للأسف الشديد فى عصرنا الحالى عندما يفكر معظم الفتيات فى الزواج لا يفكرن فى العمل زعماً منهن أن ديننا الحنيف قد حدد وظيفة المرأة بتربية الأبناء لكنى أرد عليهم بأن الناس قد عرفوا الله بالعقل وبأنه لابد أن نعبد الله بالعقل وصحيح أن هناك عبادات الأصل فيها الاتباع ولا يجوز فيها استخدام التفكير فيها ولا تعديلها كالصلاة مثلاً لكن هناك أشياء فى حياتنا تركها الله تعالى لتقدير عباده ؛ فقد قال الرسول –صلى الله عليه وسلم – : ” أنتم أعلم بشئون ديناكم ” ، وصحيح أن وظيفة المرأة الأساسية هى رعاية شئون المنزل وتربية الأبناء لكن عمل المرأة ليس محرماً شرعاً ولا مكروهاً ومن أدلة ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة خديجة وهى تعمل بالتجارة؛ وأرى أن عمل المرأة فى عصرنا هذا ضرورة وسأثبت ذلك بالآتى:

تفكر الفتاة فى الزواج لقضاء شهوتها الجنسية وتفكر فى الإنجاب لقضاء شهوة الإنجاب لديها ولا تفكر فى إعالة الأبناء مادياً باعتبار أن ذلك ليس عملها وإنما هو عمل زوجها .

وتفرح البنت عندما يطلبها رجل للزواج ويبهرها المهر الغالى الذى سيدفع لها وأنها ستعيش فى بيت ستكون هى سيدته وتبهر بأن طلباتها مجابة من الأثاث الفاخر وكل ما تريده من فخفخة فى تجهيز منزل الزوجية ، وتفرح جداً بأنها تنال ذلك دون أن تفعل شيئاً ودون أن تبذل أى مجهود لنيل ذلك فكل ما دفع الرجل للزواج منها إما جمالها الذى منحها الله إياه دون أن تفعل شيئاً وإما حسبها الذى منحه الله إياها أيضاً دون أن تفعل شيئاً ، ونادراً ما يكون الدافع دينها أو مالها وإذا كان الدافع مالها فغالباً ما تكون قد ورثته دون تعب منها أيضاً ؛ وقد يكون مستوى البنت الفكرى متواضعاً جداً (وقد رأيت أمثلة واقعية لذلك ) وكنت أحسد الفتيات على ذلك النعيم الذى ينلنه من أثاث ومسكن فاخر دون مجهود لكنى بعدما رأيت نتيجة ذلك علمت أن ذلك الموقف لا يحسد عليه وسأوضح ذلك جيداً .

لم تضع الفتاة أى احتمال فى أن زوجها قد يطلقها بعد إنجاب أطفال منها والقانون المصرى للأسف لا يحمى حق نفقتها ونفقة أبنائها الحماية اللازمة لأنه يقرر نفقة ضئيلة لا تجدى وعبء إثبات دخل الزوج يكون على الزوجة ، كما أن البنت لا تضع احتمالها فى أن زوجها قد يضايقها فتطلب الخلع منه وحينها سوف تتنازل عن كل حقوقها .

ما ذنب الابن الذى يولد فلا يجد مالاً كافياً للمأكل والمشرب والملبس الملائم بسبب أن أباه قد تخلى عنه والقانون لا يحميه الحماية الكافية وأمه لم تعمل حساب الدهر وتقلباته إنما كانت قصيرة النظر لم تفكر إلا فى شهوتها ؟! والأخطر من ذلك أن فتيات كثيرات من ذوات التفكير الشهوانى يتزوجن من رجال فى منتهى الفقر وينجبن منهم أبناء كثيرين بحجة أن الرزق على الله .

قد يحتج بعض الفتيات بحسن الاختيار والثقة فى الزوج لكنى أرد عليهم بأن البشر متغير وبأن الثقة مفتاح الخيانة وبأنه لا صواب لمن يظن أنه قد عرف شخص ما حق المعرفة لأن أى إنسان متعدد الشخصيات فقد يكون الإنسان شخصا فى العمل وشخصاً آخر فى المنزل وشخصاً آخر فى معاملة من يكون تحت سلطته فقد صدق القول ” إذا أردت أن تعرف رجلاً فأعطه السلطة ” وهناك صفات فى الإنسان لا تظهر إلا فى ظروف معينة ؛ فمثلاً قد يكون لديك دلو به بنزين وأنت تحسبه به ماء ولا تكتشف أنه بنزين إلا حين تشتعل النيران وتسرع إلى الدلو لتطفىء النيران بما به من ماء فتجد النيران تزداد اشتعالاً؛ ومثلاً هناك فقير لا يشرب الخمر ليس لأنه ملتزم ، لكن لأنه لا يملك مالاً لشراءه .

يقول تعالى : ” وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ “الأنفال60) ، ويقول الشاعر :

” تحياتى لمجتمع السلام وكفى ممسك بيد الحسام
فإن مالوا لسلم فهو سلم ترف عليه أسراب الحمام
وإن مالوا لحرب فهى حرب تشيب لهولها رأس الغلام ” .

