في غضون الأسابيع القليلة المتبقيه سأذهب لإستكمال إجراءات التجنيد بدءا من الكشف الطبي و إنتهاءا بتحديد موقفي بترشيحي سواء ضابط أو عسكري ( هذا إن تم التعنت معي في الكشف الطبي ).

المرة السابقه عندما ذهبت إلى منطقة التجنيد في الموعد الذي حددوه و بعد إنتظار دام أكثر من ثلاثة ساعات في إنتظار الضباط و فتح القاعة لنا للجلوس فيها تم إستدعائي و 2 آخرون دونا عن الآخرين لمقابلة أحد الضباط في غرفة تقع وراء ديسك الإستقبال ليقلب في أوراقي و يقول لي ” إنزل خلص ورق الكليه الإفاده دي مش عاوزينها ” بالرغم من أن الإفاده قانونا سليمه و لم تعطيها إلي الكليه إلا بعد الإطلاع على الشهادة الأصلية , و بعد مجادلة إستمرت حوالي 10 دقائق حاولت أن أشرح له أن مجلس الجامعه لن ينعقد إلا يوم 15 مارس المقبل ليصدر القرار الرسمي بإستخراج الطلبة الخريجين للشهادة .. فأعطاني 4 أيام إبتداءا من الخميس إلى يوم الأحد و قال ” مش مشكلتنا روح بات على باب رئيس الجامعه  و تطلع في ميعادك ! ”

تلك المقدمه كافيه لبداية لسلسة من التعنتات التي سوف أقابلها عندما أذهب إليهم مرة أخرى , و بناءا على ذلك سوف أقدم على الخطوه و بشجاعة لأرفض تجنيدي إن تم إجباري على تأديته بناءا على معتقداتي التي أؤمن بها و أسعى إلى تطبيقها بإعتراضي على الخدمة العسكرية الإلزامية في مصر.

 

1- الرفض بناءا على الأفكار و المعتقد :

إيماني بأهمية أن نعيش في عالم مثالي خالي من المؤسسات العسكرية التي تستخدم الأفراد وقودا لحروب سواء أكانت قائمة على خلافات سياسية بين الدول أو على خلافات فكرية دينية متطرفه لا أرغب أنا كفرد أن أكون جزءا منها , قد يوجه البعض إلى إنتقادات بأني أعيش في خيالات مثاليه و أن تحقيقها ضرب من الخيال و الإستحاله و لكنني أدلل أن الثورة المصرية نفسها قامت تنادي “سلميه .. سلميه ” و جسدت مثالا رائعا و تطبيقا مثاليا لسياسات اللاعنف بالرغم من إستخدام النظام السابق العنف تجاه المتظاهرين و قد رأينا أيضا تمسك الثورة اليمينه و السورية لخيار السلميه برغم العنف الشنيع الذي يتعرض له الناشطون في تلك البلاد , حتى الغرب في إحتجاجاته في أسبانيا و وال ستريت “أمريكا” نقلوا تلك السلميه من ثورتنا.

لقد عاش الفرد في العالم يرى الإنتهاكات ضد الإنسانية التي مارستها الجيوش بدءا من الحرب العالمية الأولى و الثانية مرورا بالغزو الأمريكي لأفغانستان و العراق و إنتهاءا بقمع التظاهرات في البحرين و سوريا ! , لقد أيقن الإنسان الخيار السلمي عندما رأى إنقلاب العنف عليه ! , فالعالم القادم هو العالم المثالي السلامي بعيدا عن الحروب فمثاليتي تتحق.

تحقيق مبدأ الإعتراض الضميري الذي أؤمن به بشده و أرفض تماما أن أتحول إلى مجرد ترس في منظومة العنف و إستمرار مسلسل إراقة الدماء عندما تريد الحكومة ذلك , أرفض تماما أن أحمل سلاح و أوجهه إلى أخي الإنسان مهما وصلت إختلافاتي معه إلى الذروة فإختياري بعدم حمل السلاح إنما بذلك أخترت للإنسانية ما أخترته لنفسي

حق الإعتراض الضميري أقرته كافة الدول الأوروبيه و تركيا تتجه الآن و بشده بعد تغريم الإتحاد الأوروبي لها ب 15 ألف يورو لسجنها مواطن قرر إستخدام هذا الحق و رفض التجنيد في بلاده , لماذا لا نطبق هذا الحق في بلادنا إحتراما لحق الفرد في الإعتراض على أداء الخدمة العسكرية طالما هو إختار ذلك ؟!

