الفرد فى أى مجتمع عبارة عن ثلاثة حزم متفاعلة ,الحزمة الأولى هى الماضى المتمثل فى الأسرة ,المجتمع ,المدرسة ,النادى ,التليفزيون ,الإعلام بوجه عام وكل ما يستطيع النفاذ إلى عقل هذا الفرد الطفل والتأثير فيه , والحزمتين الأخرتين هما الحاضر وصيرورة التطّور الملازمة للحياة بشكل عام , واليوم لنعود للوراء قليلا ونأخذ مثل واضح وجَلّى عن الفرد العربى الطفل فى واحدة من أشهر أغانى الطفولة والمستمرة
إلى الآن ,حيث لم أرى أى أم عربية لا تغنى هذه الأغنية أو حتى تستخدم تعابيرها بشكل أو بأخر فى أى يوم بسيط وبدون أدنى تعمد !
هّمْ المّمْ يا روحى ياللا جايبالك مّمْ , كُل وإكبرلى يا روحى ياللا هّمْ المّمْ
الغذاء لا شك هو مطلب رئيسى أساسى لأى كائن حى , كما أنه واحد من العوامل الحفازة للتطّور البشرى بشكل عام , وحينما كان الإنسان القديم يحاول تأمين الغذاء للحفاظ على حياته وضمان إستمراريته فالإنسان الحديث تخطّى حاجز الغذاء كمصدر للطاقة وكمصدر للإستمرار وتعامل مع الغذاء كشهوة فى حد ذاته وربما الإرتفاع الملحوظ فى نسبة السِمنة فى القرن الواحد والعشرين أكبر دليل على النشوة الناتجة عن الغذاء وبالنسبة للفرد العربى تحديدا الغذاء ليس الغرض الرئيسى فقط بل هو الحياة والدليل واضح فى شخصية العربى بشكل عام فهو ميّال إلى الأكل والإسترخاء وأمانه محصور عادة فى “لقمة العيش” ألم يتّربى هذا الفرد المسكين على ذلك فلقد أوهمته أمه أو مربيته أن الهّمْ  المّمْ حتما هو السبيل الوحيد لكى يصير كبيرا , ولكننا فوجئنا أن الكبر الجسمانى ليس دليل إطلاقا على الكبر العقلى والحياتى !
مرة سألت الإستاذ أرنب ليه ما إنتاش لابس نضارة , قال طول عمرى ظريف ومؤدب وآكل من غير ما أعمل غارة
علىشان بآكل أقدر ألعب وأجرى أسرع من الطيارة…
وزمان قالوا الجزر بيقوّى النظر رحت أنا واكل مّمْ…
وهكذا تخبرنا الأغنية أن الإستاذ أرنب لا يرتدى النظارة لأنه ظريف ومؤدب ويأكل بدون غارة وربما المقصود يأكل بسرعة وبدون لّح من الأم المسكينة التى غالبا تجرى وراء أطفالها فعليا من أجل إطعامهم فى العادة ! , وبغض النظر عن ظرف وأدب الإستاذ أرنب وعلاقة هذا بالنظارة فبمجرد ترديد ذلك المقطع أمام أى طفل حديث نسبيا سوف يستنكر مباشرة أن يرتدى الأرنب نظارة وهنا تأتى فى ذاكرتى مشاهد من قصة قصيرة للاستاذ “يوسف إدريس” حينما إرتدى حمار الفلاح فى القصة نضارة وأصبح فحل جنسيا وينقّض على أى حمارة مباشرة بمجرد إرتدائه النضارة لدرجة أشعلتْ غيرة الفلاح وجعلته يسارع لإرتداء النضارة علّه يسلك مسلك حماره !
هل لذلك علاقة بكثرة إرتداء النظارة فى العصر الحديث ؟ حتى النظارة أضّحت تقليعة فى فترة ليست بالبعيدة , ربما  !
