البرادعى لانتخابات الرئاسة وعندها يمكن للبرادعى ان يكون مرشحا قويا امام الرئيس ولكن بخبرة الدولة فى ادارة العملية الانتخابية ما قد يؤدى الى فوز الرئيس ولكن ليس بنسبة كبيرة كالسابق قد تكون فى حدود ال 70% ويحصل البرادعى على 30% وتضيع على المعارضة الفرصة التاريخية للتغيير لانه بعد انتهاء ولاية الرئيس السادسة لن يكون على المسرح السياسى بحكم السن غير جمال مبارك ورجاله لتولى رئاسة الجمهورية دون منافسة حقيقية .
الصفقة
بما ان هذا الحراك السياسى الحادث الان سيكون حراكا سلميا لن يعتمد على العنف او الثورة فأعتقد ان افضل ما يمكن ان تحققه قوى المعارضة الوطنية هو عقد صفقة مع النظام انطلاقا من مبدأ عدم اقصاء الاخر عن المشهد السياسى واننا جميعا سلطة ومعارضة جزء من تقدم الوطن وان الاصلاح الذى تريده المعارضة سيكون مكملا لما بدأته السلطة الحاكمة وليس بداية من الصفر كما قال البرادعى نفسه فى احد لقاءاته التليفزيونية
بنود الصفقة
1- طالما انه يجب تعديل الدستور فى كل الاحوال فلماذا لا يكون التعديل جذريا بتحويل مصر الى جمهورية برلمانية يحكمها رئيس وزراء منتخب بحد اقصى فترتين رئاسيتين كل منهما 6 سنوات بدون تعقيدات فى الترشيح للمنصب سواء كان المرشح مستقلا او حزبيا .
2- يتم المد للرئيس مبارك لفترة رئاسية على ان يكون له استثنائيا فى هذه الفترة فقط صلاحيات ادارة ملف الامن القومى والسياسة الخارجية متمثلا فى وزارة الدفاع والجيش والمخابرات والحرس الجمهورى ووزارة الخارجية .
3- لا يحق لاقارب الرئيس من الدرجة الاولى او الثانية الترشح لمنصب رئيس الوزراء .
4- يتم استثنائيا فى هذه المرحلة الانتقالية اختيار حكومة تكنو قراط يختار وزرائها رئيس الوزراء المنتخب حتى يتم تهئة اجواء المعارضة للانتخابات القادمة ويكون توزيع الحقائب الانتخابية فيها طبقا لنتيجة الانتخابات التشريعية.
5- يعين رئيس الوزراء نائبا للرئيس مبارك فى ادارة ملف الامن القومى دون تداخل فى الاختصاصات حتى يتمكن من ادارة هذا الملف فى حالة سفر الرئيس.
بذلك يتحقق لجميع اطراف الصفقة الحد الادنى من الطموح السياسى فى ضوء الظرف التاريخى والمعادلة السياسية التى سوف تختلف وقتها .. فالرئيس ستبقى فى يده سلطة ادارة الملف القومى والجيش والسياسة الخارجية و بما يجعله مطمئنا على الامن القومى المصرى ضد اى مغامرة غير محسوبة قد تأتى به المعارضة ويكون قد احدث تغييرا ديمقراطيا يحسب له تاريخيا …والمعارضة ستتمكن من دخول الانتخابات على منصب رئيس الوزراء الحاكم الفعلى للدولة وادارة باقى الوزارات بما فيها الوزارات السيادية الاخرى كالداخلية والمالية والاعلام وتستطيع تحقيق برنامجها الاصلاحى فى التعليم والصحة والاقتصاد وسيكون موقف مرشح المعارضة اقوى من مرشح الحزب الوطنى الذى لن يكون الرئيس او جمال مبارك لذلك سيكون موقف مرشحا محتملا للمعارضة كالبرادعى اقوى بكثير من مرشح الحزب الوطنى ايا كان .