إعتراضي الشديد لإجباري على أداء شئ لا أقبله فالفكرة هنا تتناقض مع فكري الليبرالي الذي يقوم على مبدأ أساسي ألا و هو حريتي في الإختيار , حريتي في إختيار ما إذا كنت أريد أن أصبح مواطنا مدنيا أم فردا عسكريا , حريتي في إختيار مستقبلي و الطريق الذي سأسلكه بناءا على ما أريد , و لذلك أرفض تماما أن تصادر مني الدولة أو أي فرد كان ذلك الحق الإنساني الذي كفله لي الدستور.

نعم أنا أجرؤ على تحقيق ما أؤمن به و أعتقد فيه و لن أصبح أداة في يد تلك المؤسسة العسكرية التي تتحكم في مصائر المواطنين و مستقبلهم و تفرق بينهم , نعم سأرفض تجنيدي حتى و إن أدى ذلك الأمر إلى الإنتهاء بي معتقلا في إحدى سجونهم الحربية !

 

2- الرفض بناءا على منهج المؤسسة العسكرية المصرية :

المؤسسة العسكرية المصرية تحتاج إلى إعادة هيكلة جذريه بدءا من “المجلس الأعلى لآلهة الأوليمب” إلى أصغر جندي مصري فيها , من هنا أتحدث عن إصلاحات لابد من القيام بها بأسرع وقت ممكن , فإذا كان الفساد إنتشر في ظل النظام السابق كاملا فلابد أنه طال تلك المؤسسة التي تحميه , و لعلنا قد سمعنا عن صفقات الأسلحة التي يتاجر فيها كبار القادة العسكريين و أموال المعونة العسكرية التي لا تعرف الدولة عنها شيئا بسبب عدم خضوعها للمسائلة المدنية و عدم وجود أجهزة رقابية بإمكانها فتح الملفات الماليه و الإدارية لتلك المؤسسة , الأمر الذي يجعلني أشكك في نزاهتها و فساد قياداتها.

لم يعد يخفى على أحد أن المؤسسة العسكرية هي النظام الذي خرجنا مطالبين بإسقاطه , فمبارك لم يكن أبدا إلا رأسه فقط و الإطاحة به كانت فقط للإبقاء على المنظومة التي تتحكم فيها المؤسسة العسكرية منذ عام 1952م و بدأ تغلغلها في المجتمع المصري ضمن خطة عسكرة مؤسسات الدولة التي كان يتبعها عبد الناصر و السادات و مبارك , لذلك يجب علينا أن ننتبه لنوقف الزحف العسكري الذي يهدد مدنية الدولة و توجهاتها , كل هذا لتظل مصر تحت قيادة عسكرية و تبعية للمؤسسة العسكرية , و لن تتنازل بأي شكل من الأشكال تلك القيادات التي تدير المؤسسة عن مناصبهم أو مميزاتهم أو الوضع الإجتماعي الذين يحظون به منذ تولي الجيش إدارة العملية الإنتقاليه في مصر , على الأقل سيحمون مصالحهم الفرديه و ليست كما يدعون مصالح البلاد , فأصبح الجيش يدار و كأنه عزبة مصغرة للوضع المصري أيام حكم الرئيس السابق !

كيف نحترم مؤسسة لا تحترم كرامة الإنسان و تسعى إلى تحقيره و تفتخر بأنها تتحكم في عقليات و إتجاهات الرأي العام و كأنها هي الدولة كاملة ؟ , الفرد العسكري الذي تخرج منها تربى على أن يكون مغرورا و علمته أنه الطبقة الأعلى في الدولة .. يعني تكريس واضح لسياسة الطبقية التي شهدناها جميعا بعد الثورة في معاملاتنا معهم , فقد إنتهزوا الفرصة و ظهر للجميع مدى سيطرة العسكر على جميع المؤسسات الأخرى و تحكمهم الكامل في المؤسسات الدينيه أيضا …. لقد حان الوقت لإيقاف ذلك , رفضي للتجنيد في تلك المؤسسة ضربة قاضية لغرورهم و إنتصارا للمدنية التي أحلم بتحقيقها في مصر.

