الخوف أبدي!

إن المعاملة الفظيعة لآلاف العمال المهاجرين العاطلين عن العمل في الخليج هي تذكير رصين بأنه يجب النظر إلى الأزمة المالية العالمية ليس كتهديد لتدفق التحويلات النقدية فحسب بل أيضا كتهديد لحقوق الإنسان الأساسية للعمال القادمين من جنوب آسيا.

صوفيا فاربر، دبي، هاردنيوز

إن ازدهار قطاع العمار في دول الخليج المسؤول عن خلق عشرات الآلاف من الأشغال للعمال القادمين من جنوب آسيا خلال السنوات الستة الماضية أصبح حاليا خاضعا للتجميد. ومزيج الأزمة المالية (أزمة الائتمان) مع أسعار النفط المنخفضة عمل على إحداث كارثة لاقتصاديات دول الخليج، وكان سوق العقارات الأسوأ تأثرا من جراء هذه الكارثة. حتى أن مطوري العقار الإماراتيين الأكثر اندفاعا وطموحا اضطروا للاعتراف باللذعة التي يتعرضون إليها واضطروا لفصل العمال وتقليص المشاريع.

بالفعل، نحو 50% من كافة المشاريع التجارية والسكنية التي كان من المخطط إتمامها في دبي بين 2009 و2012 تم إما إلغائها أو تعليقها نتيجة للطلب الضئيل عليها وصعوبة الحصول على التمويل. وبينما أدى الانكماش في النشاط التجاري إلى تحقيق خسارة فادحة لعمالقة العقار في الخليج فإن التأثير الأكبر هو على المهاجرين الذين يوظفونهم مقابل أجور متدنية. تعمل دول جنوب آسيا حاليا على تقوية نفسها لتحدي سقوط في التحويلات النقدية القادمة من دول الخليج وعودة آلاف عمال العمار العاطلين عن العمل. وفقا لتنبؤات البنك الدولي، قد تنخفض أجور عمال جنوب آسيا في الخليج بنسبة 9% في عام 2009 نتيجة إلى السوق المتدهور بالمقارنة مع ارتفاع بنسبة 38% عام 2008. وفقا للقنصلية الهندية في دبي، قامت عدة شركات عمار في الإمارات العربية المتحدة بحجز مقاعد عدة على الطيارات لإعادة نحو 30000 عامل غير مرغوب فيهم إلى ديارهم لأجل غير مسمى أو نقلهم للعمل في دول أخرى في الخليج، ومن المتوقع حدوث تقليص إضافي في الأشغال.

لكن تدهور التحويلات النقدية ليس السبب الوحيد الذي يدعو إلى القلق تجاه آلاف العمال القادمين من جنوب آسيا والعاملين في المنطقة. إن الأوضاع الاقتصادية الأكثر قسوة تشير إلى خطورة حقيقية عند بدء شركات العمار بقطع العلاقات وتقليل أجور وإسكان العمال والعجز عن تنفيذ أنظمة السلامة.

في حين احتمالية تعرض سعر مواد البناء إلى ارتفاع وإيجاد صعوبة في الحصول على التمويل خلال فترة ما بعد الأزمة المالية، يبدو أن حياة الإنسان هي أحد الأمور التي تستمر شركات العمار في احتقارها.

لدى شركات العمار القائمة في الخليج سجل ضعيف للحفاظ على حقوق العمال في أحسن الأوقات. كما قام متعهدو العمار في الإمارات العربية المتحدة والبحرين بتجاهل الحظر المفروض على العمل في مواقع العمار بين الساعة الثانية عشر ظهرا والرابعة من بعد الظهر عندما ترتفع درجات الحرارة لغاية 50 درجة مئوية في فصل الصيف. وفي كثير من الأحيان نرى العمال يمارسون عملهم من غير ارتداء القبعات الواقية أو العدة المناسبة لتأمين السلامة. في البحرين، لقي 37 عامل مصرعه خلال العام الماضي من جراء حوادث تمت في مواقع العمار، وخلال أول أسبوعين من عام 2009، تم التصديق على أول حالة وفاة.

