هنا ساتناول موضوع الدولة الريعية, او الدور الاقتصادي الذي لعبه النفط في ترسيخ دور بارز للابوية. ولكن ذلك لن ياخذ هنا حيزا كبيرا, لانني تناولته في مقالات سابقه نشرت على شباب الشرق الاوسط ويمكن الرجوع لها هنا.

مكّن تصدير النفط بكميات واسعار ليس للدولة المنتجه له دورا اساسيا في تحديد كمياته واسعاره. ودخول تلك العوائد بكميات كبيره خاصتا للفتره ما بعد السبعينيات من القرن الماضي ثم حاليا, ادى اولا الى خلق حالة اغتراب لدى السلطة العليا في البلد المصدر للنفط بعدم حاجتها الى ابناء شعبها لانها وعن طريق تلك الموارد تستطيع ان تنفق كما تشاء, وابرز دولتين في هذا المجال بتصوري هما العراق والسعوديه. اما الشيئ الثاني فهو ان المواطنين ينظرون الى السلطه “كشيخ” يوزع الغنائم كما يشاء دون حسيب او رقيب, وهنا تكاملت اللوحه في الدور الابوي ليس فقط على جانب الوعي الجمعي فقط بل تزاوجت مع الدور الاقتصادي فاصبحت تمتلك قوه لم يسبق لها مثيل عبر التاريخ. فالسلطة تستطيع ان تستورد اي شيئ واي شخص ومن اي مكان, فشعرت بعدم اهمية شعوبها.

وهنا يرز تسائل ذو اهميه استثنائيه عظمى: هل سيبقى الحال عما هو عليه ؟

تتطلب الاجابة على هذا السؤال ان نستعرض باختصار خواص سلعة النفط, ويتوجب ايضا كوني مهتم بمستقبل العراق ان اشير الى خواص سلعة النفط العراقي ليس من ناحية تقديم المديح له عملا باسلوب شعراء العشائر.

النفط سلعه ستراتيجيه لعب ويلعب دورا اساسيا في النمو الاقتصادي العالمي, بمعنى ابسط لا يمكن ان نشاهد نموا اقتصاديا من دون الطاقه, وهنا اشير الى ان سعره لا بد ان يكون ملائما, وارجو الانتباه انني لم اذكر ما المقصود بالسعر الملائم. كما ان سعره يتحدد بالدولار الامريكي تحديدا, مما يؤدي الى تاثر مدخولات الدول المنتجة للنفط بقيمة الدولار, او بتعبير اخرالقوة الشرائية للدولار. وهنا يبرز استنتاجين مهمين:

1- ترابط مصلحي بين الدول المنتجه للنفط وبين الاقتصاد العالمي
2- ان مدخولات الدول المصدره للنفط, والتي هي بالدولار, لابد ان تعود الى الدورة الاقتصاديه العالميه مرة اخرى, اما على شكل سلع تستورد من السوق العالمي او ودائع في البنوك العالميه لعدم قدرة البنوك في البلدان المصدره على استيعاب احجام كبيره من الاموال في موطنها, لاسباب تتعلق باساسيات البنوك نفسها.

من جهة اخرى هناك حساسيه مفرطه للعلاقه بين العرض والطلب على النفط. فعرض النفط الخام يتحدد بعاملين : الطاقة الانتاجيه الكامنه والتي تمتلك السعوديه اكبر طاقه كامنه في العالم. والعامل الثاني الانتاج الفعلي. ويبرز هنا عامل كلف الانتاج كعامل متداخل بين الانتاج الفعلي والكامن و وضع الاقتصاد الدولي.

اما الطلب فيحدده عوامل اخرى ايضا لا ترتبط بشكل وثيق بالعرض, واول تلك العوامل هي النمو الاقتصادي الدولي, السعر, الاحتياطي الستراتيجي للدول الصناعيه الكبرى. وعامل مهم اخر وهو الترابط الاقتصادي بين الدول المتطوره اقتصاديا. ولتوضيح العامل الاخير اشير ان النمو الاقتصادي الصيني مرتبط بشكل وثيق بالنمو الاقتصادي الامريكي.كما ان هناك عامل اخر مهم ومؤثر على الطلب على النفط الخام وهو قيمة الدولار نفسه, فاذا كانت تلك القيمة منخفضه, يرتفع الطلب على النفط الا ان ذلك يؤثر سلبا على مداخيل الدول المصدرة له مما يجعلها ترفع من كميات انتاجها فتساهم في تخفيض اسعار النفط بشكل مستمر.

لا يمكن توصيف سوق النفط لا من ناحية العرض ولا الطلب هل هي حالة احتكار.فالاوبك احتكار غير متجانس لا يلتزم اعضاءه بمقررات الاوبك نفسها فهو اقرب حاليا الى ما يشبه النادي الثقافي, وقد ساهم احتلال العراق للكويت في تفتيت الاوبك. اما من ناحية الطلب فصحيح ان هناك شركات عملاقه عالميا الا ان سيطرتها على السوق ضعفت, لان ارتفاع اسعار النفط في السبعينيات ولحد الان اغرى العديد من الشركات واصحاب رؤؤس الاموال الى دخول هذه الصناعة المربحه.

ساتوقف عند هذا التحليل, لكي لا اجعل من الموضوع موضوعا مملا وتخصصيا. ولكن قبل تركه لا بد ان اشير الى هناك عدم تفضيل للنفط العراقي من ناحية ما يسمى بالعوامل” الجيو سياسه”, والتي هي براي العديد من الخبراء ابرز عامل لدخول العراق الكويت.

العراق لا يمتلك موانئ مباشره على البحر, وعبر التاريخ تاثرت كميات تصديره بعلاقاته السياسيه بدول الجوار. فهناك انبوب نفط يمر عبر الاردن الى اسرائيل متوقف منذ سنوات, وخط عبر السعوديه, وخط عبر تركيا, وخط عبر سوريا. لا تعمل اي من هذه الخطوط لاسباب سياسيه بحته عدا خط تركيا, وكذلك التصدير من ميناء البصره. واذا ما افترضنا قيام حرب في الخليج وقيام ايران بغلق مضيق هورمز فلن يتبقى للعراق الا خط تركيا.

ان ما ذكرته هنا, متمنيا ان لا يكون مملا لاخذه المنحى الاكاديمي, اردت منه ان ابين مدى ضخامة الخطر المستقبلي على العراق اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان لا وجود, واعيد لا وجود لاي قطاع اقتصادي اخر في العراق قادر على انتاج سلع وخدمات تشبع حاجيات الفرد الاقتصاديه وتخلق تراكمات ضروريه للمستقبل. لماذا ؟ لان السلطة السياسيه تفكر بوعي شيخ العشيرة المستمتع لحد الثماله بالمداخيل التي تصل اليه دون جهد يذكر الا عند توقيع العقود. تلك العقود التي احيلت الى شركات عالميه لدراسة الجدوى الاقتصاديه لها, فابدت رايها والذي على ضوئه وقعت السلطة العقود. ومن ناحيه اخرى فان تصرف السلطة المنتشيه بالحجم الهائل للعوائد تتصرف حسب مبدأ ” اصرف ما في الجيب ياتيك م…ا في الغيب”, وكانها هنا تتصرف بالعوائد وكانها غنائم حرب ليس الا. وعبر دراسة التاريخ الاقتصادي العربي لا يوجد اي دليل على ان الغنائم خلقت تراكما في الدخل او نمو اقتصاديا.

الخلاصه: لا تحدثوني عن الحريه او الديموقرطيه ..من دون كرامة المراة من دون كرامة المواطن ….من دون قهر الوعي الجمعي للابويه.