لم تمنع حرارة شمس مايو/آيار المصريين من الاصطفاف الهادئ أمام لجان الانتخابات المتفرّقة في أنحاء الجمهورية للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات رئاسية “نزيهة” تشهدها البلاد في تاريخها، لاسيّما أول انتخابات غير معروف هويّة فائزها مقدمًا.

     في المدينة المختلطة للأحياء والموتى قُرب ميدان السيدة عائشة والإباجية، لم يصوّت الموتى كعادتهم، “ومرّ اليوم الأول بأريحية، نظام وشفافية كاملة”، على حسب رواية السيد كمال مختار، والذي عمِل كمخرج تلفزيوني سابق في ماسپيرو، وهو مبنى الإذاعة والتلفزيون الوطني المُدار كاملًا من قِبل الحكومة.

     قابلنا عقيد عسكري سابق صوّت لشفيق “لأنه حازم، وقادر على قيادة البلاد في هذه المرحلة الحرجة، وإعادة الأمان لشوارعها، غير أنه اشترك في حرب 1973″، على حدّ قول العقيد متقاعد حسن فرغلي الذي أدلى بصوته في مدرسة الجبرتي في مدينةُ الموتى.

     تباينت المطالب بعض الشيء من “منشأة ناصر” لحي الزمالك، لأن همّ سكان المنطقة الأولى الأزليّ هو تحسين أحوالهم الاجتماعية، وإتاحة رغيف العيش لهم، بيد أن مطلب سكان الزمالك الرئيسي، والذين اصطفوا قبالة لجنة كليّة الفنون الجميلة، هو الأمن والاستقرار.

     في منطقة الزبّالين، والتي تقطنها أغلبية قبطية أُرثودوكسية، يدعم معظم الناخبين أحمد شفيق؛ لأنهم لا يرغبون في حكم الشريعة الذي وعد به الإسلاميين، “كي لا تشتعل فتنة طائفية” كما يعتقد مينا فخري، والذي عطّلناه عن عمله لمدة خمس دقائق، حيث كان يفرز القمامة في ساحة كبير.

     فرز القمامة هو عمل نسائي بالأساس في منطقة الزبّالين، وعندما اقتربنا من أم وابنتيها يفترشون الأرض لممارسة عملية الفرز، وسألناهن إذا كنّ انتخبن أم لا، ردّت الأم بأنه ليس لديها بطاقة هويّة، والحال نفسه ينطبق على جارتها، أمّا الابنتان فلم تُكملا السن القانونية بعد للإدلاء بصوتيهنّ، وهو ثمانية عشر عامًا.

     أخبرنا أحد ناخبي منطقة الزبّالين أنه انتخب شفيق لأن شعاره هو “مصر للجميع”. كما أعرب ناخب آخر عن قلقه من أن يفكّ الإسلاميين معاهدة كامب ديڤيد إذا بلغوا كرسي الرئاسة، مما قد يهدد مصر إقليميًا.

     هرعنا للجنة مدرسة التوفيقية بشارع شبرا، روض الفرج، عندما أكّدت بعض وكالات الأنباء مقتل عرّيف شرطة، ولكن بات الخبر قديمًا بعض الشيء بالنسبة للأهالي، لأنه وقع في مساء يوم الثلاثاء، 22 مايو/آيار، أي قبل موعد إجراء الانتخابات، وليس في صبيحة الأربعاء كما أشاع البعض، كما أن السبب الرئيسي كان شِجارًا بين سائق توك-توك وسائق ملاكي، قُتل في إثره عرّيف وأُصيب اثنان آخرون، بحسب شهود العيان.

     فنّد ناخبًا آخر في شبرا، لم يعلن عن هويته، ما أُشيع حول دعم الكنيسة لمرشحين بأعينهم دونًا عن الآخرين، مشيرًا إلى أن الكنيسة “أتاحت للشعب القبطي حرية كاملة في اختيار مرشح الرئاسة الذي يرونه الأصلح في الفترة القادمة.”

     عمّ خيري هو بائع متجوّل كبير السنّ يحنّ لثورة 1952، ويقول أنه “حان الوقت لتشغيل المصانع المتوقّفة لإنعاش الاقتصاد”. ويبتسم عندما يذكر أن هذه هي أول مرة يُدلي فيها بصوته في الانتخابات الرئاسية؛ لأن في عهد مبارك، “كانت البطاقات تُسوّد لصالحه… أمّا بعد الثورة، فلا مكان لمثل هذه الأساليب.” ويضيف أنه “بغضّ النظر عن هويّة الرئيس القادم، سوف ننتخب غيره بعد أربع سنوات، إن لم يكن على قدر المسؤولية.” يضيف عمّ خيري كذلك “أن عدد انتهاكات حقوق الإنسان كانت بالجملة في عهد مبارك، ونأمل ألا يتكرر هذا مجددًا.”

     عائلة مصرية، مكوّنة من أم وأب وابن يدرُس الخدمة الاجتماعية، انتخبت كلها المرشح “الناصري” على حد تعبيرهم، وكان همّهم الأول هو إتاحة الطريق للشباب في المرحلة القادمة، ورفع الأجور، وضرورة توفير عدالة اجتماعية.

     تُعدّ هذه التجربة تاريخية بكل المقاييس للمصريين، بغضّ النظر عن أي شكوك حول نوايا المجلس العسكري، أو شفافية العملية الانتخابية، أو حتى ضبابيّة مهام الرئيس القادم في ظلّ عدم كتابة دستور جديد بعد.

     ينتظر العالم معرفة هويّة الرئيس القادم الذي يجب أن يفوز بأغلبية مُطلقة للأصوات، 50% من نسبة الناخبين، أو قد يحسم الأمر جولة إعادة يوميّ 16 و17 يونيو/حزيران، قبل إعلان النتائج النهائية في الحادي والعشرين من الشهر نفسه.