كلنا نعيش على وقع الاحداث الأليمة التي شهدتها فرنسا أو بالتحديد مدينة تولوز، لقد اقدم الفتى اليافع محمد مراح على تنفيذ عملية ارهابية بشعة في حق مواطنين فرنسين ابرياء، حيث قام بقتل ثلاث عساكر وثلاث أطفال وحاخام يهودي، يحيلنا هذا الفعل الدموي من جديد الى نقاش الإسلام السلفي الذي نجح في عملية غسل دماغ مراح، هذا الشاب سليل المهاجرين الذي كان همه في يوم سابق ان يخدم وطنه فرنسا حينما تقدم بطلب للالتحاق بالجندية، لكن تم رفض الطلب وقدموا مبررات تقول بان له سوابق عدلية، تراكمت في نفس هذا الشاب اليافع أفكار وأحاسيس تدفعه للشعور بانه غير مرغوب فيه ومغلوب على امره، وبأنه ابن جيل مهمش لا قيمة له بفرنسا، ليكون بعد ذلك فريسة سهلة في يد التيار السلفي الجهادي.

شاب ممتلئ بالحقد ضد وطنه، يقال بأنه مضى في زيارة الى أفغانسان وبكستان، يجد امامه افكارا تخاطب عاطفته ومشاعره قبل عقله، شاب ذو تعليم متوسط لا يمتلك القدرات المعرفية على تفكيك الخطاب وفمهمه، فيتحول بعد ذلك الى الة يتم التحكم فيها وتوجيهها عن بعد، ما يهمني من خلال هذا المقال ليس حالة محمد مراح، لكن نقاش الوضع الذي دفع بمحمد الى تبني أفكار متطرفة ومن تم الاقدام على تنفيد عمله الارهابي الدنيئ.

ينبغي اولا ان نناقش سيكولوجية الانسان المسلم السلفي، وكيف ينظر للأشياء، والمسافات التي يحتفظ بها بينه وبين كل من خالفه الرأي أو التوجه.
السلفية تنطلق من تصور امتلاك الحقيقة المطلقة، وكل من ينظم اليها لابد ان ينطلق من هذا التصور، أي ان السلفي يقف وأمامه الضالين في كل العالم، وهو وحده الذي يعرف الصواب والخير، وان من خالفه الرأي فستتم معاملته بمنهج الاستقطاب، وان لم ينجح ذلك فلابد اذا من مواجهته بحالة دموية عنيفة، او كما عبر عنها اسامة بن لادن” اننا فرقين فريق الناجين وفريق الضالين” وبالتالي فهم لا يقبلون بتقارب وتقاطع الافكار، بل يؤمنون بانك ان لم تقبل بما تقرر في قلوبهم وعاطفتهم فانت ضدهم.

السلفي حينما يتواصل معك فهو يراك في قاع البئر بينما هو في قمة الجبل، وانك في مواجهة معه، اما ان تستسلم له او يقتلك، والأخطر من هذا ان السلفي لا ياخده أي شك في أنه الناطق باسم الله.

لا يمكن لأي كان أن يقبل السلفية الا اذا كان بلا خلفية فكرية ثابتة، كما لا اعتقد بان “بيير فوجل” بألمانيا او “نيكولاس بلونخو” بسويسرا تبنوا التوجه السلفي عن اقتناع وموقف ثابت، وانما ارجح ان هنالك شيئا حرك عواطفهم، وجعلهم يشعرون بنشوة التميز والاستثناء عن بقية افراد مجتمعهم، اضافة لامكانية وجود حقد دفين بداخلهم والذي ربما تشكل لذيهم نتيجة عقد نفسية واجتماعية جد حساسة ومصيرية ترتبط بسجلهم الاجتماعي ولربما الجنسي… كما هو الحال بالنسبة للارهابي محمد مراح، وبالتالي فلن استغرب اذا سمعت يوما بان احد هذين الرجلين اقدما على تفجير مبنى او قتل شخص خالفهم الرأي، كما انني أجد فيهما تهديدا حقيقيا لقيم العلمانية وحرية التعبير و حقوق الإنسان في كونيتها.
فالسلفي كما قلنا، لا يحترم ولا يؤمن بالاختلاف، فإذا وجدك لا تعزف على الازرار التي يؤمن بها، فهذا يجعلك في تصوره كافرا وخبيثا وحقيرا… وعدوا.

اي شاب في العشرينيات من العمر، بدون افق دراسي فكري او اجتماعي فمن السهل غسل دماغه وتحويله الى ارهابي، لان عدم النضج ومعرفة العالم الخارجي يدفعنا نحو التطرف، فلا اعتقد بانني أستطيع ان اغسل دماغ عالم الاحياء رشارد داوكنز او الفيلسوف والكاتب سام هاريس واحولهما الى ارهابيين يقومان بقتل الابرياء، ستكون المحاولة معهم ضربا من العبث ومضيعة للوقت.

ان الحل لمواجهة التطرف اليوم، ليس هو المقاربات الامنية، وان كنت اجدها جد ضرورية وهامة، لكن يجب ان يكون بالموازات مع ذلك رؤية تواصلية مع شباب العالم الاسلامي، وفق منهج علمي ينهض بوعيهم الثقافي والحقوقي، ويجعلهم يقبلون بالاخر ويتواصلون معه انطلاقا من قناعات راسخة وثابتة، حتى لا يتحولوا الى ارهابين يتم التغرير بهم ومنحهم بعض الاماني مع تأشيرة مجانية للحصول على 72 عذراء بمكان بعيد اسمه الجنة.

www.facebook.com/Kaceeem