كغيري من الشباب المهتم والمشارك في التطورات الاخيرة التي تعرفها منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط في اطار ما بات يعرف بالربيع العربي والمغاربي، أستضيف من خلال هذه المقابلة استاذ العلوم السياسية والانطربولوجية بسويسرا أحمد بناني، فالتحولات التي باتت تندر وما تزال تحمل في مسارها خطورة نشوب حروب وصراعات أهلية وتطاحنات اجتماعية خطيرة، باتت تستدعي منا الوقوف عند أراء المحلل السياسي الذي بدوره يسهر على عدم تقديم مغالطات تاريخية وعلمية للجماهير، فالشفافية والكفاءة العلمية تستدعي من المحلل السياسي وان كان مناضلا يحمل مشروعا سياسيا ان يلتزم الحياد في عملية التحليل تفاديا لتقديم اي مغالطات تاريخية وعلمية للجماهير.
س: استاذ بناني الكل يتحدث عن الثورة والربيع العربي، فما معنى الثورة في اطار سياقها بالعالم العربي والمغاربي؟
ج: سقوط الانظمة لايعني سقوطا نهائيا للدكتاتورية، و ما يجب ان نفهمه هو ان الثورة ليست حدثا وانما عملية، تتطلب مرحلة مهمة من الزمن حتى نحكم عليها بالنجاح أو الفشل. الثورة الفرنسية بدأت يوم بعد 14 يوليوز 1789 وفي يوليوز 1790 اي سنة من بعد، كان النظام في فرنسا ما يزال ملكيا رغم ان الثورة انطلقت سنة قبل، لكن في 21 يناير 1793 تم اعدام الملك لويس السادس عشر، وكانت في ذلك الوقت جميع الدول الأوربية ملكية، وسنة 1848 القوى التي كانت تعارض الثورة انتصرت من جديد، وبالتالي فالثورة بالعالم العربي تمثل نوعا من زلزال ارضي من المحيط الاطلسي الى البحر الأحمر، وستستمر هذه الديناميكية في التطور، والدليل على ذلك أن اغلبية الانظمة تبدل كل ما في وسعها من اجل ضمان استمراريتها وتعتمد القمع كوسيلة لذلك سوريا وليبيا مثالا، وهنالك انظمة اخرى تحاول أن تؤجل من تاريخ سقوطها عن طريق محاولات ثانية مثل انتخابات، تعديلات دستورية وقانونية… لكن التاريخ حاكم بنهاية هذه الانظمة.
س: هنالك نوع من اليأس وتراجع على مستوى الحماس الشعبي والاحلام التي كانت تعلقها الشعوب على الربيع خصوصا بعد تجربة تونس، مصر وليبيا، و انتصار الحركات الاسلامية بعد هامش الحرية الذي باتت تنعم به. ما تعليقكم على ذلك؟
ج: اننا الان نتحدث عن مفهوم ديناميكية الربيع العربي، الربيع وثوراته يحمل في جسمه بديل جمهوري شعبي ديموقراطي علماني وفي نفس الوقت حامل لحركات اسلامية تطالب بدول تطبق الشريعة بالاضافة لقوات اجتماعية محافظة وليبيرالية ورأسمالية، التي تستعمل جميع الوسائل من اجل حماية مصالحها، وهذه القوى المحافظة حتى تحقق أهدافها تتحالف مع الجيش، وكمثال على ذلك هنالك الجزائر ومصر.. فمرة ثانية، يجب أن يعي الشباب العربي او الأمازيغي او الكردي او اليهودي أو المسيحي بأن الثورة ليست حدث وانما عملية ويجب عليهم الايمان بأن هذه الثورات ليست اخراج هوليودي نضع فيه فنتازيا احلامنا، لأن فهم هذا جد ضروري من أجل استيعاب ان مرحلة الثورة لن تكون سريعة وسقوط الانظمة لن يكون كسقوط قصور اوراق اللعب. وهذه التوجيهات ضرورية حتى لا نقع في ازمة الوهمية، لكن المحلل يجب ان يحتج بقوة على فكرة التعتيم من طرف المسؤولين السياسين الذين يريدون فرض فكرة ان العملية معقدة وان كل حالم بالتغيير هو احمق وبعيد عن الواقعية وكمثال على ذلك، زيارة ساركوزي الرسمية لتونس يوم 28 أبريل 2008 تلبية لعزومة من طرف زين العابدين حيث قال: “افضّل ان يكون لدي دكتاتور كصديق على ان يكون لدي نظام طالباني في شمال افريقيا” وبالتالي فزعماء الغرب كانوا يعتبرون بان الدكاتاتوريين هم مصدر حمايتهم من الاسلاميين والفوضى، وبأن التيارات الاسلامية هي العدو الوحيد للدكتاتورية في اقصاء تام للمجتمع المدني والشباب الديموقراطي الذي نراه اليوم يقود الاحداث. اليوم هنالك ما يؤكد هذا التحليل وهو الثورة المصرية فرغم ساحة التحرير وشعاراتها الثورية بكل التلاوين التي شاركت من نساء واقباط ومسلمين وملاحدة، ونجاح هذه المكونات كلها في اسقاط مبارك من الحكم وقيام انتخابات رئاسية الا ان النظام العسكري ما يزال قائما ويسيّر الدولة وقد قدم مرشحه ويحاول فرضه .. فهل ياترى سنكون واقعيين اذا قلنا بان الثورة المصرية ستنتهي بعد اسقاط مبارك من الحكم والمرور بعملية الانتخابات؟ طبعا لا لكنها ستعلن مرحلة جديدة من مرحل الثورة.
