مقال مشترك/ د، أحمد بناني استاذ باحث في الانطربولوجيا الدينية والعلوم السياسية
قاسم الغزالي شاب مدون وناشط علماني لاجئ سياسي بسويسرا

الاحكام المسبقة التي باتت تتغذى منها وسائل الاعلام الغربية اليوم “الاذاعات، القنوات الفضائية، الصحف المنشورة…” وصلت الى مستوى اكثر من سلبي بل مؤلم وسيئ، لانهم يصرحون بان العامل الديني لا يسمح للعالم الاسلامي بالدخول للعصرية السياسية، ونجد ان أغلب هذه الوسائل لم تعد تكتفي بالحديث عن مجموعة الاكراهات التي يعاني منها جسد الربيع العربي لكنها باتت تحكي عن الموت الفضيع للربيع، وخصوصا بعد الانتصارات التي حققتها الاحزاب الدينية خلال الانتخابات الاخيرة ” حزب العدالة والتنمية بالمغرب، حركة النهضة بتونس، والاخوان المسلمون بمصر” والتحليل السياسي الذي تبنى عليه هذه القراءات يضعنا أمام ازمة جديدة للفكر: بحيث انه من المحيط الاطلسي الى الخليج، هذه المسافة التي تمثل 375 مليون مواطن ، رغم ذلك فمن خلال تحليلاتهم خلصوا الى ان الصراع لا يخرج عن عنصرين فقط، انظمة دكتاتورية فاسدة “ملكيات وجمهوريات” أو حركات الاسلامية “الاخوان المسلمين والسلفية الجهادية واعضاء تنظيم القاعدة”. وبصفة مدهشة وصادمة يقومون بالغاء مئات الالوف من الديموقراطيين، النساء، الشباب، المفكرون الاحرار، الفنانون، العلمانيون، المؤمنون واللامؤمنون…الذين بدورهم يقمومن بمظاهرات شبه يومية ضد الانظمة المفترسة والمهملة والغامضة

.نحن كمثقفين وشباب علماني ديموقراطي ليبيرالي ومدافعين ومدافعات عن حقوق المرأة والحريات الفردية والجماعية، نرفض هذا التحليل لكن في نفس الوقت نؤمن بضرورة اثارة النقاط التالية دون الرجوع الى البحث وطرح تاريخ حراك الربيع العربي، نجد ان الاهم هو عرض الفكرة الاساسية للربيع العربي و المغاربي، الفكرة التي تعتمد الجيل الجديد من الشباب كمحور رئيسي في عملية صنع التغيير وطرح كل الامكانات والبدائل الديموقراطية، ومن داخل هذه المجموعات الواسعة نجد بأن أكثر من65 في المئة من هذه الشعوب تتراوح اعمارهم الى أقل من 25 سنة، وهي تطالب ببديل سياسي راديكالي، اما سيكون بديل ديموقرطي علماني -العلمانية هنا ليست دعوة الى تكسير الدين وحضره- وشرعية حكم جديد مبنية على ارادة الشعب، أي أن مسييري الدول الذي من المفترض اختيارهم يجب ان يعينوا عن طريق انتخابات شفافة ونزيهة. ونعتقد بان هذا الجناح الشبابي الذي ينهج هذا المسار له حضوره في الساحة العربية ومن المستحيل تقديره بنسبة مئوية نظرا لانعدام وسائل الاحصاء الديموقراطية، لكننا ندرك وبيقين بانهم موجودون ويناضلون ويقدمون التضحيات من اجل انجاح مشروعهم. وفي نفس الوقت، الى جانب تحركات هذا الجناح يوجد قطاع شبابي هو الاخر يطالب بالتغيير السياسي لكن على أساس نموذج متعلق بالأساس “الثقافي” و “الخصوصية” الاسلامية، لان الحركات الاسلامية وخصوصا حركات مثل العدل والاحسان، الاخوان المسلمين، النهضة، السلفيين… كانت فعلا حركات مقموعة وكانت تدعوا الى العدالة الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، وفي وقت الازمات والمشاكل الطبيعية تكون جاهزة لتقديم المساعدات والمعونات للمواطنين بشكل مستقل وأحيانا فيه سبق عن تدخل الدولة، بالاضافة الى ان انصارها الحقوا بها عوامل جديدة من بينها تجنب الفساد، احترام الأمة والجماعة، محاصرة ومنع الحريات الفردية والدينية، الابتعاد عن تقليد الغرب في كل شيء، اضافة الى الدعوة للحجاب، ونشر الإسلام…