سيتارام موراليدار، مواطن هندي يبلغ من العمر 42 عاما، لقي مصرعه بعد أن تلقى ضربة بلوح خشب كان قد وقع عليه من الطابق العشرين من بناء تحت الإنشاء. وتقرير لاحق للحادث أصدرته وزارة العمل في البحرين صرح بأن شركة العمار التي عملت على توظيف موراليدار كانت قد انتهكت القانون بفشلها في توفير العمال بمعدات ملائمة للسلامة. أما دبي، التي تعد المركز الأساسي لازدهار قطاع العمار، ربما لها أفظع سجل في المنطقة من حيث توفير السلامة في مكان العمل، وقد تم تسجيل نحو 900 وفاة في قطاع العمار بين عامي 2004 و2007.

أما الإحصائيات الصادرة عن السفارات والمتعلقة بوفيات العمال المهاجرين النيباليين الذين يعدون قادمين جدد نسبيا إلى سوق العمل الخليجي، فهي مزعجة على حد سواء، وهي مؤشر مروع لحالات العمل والمعيشة السيئة التي يضطر الكثير من المهاجرين إلى مواجهتها. نحو 700 نيبالي لقوا مصرعهم في دول الخليج عام 2007، ونسبة 49% منهم من جراء “أسباب طبيعية” والباقين من جراء نوبات قلبية، انتحار وحوادث عمل. ووفقا للتقارير، إن النوبات القلبية منتشرة بين العمال النيباليين إذ أنهم غير معتادين على العمل الشاق تحت درجات الحرارة الصحراوية.

وجانبا إلى الوفيات، يواجه العمال المهاجرين العاملين في قطاع العمار نزاعات مستمرة تتعلق بأجورهم وأحوالهم. ويتم الطلب منهم بشكل روتيني تسليم جوازات السفر الخاصة بهم إلى موظفيهم في حين وصولهم، وكثيرا ما يجدون أنفسهم مجبرين على العمل بأجور أدنى من تلك المنصوص عليها في عقودهم.

السيد نك مكجيهان، العضو المؤسس لمجموعة حقوق الإنسان “ما في واسطة” التي تعمل في مجال الدفاع عن حقوق العمال المهاجرين في الإمارات، يعتقد أن الدلائل المستقبلية لأوضاع العمل في الخليج ستزداد سوءا نتيجة للأزمة الاقتصادية. ويقول مكجيهان، “لن يعد هناك وجود للعمل، ولن يتم إصدار العقود، وحتى سيكون هناك اهتمام أقل لأوضاع العمال.” فبينما تضيع الأعمال حتما في قطاع العمار، قد يجد العمال أنفسهم في “أرض قفار قانونية”، يقول مكجيهان. إن عملية إعادة العمال المهاجرين الغير محتاج إليهم هو عمل باهظ الثمن، وهو يخشى من احتمالية تجاهل الشركات المفلسة لمسؤولياتها في تسديد ثمن إعادة العمال إلى ديارهم. وقد يؤدي ذلك إلى ترك آلاف العمال مهجورين في الخليج يفتقرون إلى المال الكافي للعودة ديارهم أو لإذن عمل ساري المفعول يمكنهم من إيجاد عمل بديل.

تعمل الشركات على نحو متزايد على استخدام الأزمة المالية كعذر لفشلهم في تطبيق القوانين الجديدة التي تنص على حماية سلامة العمال، ويدعون أن خلق إجراءات جديدة هو أمر مكلف للغاية. أما شركات العمار في البحرين، الدولة التي تعد من بين الدول الأكثر تقدما في المنطقة من حيث حماية حقوق العمال، أصبحت الآن تجر أرجلها لتفعيل حظر على الممارسة الخطرة المرتبطة في نقل العمال في شاحنات مفتوحة.

