كانت حفلة رائعة من كل الوجوه. وكان من بين الضيوف ( النجمة إيزادورا ( وكانت شديدة الجمال اضافة الى الكاتب دنكان والكاتب المسرحي الأيرلندي جورج برنارد شو. وقد تمكن دنكان بطريقة ما من أن يجلس كل من برنارد شو والجميلة ايزادورا للعشاء متجاورين. و .تملكت يزادورا زمام اللحظة فالتفتت إلى شو متسائلة: »كم يكون مدهشا لو أنجبنا طفلا له ملامحي وذكاؤك «? وفكر شو في هذا الاحتمال وأجاب قائلا: »نعم ولكن ماذا لو أن الطفل كان له ملامحي (أنا) وذكاؤك (أنت)؟؟!!

وهكذا سادتي فإنه حتى من قبل أن تصبح الوراثة علما كامل النمو فإنها كانت تجبرنا دائما على أن نتخذ أحكاما تقو يمية . فالآباء يأملون أن يرث أبناؤهم ما يعتبرون أنه »أحسن « ما فيهم من صفات وراثية، ويبتهلون في الوقت نفسه ألا تصيب أطفالهم لعنة الصفات العائلية غير مطلوبة. فقد كوّن الناس لأنفسهم منذ البداية أفكارا واضحة عما يشكل الجينات الجيدة والجينات السيئة وعلى الطرف الأقصى نجد أن أسوأ الجينات هي أسهل. وكمثل لذلك فإن الجين الذي يمنع الجنينر من النمو ليصبح وليدا حيا هو ولا شك جين ضار بالصحة. وفي كل حالات الحمل فان واحد من خمسة حالات حمل تذهب الى الاجهاض.


عندما يصبح السيئ جيدا

في بداية القرن التاسع عشر كان من السهل تقرير أي الجينات جيد او سيئ فبالنسبة لنوع من العثة يتواجد قرب مانشستر اسمه العلمي بستون بتيولاريا Bis-ton betularia . وحتى تحمي هذه العثة نفسها فإنها أنشأت لجسدها وأجنحتها لونا رماديا فاتحا اما بلون الصخور وجذوع الأشجار في المنطقة. ويفترس هذه العثة طيور الدُّج ونقارْ الخشب وذوات القشرة وكلها تستخدم نظرها لتحديد مكان طعامها وصنوفه. وكلما بدت العثة كأنها جزء من مكونات البيئة المحيطة بها اصبحت غير قابلة لأن تؤكل وبالتالي لا تثير اهتمام مفترسيها وازدادت فرصتها في البقاء حية. ومن الواضح إذا أن الجينات السائدة التي تلون الجسم بلون رمادي فاتح هي جينات جيدة لأنها تساعد العثة على البقاء حية. وقد أمكن الإمساك بأول نوع أسود من عثة بستون بتيولاريا في مانشسترعام 1848 .

وسبب الامر هو سلالة طافره نتيجة جين ‘ متنح ‘ غامقي اللون تواجدا معا في الحشرة نفسها. ولم يكن لمثل هذه الحشرة أي فرصة للبقاء. على أنه حدث في السنوات الخمس التالية أن بدأت تظهر سلالات العثة السوداء بأعداد أكثر وأكثر. فيبدو أن التصنيع .ا سببه من سناج وتلوث قد أخذ يغير من لون البيئة المحيطة بالعثة. فبدت العثة ذات اللون الفاتح فوق خلفيات البيئة الغامقة كأنها مصابيح في الليل J فالتقطتها الطيور التي تفترسها بسهولة. وهكذا فإن جينات اللون الرمادي للجسم، والأجنحة التي كانت ضرورية جدا للعثة طيلة خمس ‘ سنة مضت أصبحت الآن خطرة عليها.

وتضاءل عدد حشرات العثة ذات اللون الفاتح بينما زاد عدد حشرات العثة ذات اللون الغامق. وبحلول عام 1895 أصبح ما يقرب من ثمانية وتسع ‘ في ا لمائة من حشرات العثة التي تعيش حول مانشستر ذات لون أسود. وتكررت هذه الظاهرة نفسها في ا لمناطق الصناعية بأ لمانيا وبولندا والإمبراطورية النمساوية وشمال أمريكا. وأصبح جين ‘ اللون الأسود للجسد والجناح هو الجين ‘ السائد، ويبدو الآن أن البندول يرتد ثانية فمع ما نقوم به من تنظيف لأقدار الصناعة أخذت الأشجار والصخور تصبح رمادية اللون مرة ثانية. وهكذا أصبحت العثة السوداء فجأة في وضع غير موات J فأخذت تفسح الطريق ثانية للعثة الرمادية. هذه العملية من البقاء ا لتطور والانتقاء الوراثي تتناول كل كائن حي بما فيه الإنسان. فكثير من الجينات الهامة لها القدرة على أن تكون مفيدة أو ضارة حسب الظروف التي تظهر فيها. فقد يكون ضرب مع ‘ من الجينات غير مرغوب فيه في وقت أو مكان بعينه ويصبح مقبولا في وقت أو مكان آخر.