س: يتحدث بعض المحللين السياسين والمتابعين للشأن المغربي عن موت حركة 20 فبراير، كيف ترى الوضع؟
ج: الثورة مستمرة بالمغرب رغم ان هنالك من يقول بأن حركة 20 فبراير انتهت لكن الشارع دائما، يثبت العكس فبعد جمود دام لبضعة اسابيع خرجت ألاف الجماهير بحماس يوم الاحد الماضي بشعارات قوية كان أهمها (من يريد الحرية فليطالب بالجمهورية).
س: بعيدا عن المطالب الاقتصادية والاجتماعية للثورات العربية والمغاربية، ما الذي حملته على المستوى الفكري وما هو تأثيرها على المحيط العالمي؟
ج: الثورات التي نعيشها اليوم تحمل معها تجديدا في الفكر السياسي وفي المعاملات المدنية بجانب مجموعة من التناقضات الدينية والايديولوجية، لكن الاهم هو اننا نلاحظ وجود ارادة للتعايش مع بعض، كما انها تطالب بتجديد العقد الاجتماعي، وتناضل في سبيل عهد جديد للمواطنة مبنية على احترام العدالة، الكرامة، المساواة، الحرية، والديموقراطية. وفي نفس الوقت بينما الدول الاوربية تعيش على ازمة مالية عالمية تخلق نوعا من الانعكاسات الشوفينية والعنصرية، استطاع الربيع العربي ان يخلق روحا جديدة في صفوف الشباب الغربي.
س: لماذا نجد ان هناك دولا استطاعت التعجيل في حسم معركة اسقاط رأس النظام، بينما هنالك دول أخرى ما تزال عملية التغيير بها في مستوى يمكن وصفه بالجامد؟
ج: العالم اليوم يحاول الهروب من اشكال متعددة للاستبداد، والتسلط، وثقافة الخوف.. الربيع العربي حرر الألسن حيث ان المواطنين باتوا يعبرون عن رغباتهم في تقرير المصير، والولوج للمعلومة، و التنمية الاجتماعية.. وهذه الثورات اجدها متشابهة بجميع الدول لكنها غير متعادلة من ناحية السرعة في التحقق، وهذا لا يضمن عدم خطورة العودة للعنف، والانحدار، كما لن يمنع وجود بعض المحاولات التي ستعمل على كسب الجماهير سياسيا، ايديولوجيا ودينيا، فلهذا نؤكد على ضرورة دراسة التعدديات العربية الامازيغية الكردية اليهودية والمسيحية، وأيضا سبل المشاركة في إحياء الحياة الديموقراطية الجديدة، لأننا دخلنا في عهد الحداثة واسئلة العولمة. فالثورة الديموقراطية والاجتماعية التي يعيشها العالم العربي والامازيغي منذ شتاء 2010 تشكل احداث وعمليات تاريخية على المستوى العالمي وبعض المحللين الغربيين يعبرون عن الربيع العربي والمغاربي بثورات 89 ويقصدون به 1989 سقوط جدار برلين و1789 الثورة الفرنسية ولفهم هذا لا بد من ادراك الحدثين ونتائجهما على الصعيد الدولي.
تعليق واحد على أحمد بناني: الربيع العربي والمغاربي ليس اخراج هوليودي
حوار رائع، وإجابات وافية وحيادية وعقلانية لحد كبير عزيزي قاسم.
كل الشكر لك وكل التحية لسيد بناني.