في بادئ الأمر، قامت الحكومة باقتراح هذا الحظر في شهر تشرين الثاني عام 2007 بعد أن تم اكتشاف مقتل 8 عمال وجرح عدد لا يحصى منهم خلال النصف الأول من العام المذكور من جراء حوادث سير مرتبطة بالشاحنات المفتوحة حيث يكتظ العمال كالماشية. والقطاع الخاص تفاعل بغضب تجاه اقتراح الحكومة الذي نص على منع نقل العمال في شاحنات مفتوحة ابتداء من شهر كانون الثاني 2009. حتى أن أحد كبار رجال الأعمال ادعى بشكل مفرط أن هذا الحظر سيكلف قطاع العمار أكثر من 1 بليون دولار (أو ما يعادل 131.8 بليون ريال) لشراء حافلات حديثة، وكما يبدو أن هذا عبء غير مقبول نظرا للوضع الاقتصادي. تم تنفيذ الحظر في بداية العام بالرغم من الاحتجاج العنيف، ولكن الشركات عملت على دفع ولاء كاذب ضد الحكم الصادر.

تقول السيدة إسراء الشافعي، نشيطة مقيمة في البحرين تعمل في مجال حقوق الإنسان ومديرة مد أيست يوث (منبر إقليمي للتدوين) “إن الحظر المفروض على نقل العمال في شاحنات مفتوحة بعيد عن التنفيذ”. وتضيف أنه “عوضا عن الشاحنات المفتوحة، قامت بعض الشركات بإحاطة الشاحنات بألواح خشبية التي هي في ظني غير مريحة على الإطلاق وفي نفس الوقت خطرة. وهذه محاولة حقيرة “كحل” للمسألة.”

ويبدو أن الحكومة مستعدة لصرف النظر عن الانتهاكات المرتكبة ضد القانون الجديد. وشرحت السيدة إسراء الشافعي “كوننا ناشطين مهتمين في شؤون المهاجرين، لا نعرف ما يمكننا فعله. فإن التجأنا إلى الحكومة، ستدعي أن القانون قائم والأمر يعود للشركات إن رغبت في الالتزام به. وإن التجأنا إلى الشركات، ستزودنا بالتبريرات ذاتها التي عملوا على استخدامها لسنوات عدة و هي أن المسألة مكلفة للغاية وغير ضرورية.”

انصرف النقاش في مسألة تأثير الأزمة المالية على العمال المهاجرين للتركيز بوجه خاص على انخفاض التحويلات النقدية ينما يتم تجميد فرص التوظيف الخارجي. وهذا الأمر متوقع فيما يتعلق باقتصاديات دول جنوب آسيا مثل بنجلادش ونيبال وباكستان التي تستند بشكل كبير على التحويلات النقدية كمصدر لادخار العملات الأجنبية. تشكل التحويلات النقدية حاليا نسبة 15.5% من إجمالي الناتج المحلي في نيبال و9.5% في بنجلادش حيث تزداد المخاوف تجاه تأثير التباطؤ في التحويلات النقدية على استقرار الاقتصاد الكلي.

ومع ذلك، يبين المنظر من الشوارع وأماكن العمار في دول الخليج أن أوضاع العمل الملحة تشكل تهديد للعمال المهاجرين. وهناك خوف كبير أن تصبح دول الخليج مكان أخطر من أيما وقت مضى للعمال المهاجرين المتبقين إذ أن شركات العمار تنظر إلى الحقوق الأساسية والسلامة كمجرد مجال آخر لتخفيض الإنتاج إلى معدل سابق. إن المعاملة الفظيعة للعمال في الخليج هي تذكير رصين بأن لا يتم النظر إلى الأزمة المالية العالمية كخطر على تدفق التحويلات النقدية فحسب بل أيضا كخطر على حقوق الإنسان الأساسية.

هذه المقالة مترجمة عن مقالة صوفيا فاربر عن العمال المهاجرين.