وبعد تحركات الربيع العربي الاخيرة وجد الجناح الاول نفسه في أزمة مفادها انه غير قادر بعد على دعم أسس المواطنة الفردية لانه فقد الامل في التنظيمات والايديولوجيات السياسية الكلاسيكية، ما دفعه ليعيش مرحلة تفكير واختراع ادوات جديدة في النشاط السياسي، وبالتالي فهم بعيدون من الفشل لكنهم يعيشون مرحلة ديناميكية جديدة وهي تظهر من خلال النساء في الشارع معلنات حربهن ضد الحكم الذكوري، مع اتساع حرية نقاش الطابوهات بشكل علني ومفتوح، بل اصبحوا في مستوى كل الشباب العالمي ويأخدون لقضاياهم شرعية أساسية من الكونية السياسية والحقوقية.الجناح الثاني اتيحت له مساحة من داخل منظماته السياسية الاسلامية للتعبير والدعاية لمشاريعهم السياسية، كحزب العدالة والتنمية بالمغرب، والبعض الاخر وجد فسحة جديدة للظهور بشكل اقوى وتحديث ادوات عمله مثل ما حصل مع حركة النهضة التي حصلت على اغلبية المقاعد في المجلس التأسيسي والحكومة التونسية المؤقتة، و جماعة الاخوان المسلمين التي اعلنت عن تأسيس حزب العدالة والحرية الذي شاركت وحصلت على الاغلبية في الانتخابات البرلمانية الاولى بعد سقوط مبارك، وكذاك سباق الرءاسة الذي حسمته صناديق الاقتراع لصالحهم بنسب لابأس بها، ليكون لهم في الاخير منصب رئاسة الجمهورية. وهم الان في مرحلة تسيير الدولة ولايمكننا ان نكون متأكدين او متفائلين بخصوص امكانات نجاحهم، لكننا نرى ان فشلهم في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ستظهر بوادره خلال الاشهر والسنوات القليلة المقبلة.

الدكتاتوريين الذين عارضوا وحاربوا الجناحين بشكل قمعي مباشر تم اسقاطهم، “مبارك، بن علي…” باستثناء ملك المغرب، لكن اسقاط هؤلاء الدكتاتوريين لا يعني اسقاط الدكتاتوريات، ومنه نريد ان نقول بأن المرحلة التي نعيشها هي مرحلة اصلاحية جديدة وليست تاريخية او ثورية، لكن الربيع العربي ما يزال سائرا في طريقه والأمل موجود، فلا من ناحية الانظمة الدكتاتورية القديمة او الجديدة، ولا الحركات الاسلامية التي انتصرت، فانها جميعها استعملت واستغلت الدين سياسيا من أجل شرعنة الحكم، مثلا في المغرب صارت اتفاقيات ما بين حزب العدالة والتنمية والملك الذي ما يزال يعتبر و يقر له كأمير للمؤمنين وحام للملة والدين، وفي مصر قبل الاعلان الرسمي عن فوز مرسي بانتخابات الرئاسة تمت اتفاقيات سرية بين المجلس العسكري وقيادة جماعة الاخوان المسلمين. فاليوم، لا في تونس ولا في المغرب ولا في مصر… الانظمة تعتمد على الشرعية الاسلامية أكثر واقوى من أي شرعية اخرى وتغيب الشرعية الشعبية، ما معناه ان الدكتاتوريات موجودة ومستمرة لكن بوجه جديد، والدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة اعترفوا بهذه الانظمة ويعملون على تأييدها رغم أنها سائرة في خط لا ديموقراطي ولا ليبيرالي، وهذا يفرض على عناصر الربيع العربي أن يفتحوا حوار حول العلاقات مع الحركات الديموقراطية الغربية، وامكانات منح شعبية اكبر لنضالاتنا من أجل اقناع المجتمع الغربي بأننا نخطوا في طريق جديدة وباننا نحن هم اصحاب البديل الديموقراطي الحقيقي وليس حركات الاسلام السياسي، وهذه احدى اهم مسؤولياتنا التي يجب ان نركز عليها في سبيل انتصار الديموقراطية و الحرية والركيزة الاساسية لكل هذا و التي هي العلمانية التي تضمن الحريات الفردية لكل مواطن وتسمح للاقليات الدينية بالشعور بالحرية والانتماء للوطن.