وبغض النظر عن الحمار والأرنب ومدى قدرة النظارة , لماذا فعلا لا يرتدى الأرنب نظارة ؟  فهو قادر على الجرى واللعب ويستطيع الجرى بسرعة تتجاوز الطائرة !
ربما السر فى الجزر ….
والست زرافة قلتلها جايبة الظرف دة كله منين , هزّت راسها وهزت ديلها وقالت بعيونها الحلوين :-
أيها خضرة بشوفها باكلها وأمضغها بين الفكين…
وزمان قالوا الخضار بيخلينا كُبار ويخلينا خُفاف الدم …
وهكذا عثرنا على المفتاح الرئيسى لخفة الظّل التى أضحت نادرة بما أننا جميعا فى سبيل أن نكبر ضحينا بكل شئ وأصبحنا لا نبحث سوى عن “لقمة العيش” السحرية التى ستجعلنا كبار وتقوى نظرنا بل وسنجرى أسرع من الطائرة , رغم أن معظم العرب يستلقون سريعا بعد الوجبة الرئيسية ومعظمهم يستلقى بعد أى وجبة ! , ولكن السيدة زرافة  على طريقة “هيفا وهبى” قامت بهز رأسها وذيلها فى حركة لولبية وحدّدتْ سبب الظرف وحسرته فى الخضار حيث أن أى خضرة تقع فى زاوية رؤيتها تأكلها وتمضغها بين الفكين , وياللعجب فعلا لقد أصبحنا ثقال الظّل بمجرد تخلينا عن الخضار وربما للزاءدة الدودية علاقة عكسية بين ضروريتها وخفة الظل , حيث أنها فى الإنسان الحديث مجرد زائدة ولكن إن كانت ضرورية لكنا خُفاف الظل بكل تأكيد …
دعوة إلى التخلّى عن اللحوم والتوجه إلى الخضار … الخضار يا عربى !
مرة سألت الفيل النونو إنت كبير قوى ليه ومتين شال زلومته وقال بعيونه :-
أنا بأكل وألعب تمارين والبرسيم بيشّدنى لونه أكله كله غذا وفيتامين …
وزمان قالوا إذا إهتميت بالغذا تبقى متين وسريع الفهم …
وها هو عزيزنا الفيل وبغض النظر عن أنه لا يوجد فيل “نونو” إلا أن الخيال مطلوب , يقوم بإمدادنا بروشتته السحرية بعدما إستعرض عضالاته القوية ورفع زلومته المغرية فى حركة أكثر إغراءً ليصيبنا جميعا بنوع حميد من “الأورجازم الطفولى” الذى ينعش الفكر ويخصّب الخيال أنه يلعب تمارين بعد الأكل مباشرة وأن البرسيم مصدر سعادته , وبغض النظر عن توجهنا كعرب مؤخرا إلى المراكز الرياضية للقضاء على الكرش والبعض الآخر يلجأ إلى مراهم الطبيعة العجيبة وشاى الدكتور الصينى الشهير الذى يطّل علينا دائما فى شكل إعلانى سخيف على كافة الفضائيات التليفزيونية إلا أننا فعليا نحزو حزو الفيل حيث التمارين لا تؤثر مطلقا ! , ربما السر فى البرسيم ؟ , لا أدرى ولكن لطالما إعتقدنا أن العلاقة قوية بين الحمار وبين الإنسان حيث كلمة حمار الكلمة الأكثر إستخداما لوصفنا البعض ولكن الإختلاف الوحيد أننا لا نأكل البرسيم ربما يجب علينا من الآن مشاركة الحمار برسيمه لنكون حميراً من كل قلوبنا …
وبالنسبة لعلاقة الغذاء بالمتانة وسرعة الفهم لن تحتاج منى الإطالة عليك فى سرد الأمثلة  عزيزى العربى ولكن كفى بمجتمعنا العربى دليلاً.
وهّمْ المّمْ يا روحى ياللا جايبالك مّمْ…