هل ننسى المجازر و الجرائم التي إرتكبها الجيش المصري ضد المتظاهرين أمام ماسبيرو و محمد محمود و بورسعيد و تورطه المفضوح مع النظام السابق في أحداث موقعة الجمل و حوادث أخرى كثيرة تعد جرائم ضد الإنسانية , هذا على الصعيد المحلي أما ما حدث مع الناشط السياسي محمد عوض مفتاح المنتمي لحركة 6 أبريل بعد أن تم تجنيده في صفوف الجيش المصري من تعذيب واضح أدى إلى مقتله و الضغط على أسرته بدفنه دون تشريح  بدون أي محاسبة للمتورطين في هذه الجريمة البشعة … كيف لي أن أنسى كل ذلك ؟! , و أن أنخرط في نظام يخدم أهداف أشخاص يطمحون في الإنقلاب على مصر و في سبيل مايريدون يتحول الجيش كاملا إلى مؤسسة قتل الثوار ..!

 

3- كيف نضغط على المؤسسة العسكرية لتقويمها :

لن تنجح الثورة المصرية في تحقيق أهدافها إلا إذا ترجمنا أفعالا على أرض الواقع , فالدولة المدنية لن تتحق في وجود مؤسسة عسكرية تسيطر بالفعل على عقول مجتمع بأكمله , على مستقبل شباب يتخرجون من كلياتهم كل عام ليجدوا أنفسهم مجبرين على أداء خدمتهم العسكرية موهومين بأنهم بذلك يقدمون أرواحهم فداءا للوطن و يصطدمون بالواقع بأنهم يقدمون خدماتهم للضباط و القيادات فقط , لابد أن يعود الجيش إلى مهمته الأساسية و هي حماية حدود الوطن التي أخترقت بسبب إنشغال القادة العسكريين بالعمل في الشئون السياسية.

كيف نخرج بمجرد هتافات “يسقط يسقط حكم العسكر” موقنين بذلك أننا نناضل من أجل أن نسقط الحكم العسكري من على مصر بدون أن نتحرك بشكل فعلي و جاد على أرض الواقع لإسقاطه ؟! , حان الوقت للضغط و الرفض للخدمة العسكرية الإجبارية بشكل منظم و مؤثر لإجبار العسكر إلى الرجوع لثكناته و رفع يده عن التدخل في شئون مصر السياسية , ذلك التدخل الذي خلق حالة من الفوضى السياسية بدون رسم خارطة واضحه لكيفية الإنتقال السلمي للسلطة إلى حكومة مدنية منتخبه تمارس سلطاتها بعيدا عن سلطة العسكر , الأمر أيضا الذي أدى إلى وقوع ضحايا مدنيين طالبوا بإبعادهم عن الحياة المدنية.

لقد حانت اللحظة التي نترجم فيها أقوالنا إلى أفعال , بإعتمادنا الكامل على شريحة الشباب التي صنعت الثورة و التغيير و طالبت بمدنية الدولة , فرفضك للتجنيد في المؤسسة العسكرية هو نوع من أنواع الغضب ضد الممارسات الشنيعة التي قام بها الجيش تجاه كل رجل أو إمرأه , كل عامل و كل طالب , كل شخص سقط قتيلا برصاص الجيش أو تحت عجلات مدرعاته. أرفض!

نعم سأرفض تجنيدي في مؤسسة قتل الثوار من منطلق معتقدي الضميري , ولكن برفضي أصبح مؤثرا , و رفضك أنت أيضا يجبر المؤسسة العسكرية أن تغير مسارها إلى أهدافها التي وجدت لها حماية الوطن و ليس قتل أبناء الوطن.

 

نرفض أن نخدم في جيش يقتلنا

لينك المقال على مدونتي : http://in2mins.blogspot.com/2012/03/blog-post.html