وفي النهاية، وخصوصا لمستقبل الربيع العربي، نجد أن الجيل الجديد من الشباب الذي يمثل روح هذه التغيرات بالعالم العربي يجب عليه الرجوع الى هذه النقطة وتحليلها وفق علاقاتها مع المواطنة ، الحريات الفردية و العمومية، حرية العقيدة والضمير… من اجل بناء مجتمع مفتوح ديموقراطي وعصري، وذلك قبل حلول شهر رمضان وقبل ان تتحرك الحركات الاسلامية لمنحها الفرصة لتمرير مشروعها الغامض على المجتمع من اجل تطبيق الشريعة، وفرض اضطهادهم واقصائهم لكل الاصوات النسائية والحركات العلمانية والاقليات الدينية، فالوضع اليوم يستعدعي منا اعادة احياء نقاش قبل ان يواجهونا بالديماغوجية والعنف والتهديدات والارهاب الخ… لانهم يعتبروننا اعداء نقف امام تطبيق مشروعهم الماضوي ” الشريعة الاسلامية” و مثل هذا النقاش هو امر عاجل وملح وضروري من اجل انقاد الحراك والمطالب الشعبية بالعالم العربي وشمال افريقيا.

اليوم لابد ايضا من تسليط الضوء على المرحلة الجديدة التي يمر منها الربيع العربي، والتي تمثل نوعا من الخطر القائم على المواجهة بين، من جهة الانظمة الدكتاتورية والاقطاعية والانظمة التي تحالفت مع الحركات الاسلامية، ومن جهة اخرى الشباب الذي ما يزال حاملا وحالما بشعارات ضد الشرعيات الاسلامية التي تحارب كل المناضلين المدافعين عن حرية التعبير والاقليات الجنسية والمعبرين عن افكارهم بشكل مطلق وصريح، مما سيدفع بالانظمة الجديدة والحركات الاسلامية المتحالفة معها الى خلق نوع من القمع الخطير، وهو الامر الذي يستدعي منا التوحد من أجل اعلاء اصواتنا ومطالبنا الى محاربة ومحاكمة قتلة شهداء الوطن، دعم الحركة النسوية اجتماعيا وقانونيا، دعم الحرية المطلقة من خلال كل وسائل التعبير الفنية والابداعية للذين يقولون لا لدكتاتورية السماء، رفع كل اشكال التمييز عن المواطنين بسبب هوياتهم الجنسية، الوقوف ضد الاحزاب والجمعيات التي تحارب الحرية الجنسية، الوقوف ضد كل من يدعي ان هوية الدولة اسلامية وبالتالي ف “أكل رمضان علنا” ممنوع…. ومنه فالجناح الديموقراطي العلماني للربيع العربي تلقى عليه كامل المسؤولية من أجل التنسيق بين هذه الحركات والاتجاهات الجديدة التي احيت روح الديموقراطية، من اجل التنسيق ووضع برنامج مستقبلي للدفاع والمواجهة، والدفع باعداءنا الفكريين والسياسيين الى الرد علينا بالكتابات والتحليلات اضافة للاحتجاجات التي يمكننا ايصالها للمؤسسات الدولية والمنظمات الغير الحكومية والمتابعات القضائية امام المحاكم الدولية، فكل هذه هي الوسائل هي التي ستمكننا من مواجهة القمع، حتى تغرب شمس الدكتاتورية وتشرق شموس المواطنة.مقال مشترك/ د، أحمد بناني استاذ باحث في الانطربولوجيا الدينيةقاسم الغزالي شاب مدون وناشط علماني لاجئ بسويسرا