لذا أرى ضرورة عمل المرأة وإصرارها على الاستقلال بكيانها والاعتماد على نفسها لتأمين مستقبلها ومستقبل أبنائها . وقد يكون الحل فى فرض القانون نفقة كبيرة على الزوج أو الأب لكن ماذا إذا كان الزوج فقيراً فعلاً وحتى لو حجز على راتبه كله وأمواله كلها ما غطت النفقة وحينها سيحبس الزوج لكن الحبس ليس حلاً كما أنه عقوبة غير رادعة ردع العقوبات البدنية فلو حكم على الزوج بعقوبات بدنية إذا لم يسدد نفقة الزوجة والأبناء التى يقررها القانون كبيرة بحيث تكفل طيب العيش للزوجة والأبناء دون أن تتعلق بفقر أو غنى الزوج سيردع ردعاً شديداً وسيفكر كل رجل ألف مرة قبل أن يتزوج ومليون مرة قبل أن ينجب أطفالاً .

دعونا نعود بالتاريخ للوراء ونرى نظام ” ليكورجوس ” فعندما تولى حكم إسبرطة فى أواسط القرن السابع قبل الميلاد جعل الدولة جهاز حرب مهمتها تنحصر فى تخريج وتربية الجنود الأقوياء الأصحاء وتنشئة البنات بحيث يصبحن أمهات جسورات ينجبن أبطالاً ، وعد “ليكورجوس ” الأطفال ملكاً للدولة لا ملكاً لآبائهم وكان الصبى الإسبرطى ينتزع من أسرته متى بلغ السابعة من عمره ويربى من قبل الدولة لذا من الملاحظ أن ” ليكورجوس” لم يترك أحد يفعل شيئاً على هواه وإنما كانت البلاد كلها تسير على هوى ” ليكورجورس”، وبالرغم من تعسف هذا النظام وضيق أفق صاحبه فقد وصفه ” أفلاطون ” بأنه أقل أنواع الحكم فساداً ، وإن ما يعجبنى فى المثال السابق هو أن الأطفال كانوا ينشئون من قبل الدولة فى ظروف واحدة ؛ لأنى أتحسر حينما أرى طفلاً يولد لأب فقير وفى ذات الوقت أرى طفلاً يولد لأب غنى ويعيش فى ترف ويتلقى أحسن تعليم ومأكل ومشرب وملبس على عكس الآخر وما ذنب هذا الآخر ولد الفقير ؟! وما ذنب من ولد لأب قاسى القلب يعذبه ويضربه ؟! .

لذا أتمنى أن يكون للابن المتضرر من قسوة الأب أن يختار أن تربيه الدولة على أن يقنن القانون ذلك فيقنن نفقة باهظة يدفعها الأب للحكومة ويقنن القانون عدم استطاعة الأب منع ابنه من طلب التربية من قبل الدولة وحينها كما سبق أن ذكرنا سيفكر الرجل مليون مرة قبل أن ينجب أطفالاً .

لأن الشر فى الإنسان طبيعة فكان طبيعياً أن يسىء معظم الناس استخدام السلطة إذا ملكوها ولكن هذا أمر يمكن حله أو على الأقل يمكن اتخاذ إجراءات لمحاولة حله ومن هذه الإجراءات المطبقة فى بلادنا اشتراط كرم الأصل فيمن يتولى السلطة وحسن سيره وسلوكه ، ووضع ضوابط لذوى السلطة فى عملهم تمنعهم من التعسف إنما المشكلة الكبرى تتمثل فى تعسف الآباء مع أبنائهم والأزواج مع زوجاتهم .

إن الرجل عندما يتزوج امرأة فإنه فى الغالب لا يتزوجها لأنه يحبها لأنه فى الغالب يتزوج أنثى لم يعرفها ولم يحبها من قبل ، وإنما عندما أراد الزواج بحث عن فتاة تناسبه وتزوجها لإشباع رغباته العديدة وبالتالى لا تنتظر منه أن يكون همه إسعادها أو راحتها ولكن همه سيكون سعادته هو وراحته هو وإشباع رغباته ، وعندما ينجب أولاداً فإنه لم ينجبهم إلا لسعادته ولإشباع شهوة الإنجاب لديه وعندما يربيهم لا يكون همه سعادتهم وإنما يكون همه سعادته هو وفخره بهم.

إن أهداف الإنسان دائماً تكون فى الأشياء التى تسعده لا فى الناس مطلقاً وتكون همه مصالحه لا مصالح الناس ؛ لذا فجدير بالذكر أن الأب والأم حين يشقيان فى رعاية أولادهما ويبذلان كل ما فى وسعهما من طاقة فى ذلك لا يكون لهما أى فضل على أولادهما لأنهما لم ينجبا أولادهما إلا إشباعا لشهوة الإنجاب لديهما وعليهما بر أبنائهما وإعطاءهم حقوقهم فى الرعاية .

وجب ذكر ما سبق لأنى لاحظت الكل يتحدث عن وجوب بر الأبناء بالوالدين ويغفل وجوب بر الوالدين بالأبناء.

محمود عبد القادر
www.mahmkd.net.ms