إبان أحداث يناير 2011 كان هناك شعار يقلقني بشدة تحت مسمى حل أمن الدولة ، هذا الشعار كان بالنسبة لي صدمة تاريخية فهو مرتبط بحدث قديم في لبنان حمل نفس الإسم و نفس المطلب بنفس الاحداث و كانت النتائج كارثية.

 في لبنان كانت مخابرات الجيش المعروفة بإسم الشعبة الثانية تقوم بدورين أمنيين الأول للحفاظ على أمن البلاد و الجيش و الثاني الامن السياسي المتلخص في ضبط النظام و تحجيم المعارضة و قد شابت ممارساته صفات كالتعذيب و الاعتقال التعسفي و التنصت الغير مبرر و ما يتبعه من ممارسات ، حين وقعت أحداث 1958 التي كانت صراع مسلح بين فئات سياسية متعددة بلبنان بسبب دعاوى الاصلاح المرفوضة من الرئاسة المارونية و بسبب التمدد الفلسطيني و احتمالية وجود تمديد لحكم الرئيس كميل شمعون كانت مؤسسة الجيش نشطة استخباراتيا على الرغم من حيادها بالأحداث و حين انتهت الامور كان قائد الجيش فؤاد شهاب في مقعد الرئاسة ليعود الاستقرار و الازدها مضاعفين و تقفز سلطة المكتب الثاني و قبضته و يزداد الامن و تزداد التجاوزات ، في 1964 تولى شارل حلو المحسوب على النهج الشهابي و استمرت الاوضاع حتى تولي سليمان فرنجية الموالي للنظام السوري في 1970 لتبدأ مرحلة كارثية إذ تولى فرنجية تدمير سطوة و قيادات المكتب الثاني وسط تأييد حقوقي و من اليسار  و الفلسطينيين لنصل لمرحلة انتهاء سلطته و تقلص قوته ، و حين حدثت حادثة البوستة 1975 و ربما قبلها كثيراً اكتشف اللبنانيون ان هذا الجهاز كان الضمان الوحيد لامن بلادهم و استقرارها و انهم بدلا من علاج مشكلاته نسفوه كمن يعاني ضعفاً في عينية ففقأهما لتبدأ الحرب الاهلية و يندم الكل على انتهاء سلطة الجهاز الذي ثبت انه كان الجهاز الوحيد المحافظ حقاً على امن البلاد و مانع للحرب الاهلية و كان سداً تم كسره و معه كسرت لبنان ليعرفوا وقتها أن علاج المشكلة ليس الحذف بل الاصلاح..

لذا حين بدأت الأحداث تابعت بقلق بالغ الطلب الصريح بحل جهاز مباحث أمن الدولة ثم اتهام الامن الوطني بأنه نسخة منه و طلب حله ثم ظهور كطلب كارثي بتحويل الجهاز لجهاز مدني تابع لرئيس الوزراء في موقف هو نسخة من موقف فرنجية التابع للسوريين و الذي أنتج الكارثة ، إن ملفات أمن الدولة كما نراها تشير لدور قوي في حفظ أمن البلاد و كان نموذج الجهاز في انهاء الارهاب عبر اجبار الإرهاب على وقف العنف في عهد العادلي بعد حادثة ارهاب الاقصر 1997 نموذج بين لضرورة الجهاز ، إن جهاز مباحث أمن الدولة جهاز متكرر في كل العالم لكنه يتلون بلون النظام فاستبداد النظام يولد تجاوزات خطيرة و ديموقراطيته يولد نظافة للجهاز ، كان الحل في تطوير و تعديل الجهاز لا نسفه و إنهاء وجوده !

اليوم نرى بوضوح تصاعد لقوى اسلامية ارهابية تقوت بعودة عناصرها من افغانستان و البلقان وسط صمت أمن الدولة الوطني الذي كان بوضوح لا يمكن ان يصمت على هذا الخطأ الامني الفج ، إن الخطأ الثاني كان في الاستهجان و الكراهية لكل تصريح لدرجة أن الجهاز اعترض ذات مرة منذ شهور على موقف معين للحكومة فكانت التعليقات سب و قذف كأن الموساد هو من يعلق و ليس جهاز وريث لجهاز هو الاكبر في الدولة!

إن ما ترتب على إنهاء المكتب الثاني في لبنان لم ينتبه له أحد إلا مع إندلاع الحرب الاهلية و اليوم يتكرر نفس الخطأ و بفجاجة تفوق الوصف وسط عودة علنية لارهابيين و خروج الباقيين من السجون ، مصر اليوم مهددة بعودة الارهاب لأن أمنها الذي يوجد بكل عناصره تقريبا سيبيت بيد حكومة اسلامية قريبة ثم لديها من الماضي ما يجعلها تقوم بإنهاء وجوده بل و بقوة ايمانية كذلك ، إن عودة الارهابيين و خروجهم من السجون وسط رفض للإعتذار عن الماضي و تكوينهم احزاب يدفع لكارثة في نهاية الامر و بدون أمن الدولة لا أمل..الجيش لن يتدخل فنحن نرفع شعار رحيل العسكر و الامن الداخلي بيد البرلمان الذي يديره ارهابيون و أصدقاء آخرون للإرهاب !

اللهم بلغت اللهم فاشهد.